موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٣ يناير / كانون الثاني ٢٠٢١

كلمتُك تكفيني

بقلم :
الأب فارس سرياني - الأردن
قُل كلمةً يا سيّدي، كلمة واحدة تكفيني، لأنّ الله وحدَه يَكفيني!

قُل كلمةً يا سيّدي، كلمة واحدة تكفيني، لأنّ الله وحدَه يَكفيني!

 

الأحد الثّاني للميلاد

 

أيّها الإخوةُ والأخواتُ الأحبّاء جميعًا في المسيحِ يسوع. مَع بداية سنة جديدة نسألُها مباركةً لَكم جميعًا، نستَهلُّها بقراءةِ مُقدّمةِ بشارة يوحنّا الإنجيلي. وفيها يتحدّثُ عن البَدءِ المطلق، البدءِ الأزلي، الّذي هو بلا بداية وبلا نهاية، والّذي به كانَ كلّ شيء، وبدونه ما كانَ شيءٌ مِمّا كان. الله تَعالى بِدايتُنا وَمَصيرُنا الأبدي، نَشأتُنا ومُنتَهانا وغايتُنا القصوى، والّتي نسعى كلّنا لبلوغها وللوصول إليها يومًا.

 

هذهِ المقدّمة الإنجيلية العظيمة تَحوي لبَّ العقيدةِ وجوهرَها، فالله الكلمةُ خالقُ الأشياءِ وعِلّةُ الوجود، صار بشرًا فسكَن بينَنا فَرأينا مجدَه. هذهِ العقيدة نحفظها كوديعة إيمان نفيسة لا تُقدّر بثمن، ونحتفِلُ بها في أقدسِ أعيادِنا وأبهاها، ونُحيطها بمنتهى التَّبجيل والتَّعظيم.

 

كلمةُ الله نورُنا، ومَن حلّ فيه نورُ الله، لا تَغشَاهُ ظلماتُ هذا الدّهر. كلمةُ الله حياتُنا، ومَن فاضت فيه حياةُ الله، لَن يذوقَ فسادَ الموتِ أبدًا. كلمةُ الله طَريقُنا، ومَن سَار في الطّريق، بَلغَ الحياةَ والنّجاة. كلمةُ الله عظيمة، حيّة، مُحيِيَة، خالِقة، عاقلة، حكيمة، أَزَليّة لا تزول، وإن زالت السّمواتُ والأرض. كلمةُ الله تجعلُنا أبناءَ الله بالإيمان. كلمةُ الله مصدرُ كلّ نعمة وبركة، فَمِن ملئِها ننالُ نعمةً على نعمة. كلمة الله حق تدحرُ الباطِل والمصفّقينَ له.

 

كَلمتُكَ يا رب مصباحٌ لخطايَ ونورٌ لسبيلي. فطوبى للّذي يسلكُ في سبيل الكلمةِ ويحفظ طرقَها. كلمتُك يا رب روحٌ وحياة، فإلى مَن نذهب وكلامُ الحياةِ الأبدية عندك! كلمتُك يا رب سِراجٌ مُنير يُنير عَتمةَ عَقلي، ويزيل كلّ غشاوةٍ تكتنِفُ قلبي.

 

كلمتُكَ يا رب توبّخني وتُنذِرني عندَ الحاجة. وهي الّتي تُعيدني إلى السّراط القويم، ساعةَ أحيد وأبتعد. كثيرون فَضَّلوا صَمَّ قلوبِهم وإغلاقَ عقولِهم، حتّى لا يسمعوا ولا يفهموا ولا يتوبوا عن شرّهم وغَيّهم. أولئك هم الّذين فَضَّلوا الظّلمةَ على النّور، مَع أنّهم مِن أهل البيت، ولكنّهم رَفَضوا النّور ولم يَقبلوه. أمّا أنا فقد شنّفتُ أُذُنيّ، لألتَهِمَ كلمتك التهامًا، واستمتِعَ بحلاوتِها في صميم كياني. فما أَحَبَّ كلمتكَ إلى قَلبي يا رب.

 

كلمتُكَ يا ربّ تنشلني من سَقطتي وعثرتي. كلمتُك تغسلُني من إثمي وتُطهّرُني من خطيئتي. كلمتك تفكّ قَيدَ قلبي ورباطَ عَقلي. كلمتك تعتقُني، وتَنقُلني من دارِ عبودية إلى أرض ميعاد. كلمتُك تُفعمني سرورًا وبهجة، فتجذِلُ عظامي الذّليلة. كلمتُكَ تُنهِضُني من موتي وفَسادِ قبري وتحلّ لفائِفي، كَما أنهضتَ أنتَ وحَلَلتَ لَعازر، الّذي أنتنَ في يومِهِ الرّابع، بكلمتِك الحيّة القادرة.

 

كلمتُك يا رب تُعزّيني في حُزني، وتقوّيني في لحظات ضعفي، وتُشدّدني ساعاتِ ارتخائي، وتُصبّرني عند الضّربةِ والمُصيبة. كلمتُك تسندُ قلبي حينَ يتعب، ونفسي ساعة تمل، وجسدي لمّا يَكل. كلمتك تشرحُ صدري ساعة الضّيق، وتُنجّني إبّانَ المحنة. كلمتُك دواءُ النّفسِ المثقَلة، وبلسمُ القلوبِ المجروحة وعزاءٌ المكلومة، كلمتك شافية.

 

كَم هي عظيمة كلمتك يا رب! هي تلك الوزنةُ الّتي دَفنّاها أحيانًا بتوانِينَا وبكسلِنا وبإهمالِنا، ولم نُقدّرها حقّ قدرها، ولم نُكرمها الإكرام الّلائِق. كلمتُك هي الصّوت الّذي أخمدناهُ حينًا، ورفضنا الاستماعَ إليه والأخذَ به حينًا آخر.

 

أشبعني في الصّباحِ من كلمتك يا رب، واروِ عطشيِ بالارتواءِ منها، وَأَشبِع جوعي بالامتلاء منها. زِدني عشقًا لها وتعلّقًا بها.

 

قُل كلمةً يا سيّدي، كلمة واحدة تكفيني، لأنّ الله وحدَه يَكفيني!