موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١٦ مايو / أيار ٢٠٢١

الأزهر والإصلاح وتجديد الخطاب

أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية

أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية

د. رضوان السيد :

 

جاء حديث شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب عن قضايا المرأة في برنامجه الرمضاني، باعثاً على استحسانٍ عامٍ من جانب أوساط ثقافية وإعلامية ما كانت تأبه في السابق إلا بالمطالبة بتجديد الخطاب الديني. ويتعلق الأمر في حديث الإمام الطيب بحق المرأة في السفر، وحقها في التعامل المالي، ومسائل الولاية وحق الاختيار في الزواج. والواقع أن هذه المسائل كان مؤتمر الأزهر للتجديد بأسيوط عام 2015 قد حسم فيها، كما فعل الشيء نفسه في مؤتمرٍ للتجديد بالقاهرة عام 2019. وكما أذكر فإن مؤتمر عام 2019 وضع جدولا بحوالي خمسين اقتراحاً إصلاحياً تتناول مسائل عقدية وفقهية وأخلاقية. وهناك اليوم لجنةٌ يشارك فيها الأزهر باتجاه تعديلٍ وتجديدٍ لقانون الأحوال الشخصية.

 

إنني أرى في إبراز الشيخ لمسائل الإصلاح الفقهي عودةً وليس ابتداءً. فلأكثر من عقدين انهمك علماؤنا كما انهمكت السلطات في مكافحة التطرف والإرهاب. فقد استشرت انشقاقاتٌ في الدين أحدثت اضطراباً في مجتمعات المسلمين. وحوّلت الإسلام إلى مشكلةٍ عالمية. وما تزال وثيقة الأخوة الإنسانية التي أصدرها شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان بأبوظبي عام 2019 ملء الأسماع والأبصار، فهي تعرض رؤيةً جديدةً لشراكةٍ عالميةٍ بين الدينين الكبيرين في القضايا الكبرى التي تُهمُّ الإنسانية جمعاء، وكان من ذلك بالطبع رذائل وسلبيات التطرف، إلى جانب العناية بحريات العقيدة والعبادة والتعليم، وحريات المرأة، ومكافحة الفقر، والاختلال البيئي، وقضايا السلام العالمي، ووحدة الإنسانية.

 

قلتُ إنّ شيخ الأزهر يعود للجانب الفقهي من قضايا الإصلاح وتجديد الخطاب، ليس لأنه كان قد غادر ذلك الموضوع من قبل. فقد كانت هذه المسائل المتعلقة بالمرأة والأُسرة في قلب مسائل الخطاب الديني طوال القرن العشرين منذ كتاب قاسم أمين (وهو تلميذ الإمام محمد عبده) الموسوم «تحرير المرأة» والصادر عام 1899. لقد سميتُ هذه المسألة عودةً، لأنّ الأَولوية طوال ما يزيد على العقدين كانت للتصحيح العقدي، ولوصل ما انقطع مع العالم.

 

وعلى الرغم من أنّ ظواهر التطرف لم تنته، فإنّ الشأنين الاجتماعي والثقافي هما هَمُّ الجمهور المسلم اليوم، لتكاثُر المتغيرات، وما تحدثُه وسائل الاتصال من اضطرابٍ وفوضى تؤثر على حياة الأُسرة وعلى الحياة الاجتماعية بشكلٍ عام.

 

يبقى تجديد الخطاب الديني إذن شاناً رئيسياً في الجانبين: جانب استكشاف رؤية متجددة للإسلام باعتباره ديناً عالمياً، وجانب الشأن الاجتماعي.

 

تميز العقد الماضي بالعلاقة الوثيقة بين رجالات الدول ورجالات العلم والفتوى، لأنّ الطرفين شعرَا بالخطر على الدولة الوطنية وعلى الدين. وهناك اليوم إحساسٌ بأن المتطرفين أو المتشددين لا يزال لهم نفوذٌ في بعض الأوساط وبما يتجاوز المسائل السياسية، إلى مسائل السلوك الشخصي وفرض الآراء على الناس بادعائهم المرجعية فيها. ويترتب على ذلك أمران: استحثاث المؤسسات الدينية على تجديد الخطاب الديني بما يؤدي إلى نزع أشرعة المتشددين، ويترافق مع ذلك يأسٌ من جانب النخب العلمانية من إمكان فعل شيء لهذه الجهة، وإيثار المصير إلى فصل الدين عن الدولة!

 

وليس لدى المؤسسات الدينية الكبرى أية أوهام بشأن الدور السياسي للدين، وهي ضد الإسلام السياسي في الأصل باعتباره مضراً بالدين، فضلاً عن إضراره بالدولة. إنما لدى المؤسسة الدينية اعتباراتها ضد الراديكاليات، سواء أتت من المتشددين أو من الليبراليين. فهي تنظر عند الخطاب الديني وضروراته إلى الجمهور وما يتحمله أو لا يتحمله. فتعمد للفت الانتباه إلى المشكلات الحقيقية، العقدية والفقهية، وترفض أيَّ مسايرةٍ للراديكاليتين: الأصولية والعلمانية. فلا يجوز التخلّي عن الملفّ الديني بحجة إضراره بالدولة، كما لم يجر من قبل التخلّي عن التضامُن مع الدولة باعتبارها المسؤولة عن حراسة الدين وعن إدارة الشأن العام.

 

نحن محتاجون أكثر من أي وقت لاستمرار علائق الانسجام بين الدين والدولة دون تخلٍّ ولا استيلاء، مستفيدين من مرارات تجارب العقود الماضية، ومستشرفين زماناً آتياً للدولة الوطنية الناهضة بمصالح مواطنيها، والمحتضنة في الوقت نفسه لجهود واجتهادات كبار العلماء باتجاه استعادة السكينة في الدين، والتفكير المشترك في الأمن الديني لمجتمعاتنا، وبالتواصل الصحي والصحيح مع العالم. والاحتضان المتبادل بالإدراك العميق للمصالح والمقاصد هو مقتضى الإصلاح، ومقتضى تجديد الخطاب.

 

(الاتحاد الإماراتية)