موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٤ أغسطس / آب ٢٠٢١

كيف يكون الإصلاح تجديداً؟

أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية

أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية

د. رضوان السيد :

 

صدر لمحمد أركون بعد وفاته كتاب أُعطي عنوان «حين يستيقظ الإسلام» (2019)، هو عبارة عن فصولٍ مجموعةٍ من كتبٍ متعددة يحددها همٌّ واحدٌ هو النهوض الإسلامي أو كيف يكون الإصلاح تجديداً؟ لقد تكرر عنوان «اليقظة» في وصف الظواهر الفكرية والسياسية الحادثة في العالم الإسلامي منذ أواخر القرن التاسع عشر.

 

بيد أنه ما كان هناك اتفاقٌ بين المستشرقين والإصلاحيين المسلمين والاستراتيجيين الغربيين على ما يُعتبر «يقظة» وما يُعتبر بخلاف ذلك.

 

لقد أُثير الموضوع في ذهني من جديد بمناسبة أحداث تونس بين رئيس جمهوريتها و«حزب النهضة» الإخواني. إذ في تونس بالذات ظهر الافتراق لأول مرةٍ بين مفهومين للإصلاح والتجديد. في عام 1864 أو 1865 وبموافقة الباي الحاكم، أقدم الوزير الأول بالبلاد خير الدين باشا على محاولة كتابة دستور للدولة استناناً بالسنة الأوروبية السياسية والإدارية في تنظيم السلطات، وفي استعادة المثال الإسلامي القديم للشورى.

 

وشكّل لجنةً لذلك أكثرها من القانونيين والإداريين، لكنه جعل من بين أعضائها كبار رجال الدين الأربعة من فقهاء المالكية والأحناف. إنما اللافت أنه بعد عدة أشهرٍ من عمل اللجنة فإنّ شيوخ الإسلام هؤلاء قدّموا استقالةً جماعيةً وليس احتجاجاً، بل لأنّ الدستور أمر سياسي ليس من شأنهم ولا من مهامِّهم!

 

وقد أزعج ذلك خير الدين، لكنه في مقدمة كتابه «أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك» (الصادر بالعربية في مطبعة الدولة عام 1867) ما ردَّ بأنّ رجال الدين من حقّهم المشاركة، بل قال إنّ الركن السياسيَّ ضروريٌّ الإصلاحُ فيه للنهوض بسياسة الدنيا التي تقوم على الدولة القوية والقادرة، وإذا تصدّع ذاك الركن أو ضعُف، فإنّ الركن الديني يضعُفُ أيضاً أو يتصدع لاختلال النظام العام.

 

فمن مصلحة الدين أن تقوم بتونس الدولة الدستورية القوية التي تستطيع الدخول في الحداثة الأوروبية المتقدمة، والتي استعرض خير الدين أحوال دولها في كتابه «أقوم المسالك» بعد المقدمة الخلدونية الطابع. وهكذا فإنّ خير الدين ما كان يرى أنّ الشأن السياسي ينبغي أن يكون بين اهتمامات رجال الدين، بل كان يرى في صلاحه وإصلاحه مصلحةً للدين أيضاً، ويخشى إذا ظلّ رجالات الإسلام بمعزلٍ عن هذا الإصلاح أن يصيروا إلى الاعتراض عليه باعتباره شأناً مستعاراً أو تقليداً للمستعمر الأوروبي، كما ذكر في مقدمته، مستعيناً على ذلك بالمفهوم الجامع للمصلحة والمقاصد الكلية للشريعة! إنّ الذي حدث خلال قرنٍ ونصف، مخالفٌ لذلك «الاعتبار» الذي حرَّك خير الدين التونسي.

 

فبدلاً من «التحالف» الذي أراده من حول الدولة الوطنية، صارت الصحوات أو اليقظات مع ظهور وتبلور «الإسلام السياسي» أيديولوجيات انشقاقية حزبية لمواجهة الدولة الوطنية وإسقاطها أو استبدالها تارةً باعتبارها كياناً متغرباً لدى الراديكاليين الدينيين أو «أنصار الشريعة»، وطوراً بأنّ الإسلاميين الحزبيين يجمعون بين التجديد الحداثي باسم الإسلام من جهة، والأصالة الإسلامية للدولة من جهةٍ أُخرى!

 

إنّ ما جرى بتونس هو تعبيرٌ واضحٌ عن هذا الاختلال الحاصل في العلاقة بين الإسلام السياسي والدولة الوطنية. فقد عجز الإسلاميون العرب عن إسقاط الدولة الوطنية بالقوة كما فعل الإسلاميون الإيرانيون، فاتجهوا لمحاولة ذلك من خلال استراتيجياتٍ أُخرى تعتمد استعارة أدوات الحداثة مثل حركات التغيير الشعبية والانتخابات الديمقراطية من أجل الاستيلاء على السلطة، والاستظهار لدى العامة بـ«الحلِّ الإسلامي»!

 

الدولة الوطنية تحتاج، بالأمس واليوم وغداً، إلى أنصار، ليس في الشارع فقط، بل وفي التفكير المتجدد بالدولة وضروراتها، وبالتجديد الإسلامي إمكانياته وخياراته، بحيث لا يظل الدين وشعاراته سلاحاً بيد الحزبيين! وهذا الوعي المتبصِّر هو اليقظة المطلوبة والمرجوة.

 

(الاتحاد الإماراتية)