موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٢ يناير / كانون الثاني ٢٠١٧

الأحد الذي قبل عيد الظهور الإلهي

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن

فصل شريف من بشارة القديس مرقس (مرقس 1: 1-8) بدء انجيلِ يسوعَ المسيح ابنِ الله. كما هو مكتوبٌ في الانبياء: هاءَنذا مُرسلٌ ملاكي امام وجهك يُهـيّىءُ طريقَك قدَّامك * صوتُ صارخٍ في البّريَّة أعِدُّوا طريقَ الربّ واجعَلوا سُبلهُ قويمةً * كان يوحنَّا يعمّد في البريَّة ويكرز بمعموديةِ التوبةِ لغفران الخطايا * وكان يخرج اليه جميع اهلِ بلد اليهودية واوُرشليَم فيعتمدون جميعُهم منهُ في نهرِ الاردِنِّ معترفين بخطاياهم * وكان يوحنا يَلبَس وَبرَ الإبلِ وعلى حقوَيهِ منطقةٌ من جلدٍ وياكلُ جرادًا وعسلاً برّيـًّا * وكان يكرِز قائلاً اَّنه يأتي بعدي من هو اقوى منّي وانا لا استحقُّ ان أنحِنَي واحلَّ سَيْـَر حِذائهِ * انا عمَّدتكم بالماء وامَّا هو فيُعمِّدكم بالروح القدس. بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين أيها الأحباء، الشخص الذي لعب دورًا أساسيًا في معمودية المسيح هو السابق الشـريف يوحنا المعمدان. إّنه نبي عظيم وشخصية عظيمة تأتي بين العهدين القديم والجديد. فهو آخر أنبياء العهد القديم وأول أنبياء العهد الجديد. لقد حبل به عجائبيًا بتدّخلاً إلهـي بزرع من أبيه زخريا، وليس من الروح القدس. تتعّلق بمولده أحداث خارقة. يشـير سكنه منذ عمر الثالثة في الصحراء إلى السيرة الملائكية. تعليمه عن التوبة كان لتهيئـة البشر لاستقبال المسّيا. اّتضاعه كان مثيرًا لخوف الله. كما أن مقاربته للكمال تظهر أّنه بلغ قامة مرتفعة من النعمة. كان السابق الشريف قريبًا للمسيح لكون العذراء كانت قريبة لأليصـابات. عندما كان السابق جنيناً ذا ستة أشهر في رحم أمه، جاءت البشارة إلى والدة الإله، وهكذا نفهم أن السابق كان يكَبر المسيح بستة أشهر. تلقى يوحنا السابق الروح القدس الذي أبرزه نبياً عندما كان جنيناً ذا ستة أشهر في بطن أمه. إذ عنـدما سلمت العذراء، وكانت في بداية حملها من الروح القدس، علـى أمـه أليصـابات، "ارتكض الجنين في بطنها" )لوقا ?: ??( هكذا صار نبياً. لقد أعطيت الكثير من الصفات ليوحنا السابف. كلمة "يوحنا" تعني عطية االله". "السابق" هو الذي يتقّدم على الطريق، أي بشير المسّيا. هو يدعى "المعمدان"؛ لأّنـه عّمد المسيح. في قانون عيد الظهور، يصفه القديس قوزما المنشد أسقف مايوما بثلاث عبارات: صوت الكلمة، شمعدان النور، وسابق الشمس. كما أن ابن االله وكلمته هـو كلمة الآب المتجسد، يوحنا هو صوت الكلمة. وكما أن المسيح كإله هو النور الأزلي. لمَّا كان القدِّيس يوحنَّا في البرية، أتى إليه بعض الكهنة المرسلين من أورشليم فسألوه: "من أنت؟" فأجابهم: "أية ينادي أعِدُّوا طريق الرَّبِّ، أي قلوبكم حتى تقبلوا المسيح.وفي ذلك الزمان إذ كان يوحنَّا يُعمِّد الناس في برية الأردن ويقودهم إلى التوبة، كان يكرز لهم بأنَّ معمودية المسيح ستكون لمغفرة الخطايا، وأما هو فكان يدعوهم أن يتوبوا عن خطاياهم ويؤمنوا بالمسيح فقط، لكي ينالوا غفران خطاياهم. وقال لهم:" أنا أُعمِّدكم بالماء، وأما المسيح فسيُعمِّدكم بالروح القدس". هيأ يوحنَّا بتعليمه هذا حول مجيء المسيح ومعموديته قلوب العبرانيين كالطريق حتى يؤمنوا بالمسيح متى ظهر، فإنه كان يأتي إليه أناسٌ من جميع الكوَر اليهودية وإذ كانوا يعترفون بخطاياهم، كان يوحنَّا يُعمِّدهم في نهر الأردن. وأولئك منهم الّذين اعتمدوا بإيمانٍ عند يوحنَّا، قد آمنوا فيما بعد بالمسيح واعتمدوا باسمه أيضاً. ولمَّا كان القدِّيس يوحنَّا ساكناً هناك في البرية، كان يرتدي ثوباً من وبر الإبل ومِنطقة من جلدٍ، وكان يقتات بالعسل البري المجموع من النحل وخلايا النحل البري. يا للعجب! أنظروا إلى أية ثيابٍ خشنةٍ كان يرتديها وأية قوتٍ نيئٍ كان يقتاته أعظم نبيٍّ في العالم، وقد عاش حياته كالملائكة تماماً. ولهذا مجده الله وقد قال عنه، أنه لم يولد في العالم إنسانٌ أعظم من يوحنَّا المعمدان (متى 11: 11). لقد كان يوحنَّا متواضعاً لدرجة أنه عندما قال الشعب كلَّه عنه بأنه المسيح، أجاب يوحنَّا بطهارة قلبٍ واعترف بأنه ليس هو المسيح، وإنما خادمه وأنه هو أدنى مرتبةً حتى من العبد. فإنَّ العبد يكون مستحقاً أن يحُل سيور حذاء سيده وأما هو فليس بمستحقٍّ حتى أن يلمس حذاء المسيح. إنه بالرغم من كونه الأعظم بين الأنبياء، وبالرغم من أنه قد قُدِّس منذ أن كان في أحشاء أمِّه، وبالرغم من كونه ملاكاً أرضياً وإنساناً سماوياً، كارزاً بالمسيح، رغم ذلك أعترف يوحنَّا أيضاً بأنه غير مستحقٍّ أن يحُلَّ سيور حذاء السيِّد المسيح، وقال:" يأتي بعدي من كان كائناً قبلي، ولكنَّه وُلِدَ على الأرض بعدي. إنه هو خالق العالم أجمع، وملك الملوك. إنه القادر على كلِّ شيءٍ، وفي يده سلطانٌ على كلِّ شيءٍ. ولهذا فإني لست مستحقَّاً حتى أن ألمس حذاءه. لأنه لديه لاهوتٌ، وأما أنا فأرضٌ وترابٌ، أنا أعمِّدكم بالماء ولست قادراً على أن أمنحكم الروح القدس، وأما هو فسيهبكم الروح القدس، ويجعلكم بنيناً لله وورثةً للملكوت السماوي أيضاً." ها هو يسوع الناصري يأتي إليه. ويقول لنا متى إن يوحنا كان يرى أنه لا يستحق أن يعتمد منه. كان يوحنا يعرف يسوع. وإذا قال في موضع آخر: "لم أكن أعرفه"، لإنه حتى ذلك الحين لم يكن يعرف أنه هو "مختار الله". ويلح يسوع ليعتمد "كي يتم كل بر". وعندما عمده يوحنا إذا به "يرى" "الروح" مثل حمامة قد نزل من السماء واستقر عليه. لماذا ظهر الروح القدس بشكل حمامة؟ الحمامة حيوان أليفٌ طاهر. وبما أن الروح القدس هو روح وداعةٍ، لذلك تراءى بشكل حمامة. ومن ناحية أخرى، هذا يذكرنا بقصةٍ تاريخيةً قديمة، عندما غمر الطوفان كل المسكونة، وكاد الجنس البشري أن يفنى، كانت الحمامة الطائر الذي بيَّن بوضوح نهاية الغضب الإلهي، حاملة في منقارها غصن زيتون، كخبرٍ مفرح يعلن السلام العام. كل ذلك كان رسماً لما سيحدث لاحقاً. إنها العلامة المنتظرة. سمع صوت من السماء يقول: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت".فهم يوحنا. تعرف يوحنا إلى المسيح وشهد بأن الوعد قد تم وأن مجيء المسيح قد تحقق. ثم قال للجموع:"أنا عاينت وشهدت أن هذا هو مختار الله". المعمودية هي الطريق لنا والأبواب مفتوحة أمامنا رأينا تواضع النبي والسابق يوحنا المعمدان وعيشه في البرية . نحن أمام مفترق طرق يقودنا نحو الحقيقة ، يجردنا من كل ضعفاً ، يعطينا يسوع المسيح الذي جاء إلى يوحنا حانياً هامته كل قوة وثباتاً في إيماننا. لأنه بعد المعمودية تُغسل الخطايا إما بدموع التوبة، وإما بإراقة دماء الشهادة، كما اعتمد الكثيرون من الشهداء بمياه دمائهم المهراقة من أجل المسيح، على مثال استفانوس أول الشهداء وكثيرين غيره. وأما التوبة فقد وضعها الله نفسه، كمعمودية ثانية بالنسبة للخطأة لمَّا أعطى الرسل سلطاناً أن يربطوا ويحلُّوا (يغفروا) الخطايا البشرية. ولهذا يتوجب علينا جميعاً حينما نخطئ، أن نتوب مثل داود الّذي كان يفسل كلَّ ليلةٍ بالدموع سريره، وبالصوم والبكاء على مثال منسى وأهل نينوى، وبالتواضع على مثال العشار، وبالبكاء على شاكلة بطرس. لأنَّ الله رحيمٌ، وإنه متى رأى بكاءنا وتوبتنا الخالصة، فسيغسل حينئذٍ هو أيضاً بدوره خطايانا بوساطة دموعنا الخاصة، فإنه ليس ثمة إنسانٌ في العالم بدون خطيئة، الله وحده هو بلا خطيئة. ليكن له المجد إلى أبد الدهور. أمين