موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٩ يوليو / تموز ٢٠٢٢

مثل السامري الرحيم ومَن قَريبي؟

بقلم :
الأب لويس حزبون - فلسطين
الأحد الخامس عشر السنة: مثل السامري الرحيم ومَن قَريبي؟ (لوقا 10: 25-37)

الأحد الخامس عشر السنة: مثل السامري الرحيم ومَن قَريبي؟ (لوقا 10: 25-37)

 

النص الإنجيلي (لوقا 10: 25-37)

 

25 وإِذا أَحَدُ عُلماءِ الشَّريعَةِ قَد قامَ فقالَ لِيُحرِجَه: ((يا مُعَلِّم، ماذا أَعملُ لِأَرِثَ الحيَاةَ الأَبَدِيَّة؟)) 26 فقالَ له: ((ماذا كُتِبَ في الشَّريعَة؟ كَيفَ تَقرأ؟)) 27 فأَجاب: ((أَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ، وكُلِّ نَفسِكَ، وكُلِّ قُوَّتِكَ، وكُلِّ ذِهِنكَ وأَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفسِكَ)). 28 فقالَ لَه: ((بِالصَّوابِ أَجَبْتَ. اِعمَلْ هذا تَحْيَ)). 29 فأًَرادَ أَن يُزَكِّيَ نَفسَه فقالَ لِيَسوع: ((ومَن قَريبـي؟)) 30 فأَجابَ يَسوع: ((كانَ رَجُلٌ نازِلاً مِن أُورَشَليم إِلى أَريحا، فوقَعَ بِأَيدي اللُّصوص. فعَرَّوهُ وانهالوا علَيهِ بِالضَّرْب. ثمَّ مَضَوا وقد تَركوهُ بَينَ حَيٍّ ومَيْت. 31 فاتَّفَقَ أَنَّ كاهِناً كانَ نازِلاً في ذلكَ الطَّريق، فرآهُ فمَالَ عَنه ومَضى. 32 وكَذلِكَ وصلَ لاوِيٌّ إِلى المَكان، فَرآهُ فمَالَ عَنهُ ومَضى. 33 ووَصَلَ إِلَيه سَامِرِيٌّ مُسافِر ورَآهُ فأَشفَقَ علَيه، 34 فدَنا منه وضَمَدَ جِراحَه، وصَبَّ علَيها زَيتاً وخَمراً، ثُمَّ حَمَلَه على دابَّتِه وذَهَبَ بِه إِلى فُندُقٍ واعتَنى بِأَمرِه. 35 وفي الغَدِ أَخرَجَ دينارَيْن، ودَفَعهما إِلى صاحِبِ الفُندُقِ وقال: ((اِعتَنِ بِأَمرِه، ومَهْما أَنفَقتَ زيادةً على ذلك، أُؤَدِّيهِ أَنا إِليكَ عِندَ عَودَتي)). 36 فمَن كانَ في رأيِكَ، مِن هؤلاءِ الثَّلاثَة، قَريبَ الَّذي وَقَعَ بِأَيدي اللُّصوص؟)) 37 فقال: ((الَّذي عَامَلَهُ بِالرَّحمَة)). فقالَ لَه يَسوع: ((اِذْهَبْ فاعمَلْ أَنتَ أَيضاً مِثْلَ ذلك)).

 

 

مقدمة

 

قدّم لوقا الإنجيلي مَثل السامري الرحيم الذي هو أحد أشهر أمثال يسوع، وأكثرها واقعية، معلناً مفهوم الأُخوَّة العامة كما يقول القديس ايرونيموس "نحن أقرباء، كل البشر أقرباء لبعضهم البعض، إذ لنا أب واحد".  فيُبيّن هذا المثل أن قريبي هو كل إنسان بحاجة لمعونة، بغض النظر إلى الفئة والعائلة التي ينتمي إليها، أو البلد أو الوطن أو الدين. وبهذا يُعلن هذا المثل مفهوم الأُخوَّة الإنسانية من ناحية، وان الدين لا يقتصر على معرفة كلمة الله والعبادة والصوم والصلاة من ناحية، بل على أعمال الرحمة الإنسانية تجاه مشكلات الإنسان وآلامه وآماله من ناحية أخرى. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته.

 

 

أولا: وقائع النص الإنجيلي (لوقا 10: 25-37)

 

25 وإِذا أَحَدُ عُلماءِ الشَّريعَةِ قَد قامَ فقالَ لِيُحرِجَه: يا مُعَلِّم، ماذا أَعملُ لِأَرِثَ الحيَاةَ الأَبَدِيَّة؟

 

تشير عبارة "أَحَدُ عُلماءِ الشَّريعَةِ" باليونانية νομικός (معناها نَامُوسِيٌّ) إلى أحد المختصِّين في نسخ وتفسير شريعة موسى، وتعليمها في المدارس والمجامع، وقد أتَّخذ دراسة الناموس، كتب موسى الخمسة وتفسيرها مهنة له (لوقا 11: 45). حيث أنَّ الكتبة هم الذين يهتمون بالكتاب كله بما يتضمَّنه من أسفار الأنبياء والمزامير.  وعلماء الشريعة هم فرقة من الكتبة. رأى لوقا الإنجيلي في عالم الشريعة أولا محرباً ثم قلباً مستعداً ومحاوراً حسن التأهب (لوقا 10: 27-28).  وأمَّا متى الإنجيلي فقد رأى فيه انه "قريب من ملكوت الله" (متى 22: 35). أمَّا عبارة "قام" فلا تشير إلى الاحترام بل إلى الخبث لأنه أضمر الشر في قلبه، فقد أراد أن "يجُرِّبه" ليُوقعه في فخ؛ أمَّا عبارة "لِيُحرِجَه"ἐκπειράζων  فتشير إلى الكاتب الذي ينصب فخا ليسوع إذ ورد هذا التعبير عن إبليس ليجرِّبه πειράζω (لوقا 4: 22). حمل عالم الشريعة صورة التقوَّى وقلب إبليس في داخله! إنها عبارة قوية تخبرنا أنه، وراء كلمات عالم الشريعة وداخلها، تكمن تجربة تعطي صورة كاذبة عن الربّ. وهي إنَّنا بإمكانية محبة الله وخدمته دون أن نخدم الأخ الموجود بالقرب منا وهذا ما يناقض كلمات يسوع "إِذا قالَ أَحَد: إِنِّي أُحِبُّ الله وهو يُبغِضُ أَخاه كانَ كاذِبًا لأَنَّ الَّذي لا يُحِبُّ أَخاه وهو يَراه لا يَستَطيعُ أَن يُحِبَّ اللهَ وهو لا يَراه" (1 يوحنا 4: 20).  أمَّا عبارة "ماذا أَعملُ لِأَرِثَ الحيَاةَ الأَبَدِيَّة؟" فتشير إلى السؤال العملي الذي طرحه عالم الشريعة مستفسراً من يسوع عمَّا ينبغي أن يفعله ليرث الحياة الأبدية وبالتحديد ما هي شروط وراثة الحياة الأبدية. وهذا السؤال هو من أهم الأسئلة التي يجب على كل إنسان أن يسألها. وهو نفس السؤال الذي سأَلَه أَحَدُ الوُجَهاء ليسوع: ((أَيُّها المُعَلِّمُ الصَّالِح، ماذا أَعمَلُ لِأَرِثَ الحَياةَ الأَبَدِيَّة؟)) (لوقا 18: 18).  عالم الشريعة يشعر هنا بالعجز عن بلوغ الراحة الداخليَّة، أو التمتُّع بالحياة، لهذا لم يقل: "ماذا أتعلَّم؟" أو بماذا أُعلِّم الآخرين؟ إنما قال: "ماذا أعمل؟" السؤال يُهِّم كل إنسانٍ مؤمن باللّه، مؤمنٍ بحياة أبدية، يتوق أن يرث الحياة الأبدية. أمَّا عبارة "أَعملُ " فتشير إلى الواقعية خاصة أنَّ هذا الفعل يتكرَّر في هذا المثل (لوقا 10: 28، 37).  أمَّا عبارة " الحيَاةَ الأَبَدِيَّة " فتشير إلى حياة الله والمسيح في المؤمن المولود ثانية (يوحنا 3: 3 ،24: 5، 3: 17).  وهكذا نجد أنَّ فكرة الحياة الأبدية، بدأت تظهر شيئًا فشيئًا (دانيال 12 :2). وقد توسّعت في العهد الجديد.

 

26 فقالَ له: ماذا كُتِبَ في الشَّريعَة؟ كَيفَ تَقرأ؟

 

تشير عبارة "ماذا كُتِبَ في الشَّريعَة؟ " إلى إجابة يسوع بتساؤل مضاد له. يردَّ يسوع على سؤال عالم الشريعة بسؤال داعيّا إياه للبحث عن كلمة الله في الشَّريعَة، للوصول إلى الحياة. فيلزم يسوع عالم الشريعة باتخاذ موقف وإعطاء جوابَ على مستوى العملي. فصار السائل مسؤولا. وأشار يسوع أن قضية الحياة الأبدية ليست سؤالا يجيب عنه الآخرون، بل على الإنسان نفسه أن يُجيب عنه. أما عبارة "الشَّريعَة" في الأصل اليوناني νόμος، والتعبير العبري תּוֹרָה" (معناها تعليم) فتشير إلى ما ينطبق على المجموعة التشريعية التي ينسبها تقليد العهد القديم إلى موسى النبي. واستناداً إلى هذا المعنى التقليدي في اليهودية، يُطلق العهد الجديد اسم "الشريعة" على النظام كلّه الذي كان هذا التشريع يشكّل الجزء الأساسي فيه (رومة 5: 2)، تمييزاً له عن تدبير النعمة الذي أسَّسه يسوع المسيح (رومة 6: 15، يوحنا ا: 17)، ولو أن العهد الجديد، يتكلم هو أيضاً عن "شريعة المسيح" (غلاطية 6: 2).  ومن هذا المطلق، إن اللاهوت المسيحي يُميِّز بين العهدين بتسميتهما "الشريعة القديمة" و"الشريعة الجديدة". إلا أنه في تغطية مجموع تاريخ الخلاص إجمالاً، يعترف فضلاً عن ذلك بوجود نظام "الشريعة الطبيعية" (رومة 2: 14-15)، الذي يصلح لكل الناس الذين عاشوا أو يعيشون على هامش الشريعتين القديمة والجديدة.  أمَّا عبارة "كَيفَ تَقرأ؟" فتشير إلى سؤال اصطلح عليه الربَّانيون عندما كانوا يسألون تلاميذهم عما قرأوه من كلمات التوراة. وبالمِثل يطرح يسوع هذا السؤال كي يلزم محاوره باتخاذ موقف. أنّ الطريق للوصول إلى الحياة الأبدية هو الاستناد على كلمة الله بتجسيدها في الحياة اليومية. ونحن كيف نقرأ؟ هل للمعلومات فقط، أم لمعرفة المسيح الذي يشفي طبيعتنا ويقودنا إلى الحياة الأبدية؟

 

27 فأَجاب: أَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ، وكُلِّ نَفسِكَ، وكُلِّ قُوَّتِكَ، وكُلِّ ذِهِنكَ وأَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفسِكَ.

 

عبارة "فأَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ بكُلِّ قَلبكَ كلِّ نَفسِكَ كلِّ قُوَّتكَ" تشير إلى إجابة عالم الشريعة على سؤال يسوع بالرجوع إلى جوهر الشريعة كما ورد في تثنية الاشتراع (ثنية الاشتراع 6: 5)؛ فاظهر عالم الشريعة بهذا الجواب قوة إدراكه خلاصة الشريعة وبلاغته في الإيجاز بدلا من أن يذكر الأوامر والنواهي تفصيلاً.  فأظهر أن معرفته الشريعة كانت أعظم من معرفته نفسه.  وقد عرف عالم الشريعة هذا الجواب من تلقاء نفسه، في حين التزم يسوع أن يُجيب عالم شريعة آخر موجود في اورشليم بقوله له " "أَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ وكُلِّ نَفْسِكَ وكُلِّ ذِهِنكَ.  تِلكَ هي الوَصِيَّةُ الكُبرى والأُولى. والثَّانِيَةُ مِثلُها: أَحبِبْ قريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ" (متى 22: 37-39). أمَّا عبارة "بِكُلِّ قَلبِكَ" في الأصل العبري בְּכָל־לְבָבְךָ فتشير إلى القلب الذي هو مركز الحياة، وهو قادر على الحب. أمَّا عبارة "وكُلِّ نَفسِكَ" בְכָל־נַפְשֶׁךָ فتشير إلى النفس التي هي مركز الإحساس والتأثر، وهي قادرة على فعل العبادة. أمَّا عبارة "وكُلِّ قُوَّتِكَ" فتشير إلى القدرة التي هي مركز الإرادة، وهي قادرة على الطاعة والخضوع، أمَّا عبارة " وكُلِّ ذِهِنكَ" فتشير إلى الفكر الذي هو مركز القوة العاملة، وهو قادر على التأمل وفعل الإيمان الثابت والعامل بالمحبة. وهذه الوصية هي ممكنة بحسب تعليم موسى النبي، لأن شريعة إله بني إسرائيل موضوعة في "القلب" وعلى "شفاه" الإنسان نفسه كما جاء في الكتاب المقدس "الكَلِمَةُ قَريبَةٌ مِنكَ جِدًّا، في فَمِكَ وفي قَلبِكَ لتعمَلَ بِها" (تثنية الاشتراع 30: 14). مما يؤكد إنّه لنُتممّ شريعة الرّبّ، نحن مُطالبين بالعودة إلى ذواتنا بشكل أعمق أي إلى قلوبنا وشفاهنا لتجسيد ما هو في القلب عبر شفاهنا. وفي هذا الصدد يقول بولس الرسول "فإذا شَهِدتَ بِفَمِكَ أَنَّ يسوعَ رَبّ، وآمَنتَ بِقَلبِكَ أَنَّ اللّهَ أَقامَه مِن بَينِ الأَموات، نِلتَ الخَلاص" (رومة 10: 9). أمَّا عبارة "أَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفسِكَ" فتشير إلى إجابة عالم الشريعة على سؤال يسوع بالرجوع إلى جوهر الشريعة" كما ورد في سفر الأحبار (19: 18). ولذلك فإن محبة لله ومحبة القريب ليست موضوعا جديداً، بل هو قسم من العهد القديم، ورسالة يسوع مؤسَّسة أولا على الشريعة. وقد تحدث يسوع عنها بإفاضة (متى 19: 16-22). فالعهد القديم يُمهّد لرسالة يسوع. فالمحبة أساس الديانة المسيحية، إذ قال فيها الرسول يوحنا "اللّهَ مَحبَّة" (1 يوحنا 4: 8)، وإن ربط محبة اللّه بمحبة القريب يأتي من سؤال يوحنا الرسول: " إِذا قالَ أَحَد: إِنِّي أُحِبُّ الله وهو يُبغِضُ أَخاه كانَ كاذِبًا لأَنَّ الَّذي لا يُحِبُّ أَخاه وهو يَراه لا يَستَطيعُ أَن يُحِبَّ اللهَ وهو لا يَراه" (1يوحنا 4: 20). يظهر هنا كيف أن العهد القديم مهَّد لرسالة يسوع.

 

 28 فقالَ لَه: بِالصَّوابِ أَجَبْتَ. اِعمَلْ هذا تَحْيَ.

 

تشير عبارة "بِالصَّوابِ أَجَبْتَ" إلى موافقة يسوع الإيجابية لعالم الشريعة، إذ وجد فيه محاورا حسن التأهب بالرغم من محاولة عالم الشريعة أن يُجرِّبه، ومع كل ذلك لم يصدُّه، بل مدحه قائلًا: "بِالصَّوابِ أَجَبْتَ". وإجابة عالم الشريعة تقود يسوع للتركيز على مضمون الشَّريعَة الّتي تتعلق بأبعاد الإنسان العميقة الكامنة في القلب والرغبة والعقل كما ورد في سفر تثنية الاشتراع (تثنية الاشتراع 30: 10-14).  أمَّا عبارة " اِعمَلْ هذا تَحْيَ" فتشير إلى عمل عالم الشريعة على هذا الأسلوب علامة على نيل الحياة الأبدية، لانَّ الذي يُحب الله فوق كل شيء، ويُحب قريبه كنفسه، يكون ممن نشأت في قلبه الحياة الأبدية. وخاطب يسوع عالم الشريعة بكلمات الشريعة تمهيدا لكلمات الإنجيل كما جاء في قول بولس الرسول " فصارَتِ الشَّريعَةُ لَنا حارِسًا يَقودُنا إِلى المسيح لِنُبَرَّرَ بِالإِيمان"(غلاطية 3: 24). وفي الواقع حياة الإيمان تتكوّن من الممارسة المستمرَّة لأعمال المحبة، ولا تبقى على مستوى الكلام. ومن هذا المنطلق، تركز وصية الشريعة على مبدأ الحب الكياني، الحب العامل أو الإيمان العامل بالمحبة، وهذا هو العمل الأساسي الذي يساعد على خلاص الإنسان ونيل الحياة الأبدية. نجد جواب مماثل، حينما سألوا المسيح " ماذا نَعمَلُ لِنَقومَ بِأَعمالِ الله؟ فأَجابَهُم يسوع: عَمَلُ اللهِ أَن تُؤمِنوا بِمَن أَرسَل "(يوحنا 6: 28-29). و" المَحبَّةُ هي كَمالُ الشَّريعة" (رومة 10:13).

 

29 فأًرادَ أَن يُزَكِّيَ نَفسَه فقالَ لِيَسوع: ومَن قَريبـي؟

 

تشير عبارة "أَن يُزَكِّيَ نَفسَه" إلى الكاتب الذي أراد أن يبرّر نفسه أو بالأحرى أن يشهد لنفسه بالخير، والطهارة عن المعاصي والرذائل ويمدحها وكأنه يَمِّنَ على الله، يقول:" إنني حفظت الوصايا" ويُظهر انه جاد في بحثه. يحاول عالم الشريعة أن يُجرِّب يسوع أولاً، ومن ثم يحاول تبرير نفسه. إنه يبحث عن سؤال يمنحه اليقين بأنه بارّ ومُبرّر. أمَّا عبارة "ومَن قَريبـي؟" فتشير إلى سؤال حول هوية القريب، لان آراء العلماء في ذاك تختلف كثيرًا. كان على الأرجح يقصر لفظ القريب على "أخيه" الإسرائيلي وبالتحديد ابن شعبه وعضو من أعضائه (خروج 20: 16-17)؛ إن القريب -بحسب تعليم آباء اليهود -كان اليهودي فقط، وهنا علينا أن نميّز تعليم التوراة وبين تفسير هذه التعاليم عند آباء اليهود، فاليهود كانوا متعصِّبين لجنسهم وقوميتهم، فكانوا شعباً يُبغض بقية الشعوب، ويُسمِّونهم كلاباً، ولا يعترفون حتى بالسَّامرييِّن الذين كانوا على مذهبهم اليهودي، لأنهم اعتبروهم غرباء الجنس، فقريب اليهودي كان اليهودي فقط ، وبقية الناس يُعتبروا أعداء له، لذلك يسأل عالم الشريعة قائلاً: "مَن قَريبـي؟ " ولكن غايته الحقيقية هي أن يجرَّ يسوع إلى نقاشات لا تنتهي وليست ذات فائدة عملية. أمَّا عبارة "قَريبـي" في الأصل اليوناني πλησίον وفي اللغة العبرية (רֵעִי) (معناها النسيب أو الجار) فتشير إلى فكرة المشاركة مع شخص ما والرغبة في معاشرته. وفي اللحظة التي يتم فيها اللقاء بين شخصين يصبح كل منهما القريب بالنسبة إلى الآخر، بغض النظر عن علاقة القرابة بينهما، أو عن تصوّرات الواحد بالنسبة إلى الآخر. إلا أن أفق الشريعة لم يتعدَّ قط شعب إسرائيل: فالقريب هو الأخ أو من النسب (الخروج 18: 7) أو الصديق (الأمثال 27: 9) أو عضو من الشعب الإسرائيلي (الخروج 2: 13). لكن يسوع وسَّع دائرة القريب من الجار والنسب والأخ والصديق إلى كل إنسان واقع في الشدة حتى وإن كان عدوّاً. فهذا الإنسان يدعوني إلى أن أصبح قريباً له، لانَّ الله أصبح قريبا للإنسان (الخروج 33: 11) وخاصة في المسيح يسوع كما جاء في تعليم بولس الرسول "إِنَّ الكَلامَ بِالقُرْبِ مِنكَ، في فَمِكَ وفي قَلبِكَ" (رومة 10: 8).

 

30 فأَجابَ يَسوع: كانَ رَجُلٌ نازِلاً مِن أُورَشَليم إلى أَريحا، فوقَعَ بِأَيدي اللُّصوص. فعَرَّوهُ وانهالوا علَيهِ بِالضَّرْب. ثمَّ مَضَوا وقد تَركوهُ بَينَ حَيٍّ ومَيْت.

 

تشير عبارة "أَجابَ يَسوع" إلى ردِّ يسوع غير مباشر لسؤال عالم الشريعة داعيا إياه الإجابة بنفسه بالبحث في الشريعة التي هو معلمها، وذلك عن طريق ضرب المثل. وليس هذا المثل تشبيها، بل مثالا يصوّر لنا موقفا يُقتدى به. ومن المرجَّح انه أُخِذ من واقع الحياة، لانَّ يسوع لم يكن يُعرَّض الكاهن واللاوي لتهمة قساوة القلب لو لم تكن هناك حادثة تُبرِّر هذا الاتهام. والمثل الذي ضربه يسوع هو تطبيق عملي حقيقي لشريعة المحبة. أمَّا عبارة "رَجُلٌ" في الأصل اليوناني ἄνθρωπος, (معناه إنسان) فتشير إلى إنسان دون الإشارة إلى هويته أو قوميته أو دينه واتجاهاته ومبادئه حيث أنَّ لديه حقوق وواجبات إنسانية مُحدَّدة على إخوته البشر لمجرد أنَّه إنسان. ويرى البعض أنه يرمز إلى آدم وللبشرية كلها. ويُعلق القدِّيس ساويرس" لم يقل مخلِّصنا "أناس كانوا نازلين، بل قال "إنسان كان نازلًا". إن المسألة تخص البشريَّة جمعاء". أمَّا عبارة " نازِلاً مِن أُورَشَليم إلى أَريحا " فتشير إلى انحدار الطريق حوالي 1000 متر على مسافة نحو 25 كلم من قمة جبل الزيتون في اورشليم، وعلى مسافة ثمانية كيلومترات غربي نهر الأردن، وتستغرق من المسافر حوالي سبع ساعات مشياً على الأقدام. وتمرُّ هذه الطريق في ممرات ضيقة وتُكثر فيها الكهوف، وبالتالي اللصوص وقطاع الطرق حتى إنها سُمِّيت "الطريق الحمراء أو الدموية" علما أنَّ أريحا مدينة اللعنة (يشوع 26:6) وترمز للأرض الملعونة بسبب الخطيئة (تكوين 17:3) فهي رمز للشر، وللخطيئة، أمَّا أورشليم هي رمز للفردوس وللسعادة التي تأتي من العلى؛ أمَّا عبارة " أُورَشَليم" فتشير إلى مكان السلام مع الله والحياة معه تعالى. وبسبب خطيئة آدم نزل من اورشليم.  أمَّا عبارة " أَريحا" بالعبرية ירִיחוֹ (معناها مدينة القمر أو مكان الروائح العطرية) فتشير إلى ارض الشقاء الذي نزل إليها آدم. فأريحا مدينة اللعنة (يشوع 26:6) وترمز للأرض الملعونة بسبب الخطيئة (التكوين 7:3). أمَّا أريحا التي ورد ذكرها في العهد القديم فموضعها تل السلطان، الذي يقع على بعد 1.6 كم من مدينة أريحا الحديثة. وأمَّا وتلول أبو العليق التي تقع على مسافة 1.6 كم غربي أريحا الحديثة، هي بقايا الحي الراقي الغنيّ من أريحا في عصر العهد الروماني، أيام المسيح. وقد كشف المنقِّبون في تلول العليق عن قصر هيرودس الكبير.  وتقع أريحا في منخفض يبلغ 251م تحت مستوى سطح البحر، ولذا فجوِّها حار جدا صيفا ومعتدل شتاء. وقد اشتهرت منذ عصور قديمة بزراعة شجر النخيل (تثنية 34: 1و3 وقض 3: 13). والبرتقال والورد (سيراخ 24: 14) وأشجار الجميز (لوقا 9: 14) والبلسم وكثير من أشجار الفاكهة (يشوع 6). والنبع الذي أبرأه أليشاع هو ما يرجّح عين السلطان (2 ملو ك 2). وفي عصر العهد الجديد كانت فرقة من الكهنة تسكن أريحا. ولا بدَّ أنهم كثيراً ما كانوا يسافرون في الطريق الموصل من أورشليم إلى أريحا كما ذكر في مثل السامري الصالح (لوقا 10: 30و31) وقد أعاد يسوع البصر إلى بَرطيماوُس الأعمى (مرقس 10: 46) ورفيقه في أريحا (لوقا 18: 35). وقد زار المسيح بيت زكا جابي الضرائب في أريحا وقد تاب زكا ورجع إلى الرب بعد ما زار يسوع بيته (لوقا 19: 1-10). أمَّا عبارة "فوقَعَ بِأَيدي اللُّصوص" فتشير إلى الأرض بين اورشليم وأريحا ارض خالية من السكان وفيها أودية عميقة تكثر فيها الكهوف في صخورها يكمن بها اللصوص للمسافرين حتى سُمِّيت بالطريق الحمراء أو الدموية لكثرة اللصوص فيها. أمَّا عبارة "فعَرَّوهُ" فتشير إلى قساة اللصوص فلم يكتفوا بأخذ نقوده وبضاعته بل نزعوا عنه ثيابه وجعلوه بلا كرامة ولا حكمة. أمَّا عبارة "انهالوا علَيهِ بِالضَّرْب" فتشير إلى هجوم اللصوص عليه ليمنعوه من المقاومة ومن تتبع آثارهم.  أمَّا عبارة "ثمَّ مَضَوا" فتشير إلى عدم اكتراث اللصوص بموته أو حياته. أمَّا عبارة "بَينَ حَيٍّ ومَيْت" فتشير إلى الرجل الذي وقع بين أيدي اللصوص حي جسديًا، لكنه عاجز أن يسير إلى حيث يجد من يعتني به، إذ فيه نسمات حياة ولكن لفترة قصيرة سيموت بعدها حتمًا أنَّ لم يجد من يعالجه.

 

31 فاتَّفَقَ أَنَّ كاهِناً كانَ نازِلاً في ذلكَ الطَّريق، فرآهُ فمَالَ عَنه ومَضى.

 

تشير عبارة "فاتَّفَقَ" إلى عدم وجود قصد أدّى للاعتناء بالجريح. أمَّا "كاهِناً" (في الأصل اليوناني ἱερεύς مشتق من اسم عبري כּהֵן) فتشير إلى خادم دين المُخصَّص لتقديم الذبائح وتقريب الخبز. وكان كل ذكر من ذرية هرون كاهناً (2 أخبار 26: 18)، بشرط ألاّ يكون فيه أي عيب أو تشويه جسدي، وكان البكر فقط يمكنه أن يكون كاهناً عظيماً ولم يكن جائزاً لمن فيه أي عيب (الأحبار 21: 16-24). وقسَّم داود الكهنة إلى 24 فرقة منها ست عشرة من عائلة العازار وثمانٍ من عائلة ايثامار (1 أخبار 24: 4). وكانت هذه الفرق تمارس وظائفها بالتتابع وتُبدلَّ الفرقة بغيرها كل سبت، وهكذا كان لا بدَّ لكل فرقة من أن تمارس واجباتها مرتين في السنة على الأقل. والظاهر أنه في أثناء السبي حدث اختلاف في أمر هذه الفرق، لأنَّه عندما عاد مع زربابل 4289 كاهناً كانوا كلهم من أربع من هذه الفرق فقط (عزرا 2: 36-39 ونحميا 7: 39-42). وكانت واجبات الكهنة الذبائح اليومية والأسبوعية والشهرية والسنوية. وعدا ذلك فإنهم كانوا يخدمون في الاحتفالات والتطهير ويعتنون بالآنية المقدسة والنار المقدسة والمنارة الذهبية وأثاث المقدس. وكانوا يُطلقون الصوت في الأبواق المقدسة ويحملون تابوت العهد ويقضون في دعاوي الغيرة ويقدِّرون المال للافتداء، وينظرون في شأن البرص، ويفسِّرون الناموس للشعب، ويقومون باستشارة الله بواسطة الاوريم والتميم (خروج 28: 30 وعزرا 2: 63). غير أن الكتاب المقدس يقول عنهم بأنهم كثيراً ما أهملوا هذه الواجبات (2 أخبار 17: 7-10). وكانت أريحا مقام كثيرين من الكهنة واللاويين حين فراغهم من خدمة الهيكل. الكاهن رمز من يقوم بالإشراف على تقديم القرابين في الهيكل ويُمثل استقامة الرأي والكرامة اليهودية؛ أمَّا عبارة " فرآهُ فمَالَ عَنه ومَضى "فتشير إلى الكاهن الذي تعامل مع الرجل الجريح المغدور كمشكلة عليه أن يتجنَّبها، إذ لم يرَ علاقة بين الدين والخدمة الإنسانية؛ فكان الدين في نظره مجرد طقوس ومراسيم. والكاهن يرمز إلى الشريعة في تاريخ الخلاص، ولم تستطع الشريعة أن تشفي جروحات آدم. فالشريعة تساعدني على رؤية خطيئتي، وضعفي، ولكنّها لا تزيلها. أمَّا عبارة "مَالَ عَنه" في الأصل اليوناني ἀντιπαρῆλθεν (معناها جاز مقابله) فتشير إلى "حركة التفافية"، فالكاهن يُدير وجهه، ولم يقف على امر الجريح المغدور بل أستمر في سيره كي يتجنَّب الإنسان الملقى على الأرض، والسبب في ذلك لم يُردْ أن يتأخر أو يُكلِّف نفسه نفقة وتعباً، وإمَّا أنَّه خاف من نجاسة طقسية إن كان الجريج المغدور ميتا ودنا من جثته، وإمَّا أنه خاف من أن يتهمه أحد بقتله إذ ا رآه قريبا منه. نسى الكاهن قوله تعالى " فإِنَّما أُريدُ الرَّحمَةَ لا الذَّبيحة" (هوشع 6: 6).

 

32 وكَذلِكَ وصلَ لاوِيٌّ إلى المَكان، فَرآهُ فمَالَ عَنهُ ومَضى.

 

تشير عبارة "لاوي" (في الأصل اليوناني Λευίτης مشتق من اسم عبري לֵוִי معناه مقترن) إلى أحد أبناء لاوي وهم مساعدو بني هارون. واللاويون هم رجال يعُهدَ إليهم خدمةُ الهيكل، والمحافظة على الطهارة الشرعيَّة. فإنْ مسَّ مَيْتاً أصبحَ نَجِساً وأُبعِدَ عن الخِدمة.  وكان اللَّاويّون متوسطين بين الشعب والكهنة ولم يَجز لهم أن يقدِّموا ذبائح أو يُحرقوا بخوراً أو يروا الأشياء المقدسة إلاَّ مغطاة (عدد 54) إلا أنهم كانوا أقرب إلى التابوت من الشعب، وكان من واجباتهم أن يحملوا خيمة الاجتماع إذا رحلوا، وينصبوها إذا حلوا في مكان للإقامة فيه مدة من الزمن. وقد كان اللاويُّون يبدأون الخدمة على وجه العموم وهم في الخامسة والعشرين من العمر (عدد 8: 24). إنما كانوا مقتدرين مختبرين في هذه الخدمة عند بلوغهم الثلاثين (عدد 4: 3 و1 أخبار 23: 3-5) أو في سن الخامسة والعشرين. ولما استقر الشعب في كنعان ولم يَعدْ هناك من حاجة إلى التنقل ونقل الخيمة، أصبحت الخدمة عملاً عادياً سهلاً، فأصدر داود أمراً بجعل بداية الخدمة في سن العشرين أي عندما يدخل الشبان من الأسباط الأخرى في خدمة الجيش (2 أخبار 31: 17 وعزرا 3: 8). وكانوا ينسحبون من الخدمة عندما يبلغ أحدهم الخمسين من العمر إنما كان يجوز لهم أن يستمروا في الخدمة لمساعدة من يحل محلهم. وكانوا حين الخدمة يرتدون ملابس رسمية خاصة (2 أخبار 5: 12). وفي زمن داود كان اللاويّون يُقسمون إلى أربعة أقسام: مساعدو الكهنة في خدمة المقدس، القضاة والكتبة، البوابون والموسيقيون. وكان كل قسم من هذه الأقسام ما عدا القسم الثاني يتفرع إلى 24 فرقة للتناوب على الخدمة (1 أخبار 24-26 عزرا 6: 18 ونحميا 13: 5). ولما انحلت المملكة الشمالية هجرها بعض اللاويين والكهنة ونزحوا إلى يهوذا وأورشليم (2 أخبار 11: 13-15). فلمَّا رأى اللاويّ الجريح يَئِنُّ ويتلوَّى بين الحياة والموت تركه خوفا من يُعرِّض نفسه للنجاسة، لأنه إذا مسَّ مَيْتاً أصبحَ نَجِساً وأُبعِدَ عن الخِدمة. اللاوِيٌّ يرمز إلى الأنبياء الذي يقوم عملهم بتوبيخ ضمير الخاطئ حتّى يتوب. أمَّا عبارة " فَرآهُ" فتشير إلى وقوف اللاوي على واقع الجريح المغدور وحاجته الشديدة إلى المساعدة والإسعاف. أمَّا عبارة "فمَالَ عَنهُ ومَضى" فتشير إلى اللاوي الذي تعامل مع الرجل الجريح المغدور كموضوع نجاسة. إن الإهمال في المساعدة اللازمة من قبل الكاهن واللاوي يُحرم هذا الإنسان من إمكانية المحافظة على حياته. ويعلق القدِّيس ساويرس الأنطاكي: "كثيرًا ما تظن عن جهلٍ أن الذي يشترك معك في ديانتك أو جنسيَّتك هو قريبك، أما أنا فأقول إن الذي يشترك في نفس الطبيعة البشريَّة هو قريبك، وكما رأيت الذي كان يرفع رأسه معتزًا بالملابس الكهنوتيَّة والذي كان يفتخر بتسميته لاويًا... لم يفكِّر أن ذاك الذي تغطَّى بجراحات لا شفاء لها ومُلقى على الأرض، وقد أوشك أن يموت في لحظة، كان إنسانًا! لكنهما احتقراه كحجرٍ أو قطعةٍ من الخشب المرذول". ونحن كم مِن أشخاص يضعها الله في طريقنا دون أن نلتفت إليهم؟

 

33 ووَصَلَ إِلَيه سَامِرِيٌّ مُسافِر ورَآهُ فأَشفَقَ علَيه

 

تشير عبارة "وَصَلَ" إلى نزول السامري إلى الطريق، لكنه لم ينزل من أورشليم إلى أريحا مثل الكاهن واللاوي، إنما نزل إلى الرجل الجريح بقصد العناية به، والسهر عليه، بغض النظر عن الأخطار.  أمَّا عبارة "سَامِرِيٌّ" بالعبرية שׁמְרוֹנִי (معناها حارس) فتشير إلى أحد السَّامريِّين الذين كان اليهود يتجنّبون الاتصال بهم، وكانوا يكرهونهم بسبب فساد أصلهم واختلاف أفكارهم الدينية (لوقا 9: 52 – 55)، وزادت الكراهية بسبب مصاهرة بزواج منسّى ابن الكاهن الأعظم في أورشليم ببنت الحاكم البابلي "سنبلاّط" وطرْد نحميا لمنسّى.  ذكر المسيح هذا السامري لا ليُكرِّم السَّامريّين أو ليستهزئ بالكهنة واللاويين بل ليعلِّم أن السامري هو الذي يطيع شريعة المحبة خير من خادم الدين الحق الذي يُخالفها. أمَّا عبارة " مُسافِر " فتشير إلى رجل كان في الأرض لمدة مؤقتة، فكأنَّه كان مسافرًا غريبًا.  وهنا يرمز إلى المسيح في لقائه مع تلميذي عماوس (لوقا 24: 18). أمَّا عبارة " ورَآهُ " فشير إلى مشاهدة السامرية للمتألم، الّذي هو بأمسّ الحاجة للمساعدة، وفي هذا الصدد يُعلق القديس منصور دي بول "إذ نظرتم إلى الآخرين في ضوء الإيمان فإنكم ترون فيهم أبناء الله الذي اختار هو نفسه أن يكون فقيرًا متألمًا. يجب أن نُدرك ذلك وأن نقتدي بما صنع المسيح أي أن نعتني بالمساكين، فنعزيهم ونساعدهم ونحيطهم بالرعاية اللازمة. ومحبة القريب تُغلق العين وتفتح الذراعين". أمَّا عبارة "فأَشفَقَ علَيه" في الأصل اليوناني ἐσπλαγχνίσθη (معناها شعور نابع من الأحشاء) فتشير إلى الأحشاء مصدر الحب والحنان. وهي مرادفة لتعبير إحساس غريزي نابع من الأعماق ومن تحركت أحشائه. لم يكتفِ السامري برؤية الجريح المغدور، بل تحلى بالرحمة والعطف ليس بداعي الانتماء لنفس الديانة، بل باسم الانتماء إلى البشرية نفسها. وهكذا لم يستطع أن يجتاز الرجل الجريح المغدور دون تقديم المعونة، ليس نتيجة استحقاق، لكن قدَّمها له نتيجة حاجة. إذ وجد زميلا له في الإنسانية. هذا هو المعنى الحقيقي للشفقة والحنان. إنَّ السامري تعامل مع الإنسان الجريح كإنسان يستحق الحب والرحمة، ولم يتوقف عند حدود الوطن أو الدين أو الجنس. بينما لم يستطع "الإيمان" تحريك الكاهن واللاوي. هذا السامري عرف الطبيعة البشريَّة وفهم من هو القريب. ومن هنا يرمز السامري (أي الحارس) إلى المسيح الذي اِسمه يعني "الحارس"، إِنَّ حارِسَ إسرائيلَ لا يَغْفو ولا يَنام" (مزمور 121: 4).

 

34 فدَنا منه وضَمَدَ جِراحَه، وصَبَّ علَيها زَيتاً وخَمراً، ثُمَّ حَمَلَه على دابَّتِه وذَهَبَ بِه إلى فُندُقٍ واعتَنى بِأَمرِه

 

تشير عبارة "فدَنا منه" إلى اقتراب السامري من الرجل الجريح بقبوله الآلام معه وسكب رحمته عليه، فصار قريبه. أمَّا عبارة " ضَمَدَ جِراحَه" فتشير إلى ربط جروحات الرجل بربط من ثيابه.  أمَّا عبارة "صَبَّ علَيها زَيتاً وخَمراً " فتشير إلى طب ذلك الزمان في معالجة الجروح بقطع جريان الدم وتسكين الألم. إذ كان يستخدم الزيت لتليين الجروح والتخفيف من حِدَّة الألم (أشعيا 1: 6)، وأمَّا الخمر فكان يُستخدم لقتل الميكروبات وتعقيم الجروح وتطهيرها ولإزالة الالتهابات. يقول الطبيب اليوناني أبقراط (460 ق م -370 ق م) بعد غمس نوع من ورق شجر في النبيذ والزيت توضع على الجروح مع ربطها (الجروح 23، 3). ويُعلق القديس أمبروسيوس "السامري الصالح لم يعبُر تاركًا الإنسان الذي ألقاه اللصوص بين حيّ وميِّت، بل ضمَّد جراحاته بزيت وخمر. صبَّ عليه أولًا زيتًا لتلطيف آلامه، وأتكأه على صدره، أي اِحتمل كل خطاياه، هكذا لم يحتقر يسوع الراعي خروفه الضال".  أمَّا عبارة "حَمَلَه على دابَّتِه" فتشير إلى نقل الجريح من جانب الطريق إلى الفندق عن طريق الدابة والسامري يمشي ويقاسي تعبًا شديدا ليُمسكه وقاية له من السقوط في تلك الأرض الصخرية المنحدرة.  أمَّا عبارة " فُندُقٍ " فتشير إلى الخان وتدل حاليا إلى الخان الأحمر ويأتي اسمه من اللون الأحمر المستخرج من حجر الجير المكسو بأكسيد الحديد المكوَّن للتلال الحمراء في المناطق الواقعة على الطريق من القدس إلى أريحا. والخان الأحمر كان عبارة عن بناء عثماني من القرن السادس عشرة، وكان مركزا ً للتجار على هذا الطريق القديم الذي يربط ضفتي نهر الأردن حيث كانوا يتوقفون للاستراحة وإطعام الخيول، وعُرف سابقاً باسم "مار افتيميوس" نسبة إلى الراهب الذي أسس هذا المكان. وهو يبعد نحو 2.5 كم من قرية الخان الأحمر.  ويرى العلامة أوريجانوس " الفندق كرمز للكنيسة التي تستقبل جميع الناس، ولا ترفض أن تسند أحدًا، إذ يدعو يسوع الكل" تعالَوا إِليَّ جَميعاً أَيُّها المُرهَقونَ المُثقَلون، وأَنا أُريحُكم (متى 11: 28)". وأمَّا عبارة "اعتَنى بِأَمرِه" فتشير إلى خدمة السامري على أكمل وجه إذ أوصله إلى الخان وقدَّم له كل ما يحتاج إليه.  ويُعلق البطريرك بيير باتيستا " يقوم السامري الرحيم بحركات شبه ليتورجية، تجعله ينحني أمام الإنسان المرض المغدور، كما يحدث عندما ننحني أمام الله. تضم الليتورجية تقادم. وها هو يقدم الزيت والخمر لمعالجة الجروح. ويستعمل ما لديه ولا يترك المريض ويعهد به إلى شخص آخر (الكنيسة) كي يشركه في قصة الرحمة والتعاطف الخاص به. ثم يُخرج دينارين ويدفعهما لصاحب الفندق على أن يعود لاحقًا " (عظة الأحد الخامس عشر من زمن السنة (ج).

 

35 وفي الغَدِ أَخرَجَ دينارَيْن، ودَفَعهما إلى صاحِبِ الفُندُقِ وقال: اِعتَنِ بِأَمرِه، ومَهْما أَنفَقتَ زيادةً على ذلك، أُؤَدِّيهِ أَنا إِليكَ عِندَ عَودَتي.

 

تشير عبارة "دينارَيْن" (في الأصل اليوناني δηνάριον مشتق من أصل لاتيني denarius (ومعناه عشرة) لان هذه العملة كانت تساوي أصلاً عشرة ((آسات)) رومانية) إلى عملة رومانية من الفضة، وكان وزنها في عصر الروماني ثلاث غرامات. وكان الدينار أجرة العامل في اليوم (متى 20: 3). وكان على اليهود أن يتعاملوا بهذه العملة عندما كانوا يدفعون جزية لروما (متى 22: 19).  وأمَّا رقم 2 فيرمز إلى "الحب"، كونه قد أعلن خلال وصيَّتين: حب الله وحب الناس، ولأنه يجعل الاثنين واحدًا كما يقول القديس أوغسطينوس. وكأن السيِّد المسيح قد ترك لنا في كنيسته كنز "الحب الإلهي"، به نحب الله والناس. بينما رأى بعض الآباء في الدينارين رمزًا للتلاميذ والرسل الذين يعملون في الكنيسة لحساب السيِّد المسيح، أو رمز للكتاب المقدَّس بعهديه. أمَّا القديس ايرينيوس فإنه "يرى أن الدينارين رمزًا إلى الروح القدس الذي وُهب للكنيسة لكي ينقش على النفس كتابة الآب والابن يكونها عُمْلة الله وديناريه". قد بذل السامري أكثر مما هو مطلوب، ذهب إلى الميل الثاني منفِّذا الوصية" ومَن سَخَّرَكَ أَن تَسيرَ معه ميلاً واحِداً. فسِرْ معَه ميلَيْن" (متى 5: 41). وقد رأى آباء الكنيسة في هذا السامري يسوع طبيب المرضى (أي الخطأة) الذي يعتني بجراحهم ويقودهم إلى الفندق (الكنيسة) فيُسلمهم معافين إلى الله الآب. أمَّا عبارة "أُؤَدِّيهِ أَنا إِليكَ عِندَ عَودَتي" فتشير إلى ضمير المتكلم والمعنى أنا بذاتي سأوفيك وليس الرجل المُصاب. توقع السامري أن يرجع في تلك الطريق ولم يكتفِ بما أنفق على الجريح فوعد صاحب الفندق أن يحاسبه بما ينفقه فوق ذلك. فاعتنى به في حضوره وغيابه.  فبهذه الطريقة صار عدوُّه قريبَه.  والنقود التي كانت سبب هلاك الجريح المغدور على يد اللصوص، تصبح هي نفسها سبب خلاصه على يد السامري الرحيم. ليس هذا المثل تشبيها، بل مثالا يصور لنا موقفا يقتدى به أو يجتنب. والسامري الرحيم هو يسوع نفسه الذي يعود.

 

36 فمَن كانَ في رأيِكَ، مِن هؤلاءِ الثَّلاثَة، قَريبَ الَّذي وَقَعَ بِأَيدي اللُّصوص؟

 

تشير "فمَن كانَ في رأيِكَ" إلى دعوة يسوع لعالم الشريعة للتفكير في القُرب من الآخرين، وكأن يسوع يقول له "وأنت قريب لـمَن؟" إن المشكلة التي أكَّدها يسوع في إتمام وصية المحبة لا تتعلق كثيرًا بمن هو قريبي، بقدر ما "هل نحن أقرباء للآخرين؟" فأضاف عالم الشريعة عنصرًا إضافيًا: «الَّذي عَامَلَهُ بِالرَّحمَة» (10: 37). أمَّا عبارة "مِن هؤلاءِ الثَّلاثَة" فتشير إلى الكاهن واللاوي والسامري. الكاهن والَّلاوي عرفا الشريعة وعلّماها الناس، ولكن لم يعملا بمقتضاها، ولكن السامري جرى بمقتضاها. أمَّا عبارة ""َقريبَ" فتشير إلى كل إنسان وأي إنسان يحتاج إلى رحمة ومحبة الله.  ويعلمنا هذا المثل أن نحسب كل الناس أقرباء بغض النظر عن الدين والعرق والجنس والقومية، وان نحب الجميع وان نظهر محبتنا بأعمالنا وقت الحاجة.  أمَّا عبارة "اللُّصوص" فتشير إلى مَنْ يسرقون علانية وبوضوح بعكس السارقون الذين يسرقون في الخفاء. واللصوص هم رمز للقوى العدوانية ضد الإنسان أي إبليس وجنوده وأتباعه.

 

37 فقال: الَّذي عَامَلَهُ بِالرَّحمَة. فقالَ لَه يَسوع: اذْهَبْ فاعمَلْ أَنتَ أَيضاً مِثْلَ ذلك.

 

تشير عبارة "الَّذي عَامَلَهُ بِالرَّحمَة" إلى جواب الكاتب الذي لم ينطق بكلمة السامري بل أشار إليه بعبارة "الَّذي عَامَلَهُ بِالرحمة". ومصطلح "رحمة" تكرَّر ست مرات.  أظهر الله نفسه رحيمًا تجاه إسرائيل والبشرية (لوقا 1: 50-78). فإن يسوع نفسه، بحسب لوقا، هو تجسيد لرحمة الله لإسرائيل والبشرية لان "الرَّبُّ الرَّبّ! إِلهٌ رَحيمٌ ورَؤُوف، طَويلُ الأَناةِ كَثيرُ الَرَّحمَة والوَفاء"(خروج 34: 6). فالقريب هو كل إنسان يقترب من الآخرين بمحبة حتى لو كان من الغرباء أو الأعداء، وهكذا تجاوز عالم الشريعة نظرته الضيقة التي تحصر القريب في أعضاء شعبه فقط.  ومن هذا المنطلق، تتلاشى أمام الإنجيل انفرادية وشرعية علماء الشريعة وأصبح القريب الإنسان الجريح والسامري الذي هو رمز إلى المسيح، فكما أشفق السامري الصالح على من وقع بين اللصوص هكذا يشفق يسوع على الإنسان الخاطئ، فيشفي الجروح التي تتلقاها النفس" هوَ الَّذي أَخذَ أَسقامَنا وحَمَلَ أَمراضَنا" (متى 8: 17). فتوجب علينا أن نقتدي به كما جاء في تعليم يوحنا الرسول: "وإِنَّما عَرَفْنا المَحبَّة بِأَنَّ ذاكَ قد بَذَلَ نفْسَه في سَبيلنِا. فعلَينا نَحنُ أَيضًا أَن نَبذُلَ نُفوسَنا في سَبيلِ إِخوَتِنا. مَن كانَت لَه خَيراتُ الدُّنْيا ورأَى بِأَخيهِ حاجَةً فأَغلَقَ أَحشاءَه دونَ أَخيه فكَيفَ تقيم فيه مَحبَّةُ الله؟ يا بَنِيَّ، لا تَكُنْ مَحبَّتُنا بِالكلام ولا بِاللِّسان بل بالعَمَلِ والحَقّ. (1يوحنا 3: 16-18) وهكذا تحوَّل سؤله مِن "مًن هو قريبي؟ " إلى "كيف أكون قريب كل إنسان؟ " فالمحبة ليست شعورا فقط، بل مجموعة من الأفعال الرحمة الملموسة. أمَّا عبارة " اذْهَبْ فاعمَلْ أَنتَ أَيضاً مِثْلَ ذلك" فتشير إلى غاية المسيح من المثل، القريب المحتاج يجب أن يكون موضوع حبِّنا. أمر يسوع عالم الشريعة أن يعمل كما عمل السامري للجريح، لأنه بذلك يعمل بمقتضى شريعة المحبة، وبالتالي يدعونا يسوع للاقتداء به، لأنه قريب منا وهو معنا، إذ تجسَّد كما جاء في إنجيل يوحنا “الكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فسَكَنَ بَينَنا" (يوحنا 1: 14). حضور يسوع قريب جدًا من الإنسان كاشفا رحمة الله الآب والطريق إلى الحياة الأبدية. وبناء على توصية يسوع أشادت الكنيسة المستشفيات للمرضى في كل مكان لبث بشرى الخلاص من خلال أعمال الرحمة الجسدية والروحية. وأنا من أُشبه من هؤلاء الثلاثة المذكورين في المثل؟

 

 

ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (لوقا 10: 25-37)

 

انطلاقا من هذه الملاحظات حول وقائع النص الإنجيلي (لوقا 10: 25-37) نستنتج انه يتمحور حول سؤالين: من هو قريبي؟ كيف أكون قريب كل إنسان؟

 

1) من هو قريبي؟

 

بما أنَّ عالم الشريعة يعرف الوصايا خاصة وصية محبة الله والقريب طلب منه يسوع أن يعمل بها لينال الحياة الأبدية: “اِعمَلْ هذا تَحْيَ)). (لوقا 10: 28) أي اعمَلْ ما تعرفه من وصية محبة الله ومحبة القريب. لكنه أجاب انه لا يعلم من هو هذا القريب مستفسراَ " من هو قريبي؟” (لوقا 10: 29).

 

اتخذ العالم اليهودي من خلال قصة "السامري الرحيم" مواقف متباينة حول القريب الذي يُمثل الرجل الجريح: القريب بمفهوم الصوص هو شخص يسرقونه وينهبونه؛ وتقوم فلسفتهم على "ما هو للقريب هو لي وسآخذه". أمَّا القريب بمفهوم الكاهن فهو مشكلة يجب تجنبها فقد رأى الرجل الجريح ثُمَّ تركَهُ بحُجَّةِ أن مساعدة الجريح المغدور ليست من شأنه ولا من مَهَمَّتِه. إنَّ مَهَمَّتَهُ تكمن في تقديم الذبائح لله تعالى في الهيكل. ونسي الإنسان الجريح وظنّ أنه قد أتمّ عمله في الهيكل ولم يتذكر ما قاله الرب على لسان النبي هوشع "فإِنَّما أُريدُ الرَّحمَةَ" (هوشع 6: 6).

 

أمَّا القريب بمفهوم اللاوي فهو نجسُ، وعليه فإذا مسَّ مَيْتاً أصبحَ نَجِساً، وبالتالي يُبعَد عن خِدمة الهيكل. أمَّا القريب بمفهوم صاحب الفندق فهو نزيل عليه أن يخدمه مقابل أجرة. واختصار، تقوم فلسفة الكاهن واللاوي على "ما هو معي هو لي وسأحتفظ به وليس للقريب".

 

أمَّا القريب بمفهوم السامري الرحيم فهو الإنسان الذي يستحق المحبة والعناية، والذي هو بحاجة إلى الشفقة والمساعدة، لذلك غيّرَ مشروع سفره وترجم محبته أو شفقته بأعمال الرحمة التالية: دنا من الإنسان الجريح، وضمّد جراحه، وصبّ عليها خمرًا وزيتًا (حسب الطب القديم)، وحمله على دابته، وذهب به إلى الفندق، واعتنى بأمره. لم يجتاز الرجل الجريح، بل حنى عليه وشفاه. قد أظهر لنا يسوع أن القرابة لا تقف عند حدود الدم، ولكنها تقوم على تنفيذ وصية الحب والرحمة وهذه عي العبادة الصحيحة (هوشع 6: 6). ويُعلق القديس ساويرس الأنطاكي بقوله "إن الذي يشترك في نفس الطبيعة البشريَّة هو قريبك، وليس فقط من يشترك معك في ديانتك أو جنسيَّتك هو قريب".

 

هذا السامري عرف الطبيعة البشريَّة وفهم من هو القريب. فأخذ المبادرة "دنا منه"، وجعل من نفسه قريباً منه. ولم يخف في تلك الفترة من اللصوص الذين ربما يفاجئونه وَيسلبون أمواله ويحاولون قتله كما فعلوا مع هذا المغدور الذي تركوه بين حي وميت. إن عمل الرحمة يعطي للإنسان شجاعة ويُبعد عنه الخوف. وباختصار، تقوم فلسفة السامري على "ما هو لي هو لك، وأريدك مشاركتي به". وهنا نسأل: فما الفائدة من القرابة الدموية أو الطائفية أو الدينية في غياب المحبة؟ القريب هو من نذهب إليه ونصنع معه الرحمة، أي كل إنسان نشعر بإمكانيتنا أن نتجه إليه كما فعل هذا السامري. وهو كل إنسان يضعه الله في طريقنا "كان مَن كان".

 

يسوع المسيح هو السامري الأعظم، الذي لم يَرِدْ اِسمُهُ بصراحة في هذا المثل، ودعاه يوحنا الإنجيلي سامرياً (يوحنا 48:8) وهو الإله الذي جعل من نفسه إنسانًا، ونزل إلى الطريق، لكي يساعد هذا الرجل الذي أصبح بين حي وميِّت مقدِّما كل شفاءٍ. ويعلق القديس كليمنضوس:" من يمكن أن يكون هذا القريب، إذا لم يكن المخلّص نفسه؟ ومن أشفق علينا وعمل من أجلنا أكثر منه؟ أنه الطبيب الوحيد الذي سكب على جراح نفوسنا نبيذ دمه وزيت شفقته ومحبته". يسوع هو السامري الرحيم الّذي أتى كي يخلص الإنسان الساقط ومن أجل إعادة الكرامة المفقودة إليه، كما جاء على لسان النَّبِيِّ أشعيا: " هوَ الَّذي أَخذَ أَسقامَنا وحَمَلَ أَمراضَنا" (متى 8: 17).

 

 يسوع هو السامري الرحيم الذي نزل إلينا كي يحملنا من جديد إلى أورشليم السماوية. لقد ضمَّد جراحنا واعتنى بنا حيث يصف بولس الرسول قرب الله منا بيسوع المسيح:" هو صُورَةُ اللهِ الَّذي لا يُرى وبِكْرُ كُلِّ خَليقَة " (قولسي1: 15)؛ أنه نزل لكي يقترب من الإنسان، فتحنَّنَ على البشريَّةِ الجريحة، وقدَّمَ لها المؤازرة بتعاليمِهِ ونِعَمِهِ وموتِهِ على الصليب وقيامتِهِ المجيدة، وأعادَ إليها الحياة الإلهيَّة وعافيتها الروحيَّة التي فقدتْها بالخطيئة.

 

إن كان الكاهن يمثِّل الشريعة، واللاوي يمثِّل النبوَّات، فإنه لم يكن ممكنًا للشريعة أو النبوَّات أن تضمد جراحاتنا الخفيَّة، وتردِّنا إلى طبيعتنا التي خلقنا الله عليها، لكن "السامري " الذي اِسمه يعني "الحارس"، فإن حارس إسرائيل كما يترنم صاحب المزامير "ها إِنَّ حارِسَ إسرائيلَ لا يَغْفو ولا يَنام" (مزمور 121: 4) والذي يُمثِّل السيِّد المسيح وحده نزل إلى الطريق، لكي يساعد هذا الرجل المغدور بين حي وميِّت مقدِّما كل شفاءٍ. ابن اللّه الآب جاء هو بنفسه، هو الذي لبّى نداء الساقط بين اللصوص وعصب وداوى وليّن وعقم جراحاتنا بدم قلبه وزيت رحمته وأخذنا إلى فندق كنيسته المقدسة دافعاً عنا دينارين سر جسده ودمه الأقدسين، وهو سيدفع الثمن نيابة عنا ويدفع دائماً، لأنه يريدنا أن نكون معافين روحياً وجسدياً، ويوفي بمجيئه الثاني كل من يعتني بنا روحياً أو جسديا.

 

عامل يسوع بالرحمة فصار قريبنا، اقترب منا بتجسده وقبوله الآلام عنا، وسكب علينا زيت رحمته، وأتى بنا مرة أخرى إلى كنيسته لنستريح (الفندق)، وترك لنا روحه القدوس (المال الذي أعطاه السامري لصاحب الفندق). وهو يدعونا إلى أخذ المبادرة لجعل الآخر قريبا منّا. والمسيحي اليوم مدعو لأن يكون هو السامري الصالح الذي يبلسم جراحات العالم والإنسان الجريح على مثال ربه ومعلمه يسوع المسيح. فلا شركة حقيقة مع الله دون حب القريب. فالمحبة وحدها تصنع القريب والأخ والصديق، والمحبة وحدها هي فرصة جديدة حقيقة، لمعرفة يسوع الطريق والحق والحياة. وهذا الأمر ليس بالسهل. في تجربة علم النفس الواقعي في وقت ما قبل عام 1973، فشل عدد من طلاب المدارس الدينية في التوقف لمساعدة شخص يرتدي ملابس رثة على جانب الطريق (دارلي وباتسون 1973، ص 100-108).

 

2)  كيف أكون قريب كل إنسان؟

 

سأل عالم الشريعة:" من قريبي" (لوقا 10: 29) بمعنى " من عليه التقرب مني؟ فأجاب يسوع بسؤال " ممن تتقرَّب أنت؟"   أو ماذا عليَّ أن اعمل كي أكون قريب كل إنسان؟ ليس القريب هو الآخر: إنه أنا.  القريب هو كل إنسان يقترب من الآخرين مظهراً لهم الحب والحنان، حتى لو كانوا غرباء.  فالأمر يتعلق كيف يجب أن أبادر فوراً إلى عمل الخير مع الآخر بغض النظر عن الاختلافات والصراعات الاجتماعية والعرقية والدينية. ويدعونا مثل السامري الرحيم أن الإنسان ينسى ويتناسى كلَّ ما في قلبه، من بغضٍ وعداوة، أمام الحاجة والألم بغض النظر عن الجنس أو الدين.

 

القريب هو "أنا" عندما اقترب من الآخرين بمحبة، أتقرّب من الضعيف المحتاج والغريب ولا أنتظر أن يقترب مني. هنا تبدأ ثورة الإنجيل وما قدّمه للإنسانية من جديد.  يقلب يسوع مفهوم "القريب" راسا على عقب. فلا مجال للسؤال " من قريبي؟" بل "أنا قريب من؟" أو كيف أقترب أنا من كل إنسان؟ وكيف يمكن أن أكون قريباً من كل إنسان؟ الواجب، الذي حدَّدته الشريعة يدفعني لأحبَّ "الله من كل قلبي… وقريبي كنفسي"! ومن هنا السؤال "من هو قريبي الذي يدفعني لأحبَّه كما أحبُّ نفسي؟ أو كيف أكون قريب كل إنسان؟

 

حوّل يسوع المعتقد الأساسي لعالم الشريعة من الانحصار في الذات المتضمن في سؤاله "يا مُعَلِّم، ماذا أَعملُ لِأَرِثَ الحيَاةَ الأَبَدِيَّة؟" إلى اهتمام الآخرين وذلك بتوجيه السؤال "فمَن كانَ في رأيِكَ، مِن هؤلاءِ الثَّلاثَة، قَريبَ الَّذي وَقَعَ بِأَيدي اللُّصوص؟" (لوقا 10: 36)؛ فاذا استطاع السامري أن يثبت نفسه قريبا حقيقيا للرجل الجريح المغدور بإظهار الرحمة والعطف عليه فكل الناس أقرباء له. لقد غًير هذا العمل العظيم معنى العلاقة بين القوميات بأكملها. وكما يقول القديس ايرونيموس "نحن أقرباء، كل البشر أقرباء لبعضهم البعض، إذ لنا أب واحد".

 

يضيف العلامة أوريجانوس "أن القرابة لا تقف عند حدود الدم ولا عند العمل، وإنما تقوم على تنفيذ وصيَّة المحبة بأعمال الرحمة". أنت تصنع قريبك، إذا أحببت الآخر تجعله قريبا. وإذا عاملته بالرحمة فأنت أحببته. إذاً أنت تصنع القريب بالمحبة والرحمة كما كانت الحالة مع القَريبَ الَّذي وَقَعَ بِأَيدي اللُّصوص الَّذي عَامَلَهُ بِالرَّحمَة" (لوقا 10: 37).

 

المحبة تفترض متابعة وانتباها متواصلا، لان المحبة ليست عاطفة عابرة، بل هي امر يدوم ويُواظب عليه، والذي أحبَّه أتحمله واحفظه في قلبي، أنفق من وقتي وحياتي ومالي وصحتي من أجله، وبذلك أكون قد اقتربت منه وجعلته قريبي. ولما أنقل الله إليه من خلال عطفي ومحبتي وعنايتي به وانتباهي، يقترب هو تدريجيا من الله ويتعرف عليه. فالقريب هو الذي يقترب من الآخرين بمحبته وبأعمال الرحمة. وبهذه الطريقة تكون المحبة بلا حدود، ولا تكون شكلية بل عملية " اِذْهَبْ فاعمَلْ" (لوقا 10: 36).

 

إن عمل الرحمة واجب على كل مؤمن "لأَنَّ الدَّينونَةَ لا رَحمَةَ فيها لِمَن لم يَرحَم، فان الدينونة لا رحمة فيها لمن لا يرحم" (يعقوب 2: 13) "مَن سَدَّ أُذُنَه عن صُراخِ الضَّعيف فهُو أَيضًا يَصرُخ ولا يُسمعُ لَه" (أمثال 21: 13). أمَّا "مَن يَرحَمِ الفَقير يُقرِضِ الرَّبّ فهُو يُجازيه على صَنيعِه" (أمثال 19: 17) ويكنز في السماء كنوزا من الرحمة يُعينه الرب بها عند الحاجة. فقريبنا هو أي إنسان يحتاج إلى مساعدتنا، بغض النظر عن جنسه أو عقيدته أو لغته أو لونه حتى لو كانت هناك عداوة بينا وبينه. إذن لا يحق لنا أن نستبعد أحدا أو نتركه وشأنه، إذ سنقف يومًا أمام الدّيان العادل، ونسمع صوته " الحَقَّ أَقولُ لَكم: كُلَّما صَنعتُم شَيئاً مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه " (متى 25: 40).

 

أساس الرحمة هي المحبة. الله يحبنا "فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة" (يوحنا 3: 16)، ولأنَّ الله يُحبنا فهو يعتني بنا " أُنظُرُوا إلى طُيورِ السَّماءِ كَيفَ لا تَزرَعُ ولا تَحصُدُ ولا تَخزُنُ في الأَهراء، وأَبوكُمُ السَّماويُّ يَرزُقُها. أَفَلَسْتُم أَنتُم أَثْمَنَ مِنها كثيراً؟" (متى 6: 26). ويريد الله أن يعرف كل أحد مقدار محبة الله له "يَعرِفَ العالَمُ أَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني وأَنَّكَ أَحبَبتَهم كَما أَحبَبتَني" (يوحنا 17: 23). يسوع يُحبُّنا كما يُحبُّه الآب (يوحنا 15: 9). لم يعرّض يسوع حياته فقط بل هو في الواقع بذل حياته لأجلنا. "بابنِ اللهِ الَّذي أَحبَّني وجادَ بِنَفْسِه مِن أًجْلي" (غلاطية 20:2). لذلك يتوجب علينا أن نبذل نفوسنا في سبيل غيرنا كما يوصينا يوحنا الرسول "إنَّما عَرَفْنا المَحبَّة بِأَنَّ ذاكَ قد بَذَلَ نفْسَه في سَبيلنِا. فعلَينا نَحنُ أَيضًا أَن نَبذُلَ نُفوسَنا في سَبيلِ إِخوَتِنا" (1 يوحنا3: 16).

 

خلاصة مثل السامري تتمحور في المحبة للرب والمحبة للناس. لآنه يستحيل ترجمة المحبة لله دون أن تكون هناك محبة الناس، فالقديس يوحنا البشير يقول " إِذا قالَ أَحَد: ((إِنِّي أُحِبُّ الله)) وهو يُبغِضُ أَخاه كانَ كاذِبًا لأَنَّ الَّذي لا يُحِبُّ أَخاه وهو يَراه لا يَستَطيعُ أَن يُحِبَّ اللهَ وهو لا يَراه " (1 يوحنا 4: 20). إذاً المحبة لله هي نبع نستقي منه كي نُحبَّ الناس. 

 

نستنتج مِمَّا سبق أن وجه الآب الذي عاشه السيد المسيح في استقبال ومساعدة كل شخص هو الوجه الذي يتوجب على كل مؤمن أن يعكسه عندما يكون قريبا من كل شخص. فلنختم بحثنا مع أقوال صاحب سفر الأمثال "مَنِ اْهانَ بِقَريبِه يَخطَأ والَّذي يَرحَمُ المَساكينَ طوبى لَه" (أمثال 14: 21) "لا تُفارِقْكَ الرَّحمَةُ والحَقّ بَلِ اْشدُدْهما في عُنُقِكَ واْكتُبْهما على لَوحَ قَلبِكَ" (أمثال 3: 3). ومن الأحاديث المتواترة عند إخواننا المسلمين أنه "يوم لا يسعف الإنسان أخاه الإنسان، تكون نهاية العالم قد دنت".

 

 

الخلاصة

 

لخَّص العلاَّمة أوريجانوس المعنى الرمزي لمثل السامري الرحيم بقوله "الإنسان النازل يمثِّل آدم، وأورشليم تمثِّل الفردوس، وأريحا هي العالم، واللصوص هو القوَّة العدوانيَّة، الكاهن هو الناموس، واللاوي هو الأنبياء، والسامري هو المسيح، الجراحات هي العصيان، والدابة هي جسد المسيح، والفندق المفتوح لكل من يريد الدخول فيه هو الكنيسة، والديناران يمثِّلان الآب والابن، وصاحب الفندق هو رئيس الكنيسة الذي يدبِّرها، ووعد السامري بالعودة هو تصوُّر لمجيء المسيح الثاني"(أوريجانوس، عظة 34، فقرة 3).

 

ذاع مثل السامري الرحيم وصوًر المثل المسيح بالسامري الرحيم في القرون الوسطى بصفه خاصة. ونقش على الأيقونات في الكنائس بواسطة أبرز الفنَّانين والرسَّامين مثل فنست فان كوخ ولوس، كما قام النحاتون مثل بيت ابزر وفرانس ليون بأعمال خالدة تجسيدا لهذا المثل. ونقشت أستراليا عملة مادية تحمل السامري الصالح والرجل المجروح وقد حمله على دابته إلى الفندق. كما طبع نفس الصورة على الشلين الأمريكي لفترة سابقة.

 

أراد يسوع من خلال هذا المثل أن يخرج الإنسان من ذاته وتقوقعه وانكماشه ومحدوديته. ويضع أمامنا الإنسان في كل كيانه وكأن يسوع أراد من الإنسان أن يوسع في حدود تضامنه البشري إلى أبعد ما يكون من صلة القرابة أو الدين أو المذهب أو الوطن، دون تمييز بين جنس أو لغة كي يتمكن هذا الإنسان من بناء كيانه وشخصيته المتسعة الآفاق.

 

يُبين مثل السامري كيف يكون الإنسان المؤمن قريبا من جميع الناس. إذ بينما كان معلم الشريعة يريد رسم الحدود لتحديد من يجب أن نحب، ومن لا يجب أن نحب، يدعونا يسوع إلى عكس ذلك، إلى إزالة الحدود، وإلى أن نصبح نحن أنفسنا قريبين لكل من يصادفنا على الطريق دون تمييز.

 

نتعلم من هذه المثل أن القريب هو أي إنسان محتاج، من أي عقيدة، ومن أي لون، ومن أي خلفية اجتماعية. أمَّا "حب المؤمنين لبني جنسهم فقط، فهو حب ناقص، يجب على المؤمنين أن يحبوا الجميع" كما قال فرنسيس شيفر (1912-1984)، العالم اللاهوتي والفيلسوف. وقد نادي المصلح الاجتماعي الأمريكي مارتن لوثر كينج، بمثل السامري الرحيم وعلم عن محبة القريب وكان له دور كبير في إلغاء التفرقة العنصرية في العالم. فالعنصرية تُباعد الشعوب والأمم وتخلق المرارة وتثير الحروب والمنازعات وتفسد الحياة العامة والخاصة. فيحاسبنا ربنا في الدينونة على موقفنا الصالح تجاه القريب " لأَنِّي جُعتُ فأَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فسَقَيتُموني، وكُنتُ غَريباً فآويتُموني، وعُرياناً فَكسَوتُموني، ومَريضاً فعُدتُموني، وسَجيناً فجِئتُم إِلَيَّ ” (متى 25: 35 -36). أمَّا الآخرون فلأنهم لم يفعلوا بإخوتهم الصغار أعمال الرحمة يدانون. ويجب أن نعلم أننا لا ندان على ما فعلناه من شر فقط بل أيضاً على ما لم نفعله من خير، عندما يدعونا إنسان لا بلسانه، بل بحاله أن نسعفه، نعضده، ونساعده، فعلينا أن نقوم بذلك إن كنا نريد أن نرث ملكوت اللّه، هذه هي أعمال المحبة والرحمة.

 

إنَّ إيماننا المسيحي يقول لنا إنَّ هناك سامريَّاً آخر أعظمُ شأناً بما لا يقاس من السامري الرحيم. فهو لم يكتفِ بأن يُنقِذَ رجلاً جريحاً بائِساً، بل أنقذ البشريَّة الجريحة كلَّها من الموت والهلاك الأبدي. إنَّه يسوع المسيح. لقد عطف يسوع على البشريَّة الخاطئة، وأنقذها من بؤسها الروحي بتعاليمه وموته وقيامته وتدفُّق نِعَمِه عليها. إنَّه السامري الأعظم صاحب المحبَّة اللاَّمحدودة. أنه الطبيب الوحيد الذي سكب على جراح نفوسنا نبيذ دمه وزيت شفقته ومحبته". لذلك فلسنا بحاجة إلى أن نبحث عن الله خلف السماوات أو البحار، لأنه صار القريب منا كما جاء في العهد الجديد " والكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فسَكَنَ بَينَنا " (يوحنا 1: 14).

 

 

دعاء

 

أهَّلنا، يا رب، لان نقتدي بالسامري الرحيم مستعدين دائمًا لمساعدة قريبنا وإسعافه والعناية به لنستحق أن ننال الطوبى التي أعطاها الرب "طوبى لِلرُّحَماء، فإِنَّهم يُرْحَمون"(متى 5: 7)

 

 

قصة واقعية من وحي مثل السامري الرحيم

 

كان الواعظ الألماني الشهير في القرن الثامن عشر-فريدريك اولبرتين -عائدا من إحدى القرى إلى منزله ونظرا لسوء الحالة الجوية لم يجد أي وسائل نقل وكان الوقت متأخرا. فبدأ رحلة عودته سيرا على الأقدام. اشتدَّت عاصفة الثلج، فضلَّ طريق العودة وخشي الواعظ من التجمد. وشعر بوهن وإعياء شديدين فجلس على جانب الطريق.

 

بعد ساعات، ظهرت عربة وشاهد السائق شخصا جالسا علي جانب الطريق. توقف الرجل وترجل من عربته وحمل الواعظ إليها، وأوصله إلى أقرب دار علاج. وطلب من المسئول أن يعتني به.

 

بينما هو يهم بالرحيل، سأله الواعظ في صوت خافت: سيدي ما اسمك؟، حتى أذكرك في صلاتي أمام الله. كان هذا الرجل يعرف الواعظ وقال له سيدي: أنت واعظ، دعني أوجه لك سؤالا: ما هو الاسم الحقيقي للسامري الصالح؟ أجابه الواعظ: "لا أعلم". لم يذكر الكتاب المقدس اسم السامري الصالح. فردَّ عليه الرجل: أسمح لي أن أخفى اسمي عنك حتى تخبرني باسم السامري الرحيم.