موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٣١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٢

لماذا هو عام المسيحيين العرب!

بقلم :
أنطون سابيلا - استراليا

هو فلسطيني، أصله من الناصرة ، وعند قيام دولة اسرائيل عام 1948 وجد هذا المسيحي العربي نفسه مع والديه لاجئا في سوريا ، فتعلم ودخل الجامعة واصبح مهندسا مرموقا، ثم تزوج امرأة سورية وانجبا عائلة كريمة. ولأنه وفي ومخلص ولم ينس فضل الوطن الذي استضافه فقد قبل ان يذهب الى منطقة نائية ليشرف على الاعمال الهندسية فيها. أخذ عائلته وسكن في بلدة كل سكانها من المسلمين، فكانت الحياة كلها سعادة وهناء ومحبة. كان هو المسيحي الوحيد في البدة لكن المسلمين قالوا له " نحن المسلمون الوحيدون في البلدة"، أي أنت صاحب الدار ونحن الضيوف. وتمر الايام فيلقى الرجل وجه ربه لكن عائلته ترفض الإنتقال إلى حلب أو دمشق لأن الضيعة ضيعتهم وسكانها إخوانهم. وبالرغم من قيام ما يسمى بالثورة السورية ظل اولاده واحفاده في " ضيعتهم" يعيشون بسلام إلى أن جاء " الثوار" إلى البلدة وأعلنوها "إمارة وهابية" وقرروا ان لا مكان لعائلة لاجىء فلسطيني مسيحي في "إمارتهم". حاولوا خطف حفيداته الصغيرات لكن اهل الضيعة ظلوا أوفياء ومنعوا عملية الخطف، ومع ذلك وبكل أسى قالوا لعائلته ان وقت الرحيل قد حان، وهكذا كان. وفي صعيد مصر تزوج الشاب من فتاة أحلامه، وكانت خطط للمستقبل وأحلام وأمنيات لبناء المنزل الزوجي على ارض ورثها من والده، إلى أن جاء الإخوان والسلفييون إلى الحكم وقرروا أن السعادة قد كتبها الله لهم فقط ولا لأحد سواهم. تم إغتصاب أرض العريس الجديد ولما حاول منعهم قتلوه أمام أعين عروسته ووالديه واخوته الصغار. وهكذ سقط شهيد أخر. ولن نتحدث عما يعاني منه المسييحين السوريين لأن الأمور هناك لم تكتمل بعد، كما ولن نحكي عن قصص العراقيين المسيحيين لأن الجميع يعرفها. كان عاما قاسيا بكل المقاييس، فالثورة في مصر خرجت عن مسارها الصحيح ولم تعد ثورة بل انقلابا دمويا وفكريا، والعراق تتأجج فيه نيران الطائفية لأنه لم يعد هناك توازن في النسيج المجتمعي العراقي بعد ان تم إجبار معظم المسيحيين العراقيين على ترك بلادهم تحت ضغط واضطهاد الاصوليين لهم. أما عرين العروبة سوريا فقد تحولت "الثورة" فيها إلى "إمارات" متنازعة، وصار السلب والنهب العنوان الأكبر لكثيرين من الثوار، ولم يعد احد يعرف من هو الثائر الحقيقي ومن هو البلطجي أو اللص؟ ولو قلنا أن أعين الشرفاء في هذه الأمة تدمع من هذه الأحوال لما كنا نقول شيئاً جديدا. هناك قصص لم تنشر عن الأهوال التي يعيشها المسيحيون العرب حاليا، على الأخص، في سوريا ومصر، ولكن الإصرار المسيحي على الصمود يثير اعجاب ودهشة الكثيرين وفي مقدمتهم الدول الكبرى التي تتلهف لإستقبال المسيحيين العرب. وحتى الصين نفسها أعربت عن رغبتها في استقبال المسيحيين العرب "المبدعين والمتألقين والاوفياء". المتشددون الدينيون يشنون حريا سرية وعلنية على المسيحيين العرب، بينما الشرق والغرب يصفق لهم، لأنه منطقيا إذا ترك خصمك لك الغنيمة ألا تصفق له. يعتقد المتشددون ان غياب العنصر المسيحي من المجتمعات العربية سوف يفقدها الزخم الفكري والتقدمي، وأكثر من ذلك عنصر المقاومة للإستبداد والطغيان والعبودية، ولهذا يستهدفون المسيحيين العرب. كثير من المجتمعات العربية شهدت التقدم الفكري والعملي والاقتصادي بسبب المعاهد والمؤسسات العربية المسيحيية التي لم تجبر احدا ذات يوم على تغيير دينه أو مبادئه أو معتقداته. منذ مطلع القرن العشرين وحتى اليوم وهذه المعاهد تعلم مبادىء قبول الآخر والمساوة والعدالة الاجتماعية. كثيرون من قادة العرب، بمن فيهم بعض قادة المتشددين دينيا تخرجوا من مدارس وكليات وجامعات عربية مسيحية. ولو كانت هذه الكليات والجامعات ترفض الآخر لكان الأمر مختلفا جدا ولربما كانوا اليوم منقادين وليسوا قادة. في مصر يكتبون دستورا وكأنهم يعيشون في زمن القوس والنشاب. إنهم يسيرون إلى الوراء ويرفضون الاعتراف انهم يسيرون نحو الهاوية. عندما هزم الغرب اليابان كان اليابانيون يفكرون مثلما يفكر المتشددون الدينيون العرب هذه الايام، غير ان اليابانيين أدركوا باكرا أن عليهم الإنفتاح الفكري لتحقيق اي تقدم علمي أو صناعي يحلمون به. في ظل الإستبداد الفكري تموت الأفكار المبدعة ويهرب العلماء والمتفوقون ويبقى الكسالى والخانعون والمتوكلون. في ظل الظلم الإجتماعي تنهار القيم وتتفكك الاسر ويصبح الوطن مكسر عصا لكائن من كان. وفي ظل الإضطهاد الديني يفقد المجتمع أخلاقياته ومبادئه وقيمه العليا. المسيحيون العرب ما زالوا في الدول العربية. صحيح أن اعدادهم تناقصت، ولكن كما قال الشاعر الجاهلي السموأل: تُعيّرُنَا أنّا قَلِيلٌ عَديدُنَا فقُلْتُ لـها: إنّ الكِرَامَ قلِيلُ وما قَلّ مَنْ كانتْ بَقاياهُ مِثلَنا شَبابٌ تَسامَى للعُلى وكُهُولُ ومَا ضَرّنَا أنّا قَلِيلٌ وجَارُنَا عَزِيزٌ وجَارُ الأكْثَرِينَ ذَلِيلُ في عام 2012 ومع اصرار المسيحيين العرب على البقاء في ارضهم ليتقاسموا مع إخوانهم المسلمين السراء والضراء دعونا نقول بكل تواضع لقد كان حقاعام المسيحيين العرب.