موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٢ يوليو / تموز ٢٠٢٢

«الناتو».. في حقبة جديدة

أكاديمي مغربي

أكاديمي مغربي

د. عبدالحق عزوزي :

 

نعلم أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي عقد قمتَه منذ أيام في العاصمة الإسبانية مدريد، أُنشئَ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وفي عز الحرب الباردة، وقد لاحظنا مع مرور الأعوام التكيفَ المستمرَّ الذي تعرفه هياكلُه لمواجهة التحديات الأمينة الأوروبية والمتوسطية والدولية اللامتناهية.

 

وقبل نشوب الحرب الحالية في أوكرانيا، سبق وأن خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتصريح تَحدَّث فيه عن «الموت السريري» للحلف، في مقابلة نشرتها له مجلة «ذي إيكونومست» ذائعة الصيت، وهو ما أثار في وقته ردودَ فعل مباشرة وقوية حتى من أكبر الأعضاء الأوروبيين في الحلف، وأعني بذلك ألمانيا، إذ انتقدت المستشارة الألمانية في حينه، أنغيلا ميركل، ما اعتبرته حكماً «راديكالياً» على الحلف العسكري الغربي من جانب رئيس دولة عضو (ماكرون)، وقالت في مؤتمر صحفي مع الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ: «لا أعتقد أن هذا الحكمَ غير المناسب ضروري، حتى ولو كانت لدينا مشاكل، حتى ولو كان علينا أن نتعافى».

 

ومن جهته، قال ستولتنبرغ في تلك الفترة، وفي ما يشبه رداً غير مباشر على ماكرون، إن الحلف لا يزال «قوياً»، مؤكدا أن «الولايات المتحدة وأوروبا تتعاونان الآن معاً أكثر مما فعلتا خلال العقود السابقة».

 

لكن موسكو رحّبت بتصريحات ماكرون، وذلك على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا التي كتبت على صفحتها في موقع فيسبوك قائلة: «إنّها كلمات من ذهب. إنه تعريف دقيق للواقع الحالي لحلف شمال الأطلسي».

 

لكن ذلك التصريح غير المسبوق، الذي كان قد أدلى به الرئيس الفرنسي في ذلك الوقت، لم يعد أحد يذكره الآن، ولا أحدَ يريد حتى أن يتذكره في ظل الحرب الأوكرانية الحالية والخوف الكبير الذي ينتاب الأوروبيين من تداعياتها عليهم في مجالات الأمن والطاقة والغذاء.. فالكل هناك يريد أن يَظهَر الحلف في صورة دول متحدة ومتعاونة، وأنهم إلى جانب الأزمة الأوكرانية فهم متفقون على كل شيء.

 

وهو ما نلمسه في مخرجات القمة الأطلسية الأخيرة في مدريد. ففي خريطة الطريق الاستراتيجية الجديدة التي تم تبنِّيها خلال قمة مدريد، صنّف «الناتو» روسيا على أنها «التهديد الأكبر والمباشر لأمن الحلفاء».

 

وتندد تلك الوثيقة الاستراتيجية بـ«الشراكة الاستراتيجية العميقة» بين بكين وموسكو وبـ«محاولاتهما المتبادلة للتأثير على استقرار النظام العالمي»! وأعرب الحلف عن قلقه من النفوذ الروسي والصيني المتزايد على جناحه الجنوبي، في أفريقيا خصوصاً، محذراً بهذا الشأن من خطر زعزعة استقرار هذه المنطقة من العالَم. كما تناولت الجلسةُ الأخيرة من قمة الحلف «التهديدات والتحديات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الساحل».

 

وأوضح الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، مختتماً الاجتماع، أن الدول الأعضاء تطرّقت خصوصاً إلى مسألة «سعي روسيا والصين إلى تحقيق تقدّم سياسي واقتصادي وعسكري في جنوب» نطاق أراضي دول «الناتو».

 

ويعتقد محللون أن ذلك يشكل «تحدياً متزايداً» يريد الناتو التصدي له، لاسيما عبر تقديم مزيد من المساعدات لشركائه في المنطقة، وهو ما تأكد عبر خطته لدعم موريتانيا ولمساعدة هذا البلد الأفريقي في ضمان أمن حدوده ومكافحة الهجرة غير القانونية والإرهاب.. وعيدكم مبارك سعيد.

 

(الاتحاد الإماراتية)