موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٣ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠

لقد تمّ الزمان، أعدّوا طريق الرب

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
لقد تمّ الزمان، أعدّوا طريق الرب

لقد تمّ الزمان، أعدّوا طريق الرب

 

الأحد الثاني من المجيء (مرقس 1: 1-8)

 

في مدينة قمران قرب أريحا والبحر الميت، حيث وُجِدت عام 1947 أقدم مخطوطات التوراة، كذلك وَجَدَ عُلماءُ الآثار بقايا دير -إذا جاز تسميته ديرا، كان مسكنا لمتديّين يهود، يسمّون أنفسهم أسّينِيّين، كانوا يمضون حياتهم بالتوبة والصلاة منتظرين قدوم المخلًص. هذا ويُقال أنّ يوحنا المعمدان، كان مُدّةً أحد اعضاء هذه الرّهبنة، واستقى منهم تعليمه عن التورة. هؤلاء الرهبان كانوا يعيشون حسب قول النبي أشعيا (40: 3) "صوت صارخ في البرّية، توبوا وأعِدُّوا طريق الرب".من هنا أخذت التوبة مكانا مهمّا في كرازة يوحنا. فلا نظن أن هذا التحذير المناسب في بداية المجيء هو للرهبان فقط، بل لكل واحد منا، إذ المعني بالصحراء، هو القلوب البعيدة عن الله. والسؤال: ما هي الحياة لنا، إن لم نُعطي للتوبة فيها دوراً؟. فالمجيء منذ القرن الخامس معروف في الكنيسة، كأوّل زمن في الكنيسة للتوية، يُهيِّأُنا للإحتفال بعيد الميلاد. المجيء هو الوقت المناسب، أن نهيء ونفتح له الطريق في حياتنا وقلبنا. فهو واقف أمام بابنا ويطرق، لكن المفتاح هو من الدّاخل، كالمفاتيح الحديثة اليوم.

 

ممّا لا شكّ فيه، أنه بمجيء يسوع في العالم، قد ابتدأ تاريخ جديد. قد ابتدأ زمن جديد، هو زمن الله.  زمن المجيء كان زمن تحضير وانتظار لميلاد يسوع، زمن انتظار رحمة الله ولطفه (تيط 3: 4). طقوس ونصوص وترانيم المجيء كلها حنين لتنفتح السماء وتمطر المخلًّص، حتى ينتهي زمن ضياع الإنسان عن ربِّه. والمعني فيه، هو حنين الشعب الذي كان مأسورا في بابليون-العراق اليوم، جالسا على ضفاف البحر، وجهته أورشليم البعيدة، يندب حظّه، ويترجى أن يأتي المخلص. فمن لا يتذكّر أغنية  on the river of Babylon: Bony في أواخر القرن الماضي والتي نالت بسبق الأغاني ألاوروبية: "أي على ظفاف نهر بابيلون"، كانوا يجلسون وينوحون، كما تذكر مراثي إرميا: لو نسيتك يا أورشليم، فليجف لساني في حلقي. هم كانوا يعرفون أن مدينتهم بهيكلها قد أصبحت خراباً، وفي منفاهم، كانوا محرومين من إقامة الصلاة الجماعيّة، بل كان محروماً عليهم، إلقاءُ دروس التعليم الدّيني لأولادهم، إذ ما واحد منهم كان يحق له امتلاك التوراة. فصحيح إذن، أن الشعب كان سالكاً في الظلمة. فكم كان ذلك مؤلِما، نقدر تشبيهه بما حدث في روسيا بعد الثورة الشيوعية عام 1919، حيث لم يبق من الدّين إلا اسمه فقط. إسمٌ بلا مُسمّى. الكنائس تدمّرت، رجال الدّين، إمّا قُتلوا أو أُرسلوا إلى معسكرات الشغل الشاق. فالشعب الرّوسي المعروف بتقواه العميقة، ما أقتيد إلى عبودبة خارج بلاده، لكنّه كان أشبه بشعب الله في المنفى بابيلون. لا كنائس. لا صلاة. لا تعليم دين. فكم كان ذلك مؤلِماً له! فالحوادث تكرّرت بمحتواها، ولو تحت ظروفٍ مُحتلفة.

 

في ذلك الزمان أيضا، أي حوالى السنة 450 قبل مولد المخلص، برزت وجوه أنبياء، أعطوا لمجيء المخلّص المنتظر طابعه الحقيقي، سواء بتبشيرهم أو بإنذاراتهم ونبوآتهم. طمأنوا الشعب، أنَّ الله لن يترك شعبه. فهذا إرميا الذي قد بعث قليلا من الأمل بنبوءته "الشعب السالك في الظلمة سيرى نورا. ولاحقا قال أيضا: أعدّوا طريق الرب.... ، مُبيِّنا لهم أن الرب قريب، إذا ما ابتدأوا هم بالرّجوع إليه، فسيرجع هو إليهِم. المانع الوحيد حتى الآن هو أنّهم كانوا مهتمين أكثر بالمصالح الدنيوة، بدل الرّوحية أي التوبة والرّجوع إلى وصايا سيناء التي أهملوها، حتى في المنفى. ألا يصادفنا نحن كذلك     ما جاء في الصلاة المقررة لهذا الأحد: " شؤون الدّنيا تحول مسيرتنا إلى لقاء ابنك". وعلى الرغم من ذلك فإنَّ قراآت هذا الزمان، خاصة الرّسائل، وهي مأخوذة من العهد القديم، إذ فيها نكتشف شعور الشعب المنفي من وطنه، يشتاق بحرارة، لمجيء المخلِّص المنتظر، وفجأة يسمع الشعب تعزية نبي منه، هو أشعيا يقول له: تعزّى! تعزّى يا شعبي!، فيبعث فيه الأمل ويُؤكِّد له أن مجيْ المخلًّص قريب. هو سينتصر. ومتى جاء سيحل العدل والسلام وتتجدد ارضنا بحياة جديدة " فيسكن الذئبُ مع الخروف، ويربض النمرُ مع الجدي... ويكون في ذلك اليوم أن السيّدَ يُعيد يده ثانية، ليقتني بقيّةَ شعبِه من أشور ومن مصر....ويجمع منفيّي إسرائيل ويضمّ مُشتّتي يهوذا من أربعة أطراف الأرض" (أشع 11: 6 و11). ستُقْطِرُ السموات من فوق :وإني أصنع كلَّ شيء جديدا. لكن لا يجوز أن ننسى شيئا: تحرير الشعب من العبودية ورجوعه إلى مدينته المحبوبة والدخول إلى هيكلها، هذه كلها مرتبطة بشرط حتمي، ألا وهو التوبة. فما اختلف نبي عن آخر بهذا الشرط.

 

وللتذكير أرسل الله ، شهوراً قبل ظهوره هو، يوحنا، آخر أنبياء العهد القديم ولكن أكبرهم، برسالة كانت أعلى من كل رسائل الأنبياء قبله، إذ كان مُكَلَّفا للقيام بفتح طريق نبي الأنبياء، الذي قال عنه: "له ينبغي أن ينمو ويَنْعرِف ولي أن أنقص (يو 3. 30). ولأنه النّبي الأهم الذي سبق يسوع بخطوات، قال عنه هذا: " الحق أقول لكم، لم يقم بين المولودين من النِّساء أعطمُ من يوحنا المعمدان"(متى 11: 11).

 

هذا ولم يبخل يسوع بمديح هذا النبي، قدام سامعيه، حتى قبل أن يسمعه هو (أي يسوع)، حيث كان يوحنا جادّا بتهيأة الناس لاستقبال المخلص الموعود، الذي هو صار بينهم، وهم لا يعرفونه. قال يسوع عن يوحنا: "ماذا خرجتم إلى البرّيّة لتنظروا؟ أقصبة تُحرِّكها الرّيح، أم إنسانا لابساً ثياباً ناعمة. هوذا الّذين يلبسون الثياب النّاعمة، هم في بيوت الملوك. لكن ماذا خرجتم لتنظروا، أنبيّاً؟ نعم أقول لكم وأفضل من نبي"(متى 11: 7-8). كذلك رسالة يوحنا كانت مبنية على التوبة.: "توبوا فقد اقترب ملكوت الله" (متى 3: 2). وقال للذين جاؤا ليعتمدوا منه: "إصنعوا ثمارا تليق بالتوبة... الآن قد وُضِعَت الفأس على أصل الشجرة. فكل شجرة لا تثمر ثمراً جيداً تُقطع وتُلقى في النار"(لو 3: 8-9). حتى يسوع بالذات قد افتتح دخوله في العالم بأول الكلمات: توبوا فقد اقترب ملكوت السموات" (متى 4: 17)

 

لقد ابتدأنا زمن المجيء، والمجيء يعني قدوم الله عند شعبه. كثيرون من الشعب الأسرائيلي افتكروا على سذاجتهم، أن احتلال مدينة القدس عام 1967 بالقوة، يعني مجيء المسيح آخيرا، ليستقرّوا هناك ويُعيدوا إعمار الهيكل والصلاة إلى الأبد. لكنهم أخطأوا الظن، إذ مجيء الله لا يرتبط بالسلاح والقوة وليس لأن أمريكا أعطتهم حق الملك على كل أنحاء المدينة، سيأتي المسيح، فهو أتى وهم رفضوه. أما  مطالبهم وشروطهم لاحتلال القدس، فهي مطالب وشروط  غير مطالب وشروط الله وأنبيائه منهم. ذلك ستبقى عيشتهم وكأنها في منفى، ما لم يعترفوا بملك السلام.

 

ما أحوج زمانَنا، لا لنبي جديد بل لهذا النبي المسمّى يوحنا، فهو على حسب تقدير يسوع له، ولمكانته في تحضير الجماهير لاستقبال المخلص في ذلك الزّمان، لا تزال كلماته وشجاعته ومقدرته صالحة وسارية المفعول لزماننا ولأجيالنا. بيّن يسوع عن ذلك بوصف يوحنا، الذي يختلف عن المستمعين. فالمستمعون هم كالقصب في مهب الرّيح. هذا ومن صفات القصب، للذي لا يعرفه، فهو نبتة عشب جماعية متشابهة، من الصعب تميير قضيب فيها عن الآحر، تظهر كلها بشكل واحد، تتحرّك وتتمايل كلها مع بعضها باتجاه واحد. هذه حالة البشر العامة، التي لا تفهم الحياة ولا تفهم لِما هي في هذا العالم، لا تعرف مسؤولية، لا خاصة ولا عامة، فهي ضائعة، تتمايل مع كل ريح كالقصب.

 

أمّا يوحنا فهو ليس واحداً من كثيرين، بل هو الواحد، الّذي يختلف عن كل الكثيرين، ليس فقط بمظهره الخارجي "وكان يوحنا يلبس وبر الإبل ومنطقة من جلد على حقويه ويأكل جراداً وعسلاً برّياً" (مر 1: 6) بل وأيضا هو يتحلّى بروحٍ غير روحهم، وبمبادئ لا تتفق مع مبادئهم. هو متحلّي بروح أشعيا، صاحب الرأي الثابت، يقول لهم الحق بدون محاباة، سواء للبسطاء أو لرؤوساء الشعب أو الكتبة أو الفريسيين، بل يوبّخ الملك هيرودوس، إذ قد اقترف الزّنى وتزوّج إمرأة أخيه هيرودياد: لا يحقّ لك أن تتزوّج زوجة أخيك. قال هذا بشجاعة ولو كان يعلم أن ثمن هذا الإحتجاج هو الموت (متى 14. 4+ مر 6 :18). "ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة، فمنهم تقتلون وتصلبون..."(متى 23: 34).الأنبياء هم رجال اختارهم الله وأوكل إليهم رسالة التبشير ليوصلوها لبني جنسهم. هذه الرسالة متعدِّدة الوجوه ، حسب الظروف. منها إنذار للرجوع عن الضلال. منها التبشير بتدخل الله في حياة معينة، كإرسال يونان إلى بابلون لتبشيرها إما بالخلاص أو بالإهلاك، حسب ما يقرِّر ويتصرّف أهلها. عدد هؤلاء الأنبياء في العهد القديم 12 نبيا صغيرا بمعنى أوكلت لهم رسالة صغيرة. وأربع أنبياء كبار أوكلت لهم مهمة كبيرة. هؤلاء الأربعة كانت مهمتهم وصف تفاصيل عن المخلص الموعود: من هو؟ من أمه؟ أين سيلد؟ ماذا سيعمل؟ كيف سيموت. هؤلاء الأنبياء أعطوا تفاصيل كاملة عن ألم وموت المخلص وذلك مئآت السنين قبل حدوث ذلك.

 

يوحنا، لا هو من الإنبياء الصغار ولا من الكبار بل هو أكبر أنبياء التاريخ، الذي تميّز برسالة خاصة، عبّرت عنها منذ البداية، أعجوبة ميلاده من أمٍّ مسنّة وعاقرا، لكنّ الله سخّر الطبيعة وأوقف قوانينها، فتمّت أعجوبة ميلاده، كأن الله ما كان عنده طريقة ثانية، ليجذب أنظار النّاس على قرب مجيئه إلا أظهر محبّته للبشر عن طريق ابن بشر، هو بالتالي يوحنا الّذي "لم يقم بين المولودين من النِّساء أعطمُ منه"(متى 11: 11). ولذا كانت رسالته كحياته عظيمة. لقد وضع بصمته الخاصة في تحضير الناس لاستقبال المسيح المنتظر، الذي كان بينهم، لكنهم لم يتعرّفوا عليه حتى ساعة عمّاده، حينما قال عنه يوحنا هذا: هوذا حمل الله. ثم حلّ عليه الروح وصوت الآب كشف عنه قائلا: هذا هو ابني الحبيب فله اسمعوا.

 

هذه الجملة كانت النقطة الفاصلة، التي أثبتت أن الله يُهمُّه أمرُ البشر، ولذا أتى إليهم وصار واحدا منهم. فبميلاده، لم يَقترِب ملكوتُ الله منهم فقط اقترابا، بل ظهر بوجهه بينهم: من رآني فقد رأى الآب. فأي إله جازف بما جازف هو، وسكن مع شعبه. فَمَن مثلُ إلهنا؟ يسأل صاحب المزامير. كذلك التجسّد، أيْ ميلادُ الله بين البشر وعيشه معهم، لم يحدث بأيٍّ ديانة غير ديانتنا، بينما في الديانات الثانية فالآلهة تسكن خلف الغيوم ولا تظهر علنا، بل بالخفاء، لقصاص أتباعها، لا تعرف لا التسامح ولا الغفران، كما هو مذكور عن الآلهة اليونانية، أو أن مؤسِّسها رجل عادي تلعب الحروب فيه والإنتقام دورها الأوّل، وأما عن الخلاص حتى لأتباعه فلا ذكر له. فهل هذه ديانة؟ وأمّا على أرضنا فقد ظهرت محبّة الله بشخص ابنه يسوع: "الكلمة صار جسدا وسكن بيننا". نعم الله أخذ أرضنا مسكنا له وقال: "ها أنا معكم كلَّ الأيّام وإلى مُنتهى الدّهر". يضحي بالكثير حتى يُخلِّص حتى الأفراد: الإبن الضائع ، الخروف االضائع... فربّنا معنا وغير مختبئ وراء الغيوم الكثيفة التي تُخفي وراءها شروق الشمس على الأرض، بل هو الشمس المشرقة دائما، لا تعرف لا الشروق ولا الخسوف المؤقت. لكن إفتكارهم أن إلههم تركهم وهم دخلوا في عبودية، فهذا ما يوضحه لهم أشعيا بقوله، هذا حدث هم سبّبوه، لأنهم لم يحفظوا وصايا الله ولم يبقوا على الوعد، فخطاياهم هي سبب عبوديتهم الطويلة. أمّا السؤال فمتى ستنتهي هذه العبودية؟ فهذا ما أراد أشعيا أن يعزيهم فيه، إذ أكّد لهم: العبودية ستنتهي إذا ما سمع الشعب إنذار صوت الصارخ في البرية وعملوا بموجبه: "أعدّوا طريق الرب، قوّموا في القفر سبيلا لإلهنا، كلُّ منخَفَضٍ يرتفع، وكلّ جبل وأكمةٍ تنخفض، ويصير المعوجُّ مستقيما والعراقيب سهلا، فيُعلَنَ مجدُ الرّب، ويراهُ كلُّ بشر معاً، لأنَّ فمَ الرّب تكلّم"(أشع 40: 3-5).

 

كم وكم انتظر الشعب كلمة عزاء في منفاه، الذي دام 70 سنة، كما ورد في إرميا 10,29 "هكذا قال الرب: إني عند تمام سبعين سنة لبابل، أتعهدكم وأقيم لكم كلامي الصالح بردّكم إلى هذا الموضع. هذه النبوءة كانت للشعب كالبلسم وكدواء ناجع، لعلّةٍ مستعصية. يمكن أن نشبّه حالة الشعب في بابلون، الذي ما كان لديه أمل بالنجاة، مع العالم في بداية هذه االسنة أمام فايروس الكورونا، ينتظر كذلك سماع خبر بوجود علاج ولنقل نهاية له. فكم مَن تألّم وبكى، وبالتّالي مات، وكم مَن نادى واسترحم للخلاص من هذا الوباء، الذي سمّرنا في أماكنِنا ولقط أنفاسنا وحيّرنا في كل أنحاء الأرض. وممّا يجب ذكره أن الشعب بعد ما تحرّر ورجع إلى أورشليم، كانت المدينة لا تنعرف، إذ كان الرومان قد أحرقوها ودمّروها ولم يبق فيها حجر على حجر، بل كما يذكر يوزيفوس، أجد مؤرّخيهم، أنهم رأوا ثعالب تسرح وتمرح في ساحة الهيكل حيث كانت الحملان الفصحيّة التكفيرية تُذبح، ونبع الماءعلى مدخل الهيكل، لغسل الأيدي والأقدام والفم والآذان قبل الدخول في الهيكل والتحدث مع يهوى، كان قد جفّ. لقد كان للمتديينين منهم ضربة سيف في القلب. فاعتادوا أن يقفوا أمام حائط المبكى يقرعون صدورهم ويضربون على الحائط برؤوسهم، باكين صارخين: تعال يا ربُّ، تعال! لكن الغريب أنّه لما تمّ الزمان وأتى، هم لم يعرفوه.

 

إن وقت الله هو وقت الرحمة والنعمة والخلاص، كما حدث على زمان النبي إيليا، حيث كان الله قد حبس المطر عن شعبه لمدة سبع سنوات، فحدثت مجاعات في كلّ الأرض، وحصل جفاف لا يوصف، راح ضحيتها بشر وحجر كثير، إلى أن جاءت نبوءة إيليا، فأمطرت السماء خيرا، فعاشت الأرض وساكنوها من جديد. هذا وبعد خروجه من مصر بقيادة موسى، مرّ أيضا في فترة عصيبة مدّتها 40 سنة في الصحراء حتى وصل أرض الميعاد التي استقرّ فيها حتى يأتيه المخلًص المنتظر. فهذه طرق الله، حتى في يومنا هذا وفي حياتنا، هو يجعلنا نمرّ في مراحل صعبة، حتى نبقى ندعوه قبل أن يستمع لصراخنا. هو يطلب دائما نفس الشروط: التوبة عن مسالكنا المعوجّة. عندها يستمع لنا، كما تقول لنا صلاة الأحد: أيهالا الإله الرحيم! لا تدع شؤون الدّنيا تحول دون مسيرتنا إلى لقاء ابنك الوحيد، بل فلتكن الحكمة التي هي من علُ نوراً لسبيلنا وهدىً لخطواتنا.

 

أما حان لنا الوقت أن نفهم، أنّ عالماً بدون تدخل الله، غير أمين وكئيب، لآنه محكوم من الشرّ. وحيث الشر هو السيد، فلا سلام ولا عدالة فيه، والبشر هم كخراف بلا راعي، لا طريق يسيرون عليه ولا هدف لحياتهم. كُلٌّ مُشْهِرٌ سلاحَه على قريبه، إذ الحق بيد القوي وأمّا الضعيف فحقوقه مهضومة، الشّر يحل محل الخير. أما الخير فلا أنصار له.

 

فأين أنت، يا عزاء الشعوب. تعال وعزّينا. إنزل من فوق وخلصنا من بؤسنا. الجواب من فم صاحب المزامير: الرب نفسه سيأتي وهو نفسه الذي سيُنهي المنفى. هو سيصبح راعي شعبه، ويقوده إلى مراعي خصبة. نعم الله يأتي حيث يُسمح له أن يأتي.

 

مواعيد الأنبياء كلُّها تحقّفت بمجيء يسوع. وأما لنا فستتحقق أيضاً، بشرط أن نفتح له طريقاً إلى قلوبنا. تعال يا مخلّص البشر! آمين.

 

 

الخطيئة سبب التّحرير

 

كانَتْ خَطِيئَةُ آدَمَ وَحَوَّاءَ فِيْ جَنَّة عّدن

سَبَباُ ِلتُعِيدَ لَهَمْ وَلَنا حُبِّكَ الْأَوَّلَ بِلا ثَمن

 

لِذا نُسَبِّحُ وَنَمْدَحُ سَبْتَ النُّورِ هَذِهِ الخطيئة

إِذْ لِأَجْلِهَا جاءَ الْمُخَلِّصُ بِرِسَالَتِهِ الجريئة

 

لَكِنْ لِيَوْمِ مَجِيئِهِ سَتَمُرُّ عُصورٌ عَلَيْنا ثقيلة

لِنَفْهَمَ ما فَقَدْنا فِيْ قَعَرِنَا مِنْ مَوَاهِبَ جليلة

 

لَقَدْ فَـقـَدْنا النّقاوةَ وكُلَّ الصِّفاتِ الحَسَــنه

وما عادتْ إرادَتُنا تُطابِقُ إرادَتَكَ المَرِنه

 

لذا نَفَيْتَنا لِسِنينَ كثيرةٍ بعيداً عَنِ الفِرْدوس

وَلَنْ نَعودَ إلِيهِ لِأَنْ يَظْهَرَ في السَّماءِ قوْس

 

ذُقْـنا الْـعذابَ والْألَـمَ في مَنْـفىً مرير

وَأَنْتَ خَلَقْتَنا لكَ فكانَ قلبُنا في سعـير

 

لكنّكَ قُلتَ حـينَ القصـاصِ لا تَيْأَسوا

سأُرْسِلُ لَكُمْ مُخلِّصاً ترقّبوهُ لا تَنْسَوا

 

أمّا اسْمُهُ فقالَ عَنْهُ أَشعيا هُوَ عِمّانوئيل

أيْ اللهُ مَعَنا فهذا خَبرٌ غَيْرُ قابلٍ للتّأويل

 

أمُّهُ مِـنْ نسَلِكُمْ ستلِدُهُ لَكُمْ بدونِ خطيئة

وَتَبْقى عَذْراءَ إذْ بِنِعْمَتي ستكونُ مليئة

 

 

عبوديّة فرعون

 

وقَعْنا فريسةً باردةً فِيْ قَبْضَةِ فِرْعَوْن

قَتَلَ مِنّا الكثيرينَ حتّى لا يَكْبَرَ الكَوْن

 

بأُعْجوبةٍ مِنْكَ نَجا موسى مِنْ قَبْضَتِه

لِيُنجِّيْ شعبَكَ بقُوَّتِـكَ نَعَمْ لا بشعوذتِه

 

نَعْم أَنْتَ اخْتَرْتَ موسى مِنَ الصِّبا لِإِنقاذِ شعبِك

مِنْ أَرْضِ الْعُبودِيَةِ إِلى أَرْضِ الميعاد رَمْزِ حُبِّك

 

قَطَعُوا الْبَحْرَ الأَحْمَرَ بَاكِراً بِأُعْجوبةٍ خَارِقه

إذِ انْقَسَمَتِ المِياهُ قُدّامَهُمْ إلى حائِطَيْنِ شاهِقه

 

فمَرَّ الشّعْبُ شاكِراً تَحْتَ أقدامِه أرْضٌ يابسه

وأمّا جُيوشُ فِرْعونَ فَأغْرَقْتَها بِطَريقةٍ يائِسه