موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٤ مايو / أيار ٢٠٢٢

نَتُوقُ إلى الحيَاةِ الأبَديَّة

بقلم :
د. أشرف ناجح عبد الملاك - كولومبيا
نَتُوقُ إلى الحيَاةِ الأبَديَّة

نَتُوقُ إلى الحيَاةِ الأبَديَّة

 

كتب جبران خليل جبران: «أتوق إلى الأبدية لأنّني سأجتمع فيها بقصائدي غير المنظومة، وصوري غير المرسومة» ("رَمْلٌ وزَبَدٌ"). ونحن أيضًا نَتُوق إلى الحياة الأبديّة، لأنّنا سنجد فيها أشعارنا غير المكتوبة، ولوحاتنا غير المرسومة، وكتاباتنا غير المكتملة، وأحلامنا غير المتحقّقة، ورغباتنا المدفونة في أعماقنا.

 

نَتُوق إلى الحياة الأبديّة، لأنّنا سنلتقي فيها بمَن رغبنا في قضاء حياتنا كلّها معه على هذه الأرض ولم نستطع، وبمَن أردنا أن نراه ولو مرّة واحدة ولم نتمكَّن، وبمَن سعينا لأن ننعم معه يومًا واحدًا آخر ولم نستطع لذلك سبيلًا.

 

نَتُوق إلى الحياة الأبديّة، لأنّه ستتحقّق فيها العادلةُ الكاملة لمَن لم ينصفه العدل البشريّ، والمحبّةُ التّامّة لمَن كرهه العالم لأنّه ليس من أبنائه، والتّرحابُ الكبير لمَن عاش مرفوضًا ومهانًا، والاستقرارُ الدّائم لمِن قضى حياته سائحًا ومهاجرًا ورحَّالةً على هذه الأرض.

 

نَتُوق إلى الحياة الأبديّة، لأنّه ستجد فيها أتعابُ الإنسان ومشقّاته ومعاناته الثّمارَ النّاضجة واليَانِعَة، فلا يمكن أن يذهب في مهبِّ الرِّيح كفاحُ وجهاد الإنسان في تكوين وتثقيف ونمو نفسه في هذه الحياة. فما معنى سعي الإنسان في أن يصنع من نفسه إنسانًا بما تحمل الكلمة من معنى، إذا كانت حياته تنتهي ههنا فحسب؟

 

نَتُوق إلى الحياة الأبديّة، لأنّه ستحصل فيها تساؤلاتُ البشر العميقة كلُّها على إجاباتها النّهائيّة والكاملة والتّامة؛ فكلّ "لماذا" خرجت من عقل وباطن وكيان كلّ إنسان سوف تجد "لأنّ" كإجابة تغلق الباب على أيّ تساؤل آخر يبدأ بـ"لماذا". أجل، ففي الحياة الأبديّة ستنتهي شتّى أنواع التّساؤلات، لأنّ الحياة الأبديّة هي الإجابة النّهائيّة والكاملة والتّامة على التّساؤلات البشريّة كلّها، لكونها الوُلوج في سرّ الله الذي لا يُسبَر غَوْره. 

 

نَتُوق إلى الحياة الأبديّة، لأنّنا لأجل هذا قد خُلِقنا، ولأجل هذا نعيش، ولأجل هذا نواصل مسيرتنا. إنّنا بشرٌ معجون بالحياة الأبديّة، فنحن نحيا ونسعى إلى هذه الحياة التي تجد في الله أصلها ومرجعها وغايتها.

 

نَتُوق إلى الحياة الأبديّة، لأنّنا نَرنو– بعِشق وغَرَام لا يُرَدّ عليه إلَّا بالعِشق والغَرَام– إلى الإله الذي أرادنا كائنات حيّة في الحياة، وخليقة جديدة للحياة، وبشرًا مُتألِّهين خالدين مجيدين في آفاق الحياة. 

 

نَتُوق إلى الحياة الأبديّة، لأنّ كلّ ما فينا، وكلّ ما حولنا، يصرخ طالبًا تلك الحياة التي لا تعادلها حياة، والتي بدونها ما جدوى الحياة.

 

نَتُوق إلى الحياة الأبديّة، لأنّنا مخلوقات خرجت من الإله الحيّ السَّرْمَدِيّ الأبديّ، وفيه تجد مرجعها، وإليه تعود بعد ترحال وحجّ على هذه الأرض؛ فالحياة الأبديّة هي جُزءٌ لا يتجَزَّأ من رجائنا المسيحيّ.