موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٢

قوة الإيمان والتواضع في الخدمة في مفهوم المسيح

بقلم :
الأب لويس حزبون - فلسطين
الأحد السابع والعشرون: قوة الإيمان والتواضع في الخدمة في مفهوم المسيح (لوقا 17: 5-10)

الأحد السابع والعشرون: قوة الإيمان والتواضع في الخدمة في مفهوم المسيح (لوقا 17: 5-10)

 

النص الإنجيلي (لوقا 17: 5-10)

 

5 وقالَ الرُّسُلُ لِلرَّبّ: ((زِدْنا إِيماناً )) 6 فقالَ الرَّبّ: (( إِذا كانَ لَكم إِيمانٌ بِمقْدارِ حَبَّةِ خَردَل، قُلتُم لِهذِه التُّوتَة: اِنقَلِعي وَانغَرِسي في البَحر، فَأَطاعَتْكم.7 (( مَن مِنْكُم له خادِمٌ يحرُثُ أَو يَرعى، إِذا رجَعَ مِنَ الحَقْل، يَقولُ له: تَعالَ فَاجلِسْ لِلطَّعام! 8 أَلا يَقولُ له: أَعدِدْ لِيَ العَشاء، واشْدُدْ وَسَطَكَ واخدُمْني حتَّى آكُلَ وأَشرَب، ثُمَّ تَأكُلُ أَنتَ بَعدَ ذلِكَ وتَشرَب. 9 أَتُراه يَشكُرُ لِلخادِمِ أَنَّه فعَلَ ما أُمِرَ به ؟ 10 وهكذا أَنتُم، إِذا فَعَلتُم جميعَ ما أُمِرتُم بِه فقولوا: نَحنُ خَدَمٌ لا خَيرَ فيهِم، وما كانَ يَجِبُ علَينا أَن نَفعَلَه فَعَلْناه )).

 

 

مقدمة

 

يتناول إنجيل الأحد (لوقا 17: 5-10) توجيهات السيد المسيح للرسل حول قوة الإيمان، والتواضع في الخدمة؛ فالإيمان والتواضع هما عنصران أساسيان لعيش الحياة المسيحية، الإيمان يعطي الإنسان حياة حقة له ولكل مَن حوله. لان الإيمان بمعـناه المسيحي ليس في الأساس بماذا تؤمن؟ بلّ بمن تؤمن؟ الإيمان في الأساس، تصديق أمور عـن الله بل الانتماء إلى الله ووضع ثقة المؤمن فيه تعالى أكثر من ثقته في ذاته وفي الآخرين وفي الأشياء. ويتَّصف المؤمن في المسيح أيضا في التواضع ومن أهمية هذه الصفة أنَّ السيد المسيح قال لتلاميذه: " تَتَلمَذوا لي فإِنِّي وَديعٌ مُتواضِعُ القَلْب"(متى 29:11). ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته.

 

 

أولا: وقائع النص الإنجيلي وتحليله (لوقا 17: 5-10)

 

 5وقالَ الرُّسُلُ لِلرَّبّ: زِدْنا إِيماناً

 

تشير عبارة "الرُّسُلُ" إلى الاثني عشر الذين تمَّ اختيارهم من بين التلاميذ (لوقا 6: 13-14)، ولُقِّبوا بالرسل (متى 10: 2)؛ ويستعمل لوقا لقب الرسل ست مرات في إنجيله، وأمَّا متى ويوحنا فقد استعملاه مرة واحدة، ومرقس استعمله مرتين، أمَّا بولس الرسول فحافظ على لقب الرسل؛ وهذا اللقب يدلُّ على التلاميذ الذين أرسلهم يسوع لحمل بشارة الخلاص. فهم نواة الكنيسة التي ستواصل عمل يسوع؛ أمَّا عبارة " زِدْنا " فتشير إلى طلب التلاميذ من المسيح أن يزيد إيمانهم، ويقوِّيه فيهم. وقد نشأ هذا الطلب من وعيهم بعجزهم عن تحقيق المتطلبات التي وضعها يسوع أمامهم لتمكينهم من المغفرة "إِذا خَطِئَ إِلَيكَ سَبعَ مَرَّاتٍ في اليَوم، ورجَعَ إِلَيكَ سَبعَ مَرَّاتٍ فقال: أَنا تائِب، فَاغفِرْ له" (لوقا 17: 4). إن ما يطلبه الرب هو فوق حدود الطبيعة الإنسانية. والإيمان عطية النعمة الإلهية بها "كُلُّ شَيءٍ مُمكِنٌ لِلَّذي يُؤمِن" (مرقس 9: 23). وقد مدح بولس الرسول إيمان أهل تسالونيقي، إذ أن إيمانهم ينمو "علَينا أَن نَشكُرَ اللهَ دائِمًا في أَمْرِكم، أَيُّها الإِخوَة. وهذا حَقٌّ لأَنَّ إِيمانَكم يَنْمو نُمُوًّا شديدًا"(2تسالونيقي 3:1). ويُعلق القديس كيرلس الكبير "لا تعجب إن كان التلاميذ يطلبون زيادة إيمانهم من المسيح، إذ "أَوصاهُم أَلاَّ يُغادِروا أُورَشَليم، بل يَنتَظِروا فيها ما وَعَدَ به الآب " حتى يلبسوا قوة من العُلى (أعمال 1: 4). وعندما حلت بهم القوة التي من العلى صاروا بالحق شجعاناً وأقوياء، تُظللهم حرارة الروح، يحتقرون الموت، ولا يبالون بالمخاطر التي كان غير المؤمنين يُهدِّدونهم بها، بل صاروا قادرين على صنع المعجزات"؛ أمَّا عبارة "زِدْنا إِيماناً" فتشير إلى حقيقة الإيمان، أنه ليس أمرًا جامدًا قبلناه وتوقف، لكنه قابل للنمو، إنه خبرة حياة معاشه مع الله فيها ينمو الإيمان، وهذا ما يؤكده القديس أوغسطينوس بقوله " إن إيماننا يزداد". أمَّا عبارة " إِيماناً" في الأصل اليوناني πίστις, فتشير إلى الثقة التي تتجه نحو شخص "أمين"، وتلزم الإنسان بكليته من جهة، ومن جهة أخرى، مسعى العقل الذي تتيح له كلمة أو بعض العلامات، بلوغ حقائق لا يعاينها " الإِيمانُ بُرْهانُ الحَقائِقِ الَّتي لا تُرى "(عبرانيين 11: 1). فهو سرّ قوة المؤمنين، بدونه لن ننعم بطبيعة المسيح العاملة فينا، ودونه لا نقدر أن نقدم الحب الحقيقي الغافر لأخطاء الغير دوما كما أوصانا السيد المسيح " إِذا خَطِئَ إِلَيكَ سَبعَ مَرَّاتٍ في اليَوم، ورجَعَ إِلَيكَ سَبعَ مَرَّاتٍ فقال: أَنا تائِب، فَاغفِرْ له" (لوقا 17: 4).  ومن هنا ندرك كيف أنَّ الرسل طلبوا من يسوع أن يزيد إيمانهم حتى يقدروا أن يعيشوا هذه المغفرة. يعلق البابا فرنسيس "نعم، يا رب، إيماننا صغير، إيماننا ضعيف وواهن، لكننا نقدمه لك هكذا كما هو، كي تُنمِّيَه". لنسأل نفوسنا على نوعيّة إيماننا اليوم؟ فلننتبه لا إلى الكمية الإيمان بل بنوعية الإيمان المتجذر في الرّبّ الذي يجعلنا خدامًا ورسلاً في بيوتنا ومجتمعاتنا.

 

6 فقالَ الرَّبّ: إِذا كانَ لَكم إِيمانٌ بِمقْدارِ حَبَّةِ خَردَل، قُلتُم لِهذِه التُّوتَة: اِنقَلِعي وَانغَرِسي في البَحر، فَأَطاعَتْكم

 

تشير عبارة " إِذا كانَ لَكم" في الأصل اليوناني Εἰ ἔχετε (معناها لو لكم) تشير إلى حرف امتناع لامتناع، فإنها تعني أنَّ الرسل ليس لديهم إيمان بمقدار حبة الخردل والثقة بان الله يعطيهم قوة على القيام بما عليهم من أوامره ووصاياه.  وهذه كارثة أن يكون الرسل ذوي إيمان يقل عن حبة الخردل فكيف يكون سواهم من الناس؟ إننا لا نملُكُ مقدارَ حبّة من الإيمان، لذا ترانا نعجزُ عن فعلِ شيءٍ. أمَّا عبارة إِيمانٌ بِمقْدارِ حَبَّةِ خَردَل " فتشير إلى حاجتنا إلى الإيمان لا إلى الزيادة من ناحية الكم، وإنما إلى الزيادة من ناحية النوع. لا تكمن المشكلة في مقدار الإيمان الذي غالبًا ما يكون أيضًا صغيرًا عند التلاميذ ولكن في جودته.  منطق الإيمان يتناسب مع القليل، ومع ما غير ظاهر، بعكس المنطق الدنيوي الذي يسعى إلى أشياء عظيمة وقوية، وكأنَّ يسوع المسيح يقول للرسل "أنكم تملكون إيمانًا يبدو صغيرًا أقل مقداره من حبة الخردل، وهي أصغر من جميع الحبوب، ولكن إذا حاولتم أن تعيشوا قوة هذا الإيمان فإن فعله سيكون عظيمًا جدًا، حتى إنه يستطيع أن يقلع أكبر الأشجار من مكانها"؛ يعلق البابا فرنسيس" يكفي أن يكون إيماننا بحجم حبة الخرذل، صغيرا، ولكن حقيقيا، وصادقا، الأمر الذي يُمكِّننا من فعل ما هو مستحيل بشريًّا، وما لا يُمكن تخيّله". وأمَّا " حَبَّةِ الخَردَل" فتشير إلى أصغر البذور كلها كما يصفها مرقس أنَّها "أَصغَرُ سائرِ البُزورِ الَّتي في الأَرض"(مرقس 4: 31) التي تنمو فتصير شجرة بطول 3.5 متر؛ ويبُين هذا التعبير أنَّ يسوع كان يعلم في الهواء الطلق فأشار إلى الشجرة أثناء الحديث؛ أمَّا عبارة "التُّوتَة" في الأصل اليوناني ( συκάμινος (معناها جميزة) فتشير إلى اسم الجميز الذي كان يُطلق بصفة عامة على أنواع مختلفة من أشجار التوت الضخمة. وهي تعتبر رمزًا للشك الكامن في قلوبنا أو الخطيئة المتعمِّقة في القلب. ويرى القديس كيرلس الكبير "أن "شجرة الجميز" هي رمز لقدرة الإيمان على تحقيق ما يبدو لنا مستحيلًا. بالإيمان تُقتلع شجرة الجميز من الأرض رغم تأصلها بالجذور العميقة، وبالإيمان تُثَّبَّت في مياه البحر المتحركة، فالإيمان يصنع المستحيلات. ومن يثق في المسيح لا يتكل على قوته الذاتية، بل ينسب للمسيح كل ما يُحقِّقه؛ أمَّا عبارة "قُلتُم لِهذِه التُّوتَة: اِنقَلِعي وَانغَرِسي في البَحر، فَأَطاعَتْكم" فتشير إلى قوة الإيمان القادر على صنع أعمال خارقة؛ إن إيمانًا حيًا كحبة الخردل الصغير قادر على عمل المستحيلات، قادر أن يقلع شجرة جميزة (التوت) بجذورها من الأرض لغَرسها في البحر وسط الأمواج؛ ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم بتفسير روحي مشيراً إلى "عبارة "شجرة الجميز (التوتة)" إلى الشيطان، فإن كانت حياتنا قد صارت أرضًا غُرس فيها العدو كشجرة جميز (التوتة)، بالإيمان نطرد الشيطان بكل أعماله من حياتنا فلا يكون له موضع فينا، وإنما يُلقى في البحر كما في الأعماق، كما سمح السيد المسيح للشياطين أن تخَرَجَ الشَّياطينُ مِنَ الرَّجُلِ وتدَخَل في الخَنازير، فوَثَبَ القَطيعُ مِنَ الجُرُفِ إلى البُحَيرَةِ فغَرِق" (لوقا 8: 33). أمَّا عبارة " فَأَطاعَتْكم" فتشير إلى عظمة وقوة الإيمان في المؤمن، إذ أنَّ الله قادر أن يهب له نعمة كافية أن يقوم بما هو عليه من الواجبات.

 

7 مَن مِنْكُم له خادِمٌ يحرُثُ أَو يَرعى، إِذا رجَعَ مِنَ الحَقْل، يَقولُ له: تَعالَ فَاجلِسْ لِلطَّعام!

 

تشير عبارة "مَن مِنْكُم له خادِمٌ " إلى العادات السارية في الحياة اليومية، حين كان أغلب الخدم عبيداً، وكان النظام الاجتماعي والاقتصادي كله في العالم أيام يسوع قائما على نظم الرقِّ والرقيق. لكن من الناحية الروحية نحن عبيد للمسيح، لأنه هو الذي افتدانا بدمه الثمين على الصليب (أفسس 1: 7)، لكن طبيعة الإنسان تشتهي المجد الباطل؛ فعلى سبيل المثال اشتهى كل من يعقوب ويوحنا أن يكون أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره في ملكوته (متى 20: 21)؛ أمَّا عبارة " يحرُثُ " فتشير إلى الفلاحة وكل ما يتعاطاه صاحب الأراضي والحقول لكسب معيشته كحرث الأرض وزرعها وحصدها ومعاملة غلاتها.  وكانت الأرض عادة تُفلح بالمحراث الذي تجرّه الثيران أو البقر. وكان المنجل يُستخدم للحصاد (1 ملوك 19: 19). وقد بقيت الفلاحة الحرفة الأساسية المعوّل عليها في فلسطين طوال مدة العهدين القديم والجديد. أمَّا عبارة "مَن مِنْكُم " فتشير مخاطبة يسوع لرسله كأنهم مثل سائر الناس في معاملة بعضهم لبعض. وغاية من قوله هنا أنَّ الأعمال الصالحة لا تستحق الأجرة في ذاتها ـ إذ أنَّ الرسل ليسوا سوى خدم وان كل قوى اجسادهم وعقولهم لسيدهم الله، فشبّه خدمتهم لله بخدمة العبيد لسادتهم. أما عبارة " خادِمٌ " (في الأصل اليوناني δοῦλον (معناه عبد) فتشير إلى رقيق مشترى بالمال لا حق له أن ينتظر أجرة غير أكله وكسوته. ينطبق الخادم هنا على الشخص الذي يخدم عن طريق الالتزام، ولا يفشل في خدمته لأنّه ينتمي إلى سيده. إنه يخدمه ليس باختياره، بل بالضرورة، يخدمه لأنه لا يستطيع أن يفعل شيئًا سوى الخدمة، بعكس الخادم الشماس διάκονος الذي هو الشخص الذي يخدم عندما يكون شخصًا حرًا. إنه بالتأكيد شخص يعتمد على مَن يخدم، لكنه ليس مجبرًا على الخدمة.  أمّا عبارة "يحرُثُ أَو يَرعى" فتشير إلى عملين الذين كان السادة يكلفون العبيد إيَّاها. أمَّا عبارة "يَرعى" فتشير إلى الاهتمام برعاية المواشي سيما الغنم. يذهب الراعي إلى الحظيرة في الصباح (يوحنا 10: 2-5) ويقودها إلى المرعى ويقضي معها هناك النهار كله وفي بعض الأحيان الليل أيضاً (لوقا 2: 8). أمَّا عبارة " رجَعَ مِنَ الحَقْل" فتشير إلى الرجوع من العمل، كرجوع التلميذ من تبشيره.

 

8 أَلا يَقولُ له: أَعدِدْ لِيَ العَشاء، واشْدُدْ وَسَطَكَ واخدُمْني حتَّى آكُلَ وأَشرَب، ثُمَّ تَأكُلُ أَنتَ بَعدَ ذلِكَ وتَشرَب

تشير عبارة " أَعدِدْ لِيَ العَشاء " إلى العبد الذي يجب أن يعمل أعمال البيت بعد الفراغ من أعمال الحقل، ليس له أن ينتظر بعد ذلك سوى الأكل والاستراحة. أمَّا عبارة "اشْدُدْ وَسَطَكَ" فتشير إلى وضع الزنار في وسط ثيابه الطويلة الواسعة عند الشروع في العمل رمزًا إلى  الجهاد والاستعداد للعمل "لِتَكُنْ أَوساطُكُم مَشدودة، ولْتَكُنْ سُرُجُكُم مُوقَدَة، وكونوا مِثلَ رِجالٍ يَنتَظِرونَ رُجوعَ سَيِّدِهم (لوقا 12: 35-36)؛ أمَّا عبارة "اخدُمْني" فتشير إلى الأجير الذي إذا قام بمِثل هذا العمل لا يقوم إلاَّ بواجبه (لوقا 12: 35)؛ ولقد أدرك بولس الرسول هذه الحقيقة فصرّح: "فإِذا بَشَّرتُ، فلَيسَ في ذلك لي مَفخَرَة، لأَنَّها فَريضةٌ لا بُدَّ لي مِنها، والوَيلُ لي إِن لم أبَشِّر! " (1 قورنتس 9: 16)؛ ويُعلق القديس كيرلس الكبير بقوله: "المثل يُبيّن كما أنَّ قدرة السلطان الملوكي تتطلب من العبيد أن يخضعوا له كدين يلتزمون به، هكذا يقول بأن الرب لا يقدم شكرًا للعبد حتى وإن فعل ما وجب عليه عمله لأنه عبد".  أمَّا عبارة " ثُمَّ تَأكُلُ أَنتَ بَعدَ ذلِكَ وتَشرَب" فتشير إلى الحياة الأبدية والشبع في الملكوت. ويُعلق عليها القديس أوغسطينوس بتفسير روحي قائلا "كأن السيد يقول: بعدما أتمتع بعمل كرازتكم، وأتغذى أنا نفسي بطعام توبتكم، عندئذ تأتون أنتم وتتمتعون بالوليمة أبديًا، وليمة الحكمة الخالدة".

 

9 أَتُراه يَشكُرُ لِلخادِمِ أَنَّه فعَلَ ما أُمِرَ به؟

 

تشير عبارة " أَتُراه يَشكُرُ " إلى ما عمله الخادم هو أمر عادي.  فالسادة لم يعتادوا أن يشكروا عبيدهم على الأعمال العادية. ولم يكن للعبيد أن يتوقعوا الشكر على ذلك. ونتيجة ذلك انه ليس لعبيد الله أن ينتظروا مدحه تعالى وشكره لهم على إتمامهم ما يجب عليهم.  الله هو الذي أعطانا أن نفعله، فلماذا ننسب لأنفسنا ما صنعته نعمة الله كما جاء في تعليم يعقوب الرسول "كُلُّ عَطِيَّةٍ صالِحَةٍ وكُلُّ هِبَةٍ كامِلَةٍ تَنزِلُ مِن عَلُ مِن عِندِ أَبي الأَنوار" (يعقوب 16:1)؛ ومن هذا المنطلق فان يسوع يطلب من تلاميذه الاتضاع، فإن ثبتوا وغفروا وفعلوا كل شيء صالح، عليهم أن يشعروا أنهم فعلوا ما هو واجب عليهم، وأنهم لم يقدموا ما يوفي محبة الله لهم. فلا يجوز أن يقولوا " قمنا بالواجب، وبقي أن ننال المكافأة.  يجب التواضع والقناعة في طلب المكافأة على العمل.

 

10 وهكذا أَنتُم، إِذا فَعَلتُم جميعَ ما أُمِرتُم بِه فقولوا: نَحنُ خَدَمٌ لا خَيرَ فيهِم، وما كانَ يَجِبُ علَينا أَن نَفعَلَه فَعَلْناه

 

لا تشير عبارة " نَحنُ خَدَمٌ لا خَيرَ فيهِم" إلى قيمة للخدم الذين ينكرون فيه تعبهم وجهدهم كما لو أنّه لم يكن شيئًا أو إلى التواضعٍ الزائفٍ، بل المقصود هو اعتبار كلّ جهد وتعب على أنّه استجابة لحبّ الله، وجواب على جهده وامتنان للحياة الّتي يهبها الله إياهم، وهي حياته نفسها. لكن هذه الآية تنطبق على التلاميذ انطباقا تاما، يذهب التلاميذ كمرسلين مدعوين للقيام بمهمتهم معطيين شهادة عن إيمانهم وكأنهم خدم ليس لديهم ما يطالبون به آخر النهار أمام سيدهم، لكن عليهم ببساطة أن يفرحوا لأنهم فعلوا ما يجب القيام به. وليس من إنسان لا غنى عنه في خدمة الرب. وهذا هو السبب الذي جعل بولس الرسول يعتبر نفسه مديونًا للكل "فعَلَيَّ حَقٌّ لِليونانِيِّينَ والبَرابِرة، لِلعُلْماءِ والجُهَّال"(رومة14:1). يدعونا المسيح إلى اعتبار أنفسنا، بعد إطاعة كلمته، " خَدَمًا لا خَيرَ فيهِم". إنها نعمة أن نكون "مجرد خدام"، واجبهم الوحيد ليس المطالبة بشيء ما، ولكن طاعة مشيئة الله والترحيب بكل شيء كهدية. الطريقة الصحيحة للنظر في أنفسنا أمام الله هي اعتبار أنفسنا "خدامًا غير ضروريين. وأمَّا عبارة " وما كانَ يَجِبُ علَينا أَن نَفعَلَه فَعَلْناه " فتشير إلى العبارة المألوفة "لا شكر على واجب" أي لا لزوم للشكر، أو قولنا " قمنا بالواجب، وبقي أن ننال المكافأة" المقصود هو انه مهما عملنا نحن لم نوفِ حق الله علينا، ولن نوفه مهما عملنا. فنحن مدينون له بحياتنا أولاً ثم بكل ما بين أيدينا، ثم بفدائه، وبحصولنا على البنوة.  ويُعّلق القديس مرقس الناسك "نحن الذين وهب لنا الحياة الأبدية، نصنع الأعمال الصالحة لا لأجل الجزاء، بل لحفظ النقاوة التي وُهبت لنا". فملكوت السماوات هو هبة يعطيها الرب للعبيد المؤمنين وليس جزاءً لأعمالهم. ويعلق القديس أمبروسيوس "لا تفتخر أن كنت عبدًا صالحًا، فهذا واجب ملتزم أنت به". أمّا كيف يرى الله عمل خادمه، فيصفه يسوع في موضع آخر: " طوبى لأُولِئكَ الخَدَم الَّذينَ إِذا جاءَ سَيِّدُهم وَجَدَهم ساهِرين. الحَقَّ. أَقولُ لكم إِنَّه يَشُدُّ وَسَطَه ويُجلِسُهُم لِلطَّعام، ويَدورُ علَيهم يَخدُمُهم" (لوقا 12: 37). الرب يخدمنا ليس لأننا نستحقه، ولكن لأنه سيد متذكرين أن "ابنُ الإِنسانِ لم يأتِ لِيُخدَم، بَل لِيَخدُمَ" (متى 20: 28).  تدل هذه الآية على إثابة المؤمنين في السماء بفضل نعمة الرب وليس استحقاق الإنسان فيصيروا طوباوييّن بفضل كلمة الرّبّ لهم وفق قول بولس الرسول "أَمَّا هِبَةُ اللهِ فهي الحَياةُ الأَبَدِيَّةُ في يسوعَ المَسيحِ ربِّنا" (رومة 6: 23).  وهذه الآية تعلمنا التواضع والاتكال على استحقاق المسيح لنيل الخلاص وعظمة محبة الله ورحمته، فانه مع إنَّا "خَدَمٌ لا خَيرَ فيهِم" يعملنا الله في السماء معاملة الأب لأولاده ويجعلنا ورثة المجد السماوي.  وهذه نهاية مواعظ المسيح التي بدأها في الفصل الخامس عشر.

 

 

ثانياً: تطبيق النص الإنجيلي (لوقا 17: 5-10)

 

انطلاقا من الملاحظات حول وقائع النص الإنجيلي وتحليله، نستنتج أنَّ النص يتمحور حول نقطتين أساسيتين وهما: قوة الإيمان والتواضع في الخدمة.

 

1) قوة الإيمان (لوقا 17: 5-6)

 

كان التلاميذ واعين لعِظمة وخطورة متطلبات يسوع. لذلك ها هم يوجِّهون إليه هذه الصلاة "زِدْنا إِيماناً"(لوقا 17: 5). وبما أنَّ الإيمان موهبة من الله لذلك طلبوها بالصلاة. ولماذا طلبوها؟ لأنهم أرادوا الإيمان اللازم لعمل ما يطلبه منهم السيد المسيح، إذ أدركوا أن ما يطلبه السيد المسيح هو فوق حدود الطبيعة الإنسانية فطلبوا قوة الإيمان. ونستطيع أن ندرك قوة الإيمان من خلال مفهوم الإيمان وضرورته.

 

أ) مفهوم الإيمان:

 

كلمةُ "الإيمان" تحملُ معنيين مختلفين: هناك نوعٌ من الإيمان يتصلُ بالعقائد، ويعني اطَّلاعَ النفس وموافقتها على أمرٍ معينٍ، ومفيدٍ للنفس، كما يقولُ الربُّ: "من سمعَ كلامي وآمن بمن أرسلني فلهُ الحياةُ الأبديةُ ولا يمثلُ لدى القضاءِ" (يوحنا5:24)، وأيضاً: "من آمنَ بالابنِ لا يُدان، ولكنه ينتقلُ من الموتِ إلى الحياة" (يوحنا 3: 18). يرى رجل الإيمان الأشياء الّتي لا يراها الآخرون ولن يستطيعوا رؤيتها. يُعطيك الإيمان رؤية فائقة الطبيعة للحياة كما جاء في تعليم صاحب الرسالة إلى العبرانيين "فالإِيمانُ قِوامُ الأُمورِ الّتي تُرْجى وبُرْهانُ الحَقائِقِ الَّتي لا تُرى" (عبرانيين 11: 1). فالحياة، بدون مصباح الإيمان هي مسيرة في الظلام.

 

يمنحُ السيدُ المسيحُ نوع آخر من الإيمان على طريقةِ الهبةِ المجانية، عطية الله، ننعم به إن سألناه هذه العطية. "يتلقى واحدٌ منَ الروحِ كلامَ الحكمةِ وآخرُ يتلقى وفقاً للروحِ نفسهِ، كلامَ المعرفةِ، وسواهُ الإيمانَ في الروحِ نفسهِ، وآخرُ هبةَ الشفاءِ" (1قورنتس12: 8-9). هذا الإيمان المُعطى على طريقةِ الهبةِ المجانيةِ ليس إيمانَ عقيدةٍ بل إيمان فضيلة إلهية، يمنحُ الإنسانَ قدرةً تفوقُ قواه البشرية. فمن كانَ له مثلُ هذا الإيمانِ يقولُ لهذا الجبل: "انتقلْ من هنا إلى هناكَ فينتقلُ" (متى17: 20). إن قالَ أحدٌ ذلك، وهو يؤمنُ أنَّ ما يقولهُ سوفَ يَحدثُ ولم يشكَّ في قلبهِ، نالَ تلك النعمة، كما يؤكده أنجيل مرقس "الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن قالَ لِهذا الجَبَل: قُم فَاهبِطْ في البَحْرِ، وهو لا يَشُكُّ في قَلبِه، بل يُؤمِنُ بِأَنَّ ما يَقولُه سيَحدُث، كانَ له هذا" (مرقس 11: 23).

 

يذكّرنا التعليم المسيحي أنّ الإيمان ليس هو أن نؤمن بشيء ما، بل أن نؤمن بشخص يسوع المسيح. إنه إيمان القديس بولس الذي قال "أَستَطيعُ كُلَّ شيَءٍ بِذاكَ الَّذي يُقوِّيني" (فيلبي 4: 13) الإيمان بيسوع المسيح هو الالتقاء بمحبّة الربّ، والثقة به. الإيمان بكلمته وبشخصه. نحن نثق بشخص قد أثبت لنا حبّه، وقد ملأنا بكلمته. ويُعلق القديس أوسكار روميرو" المسيحية ليست مجموعة من الحقائق التي يجب الإيمان بها، أو قواعد يجب إتباعها، أو محظورات. بل المسيحية هي الشخص الذي احبَّني كثيرا لدرجة أنه يطالب بحبّي. المسيحيَّة هي المسيح "(البابا فرنسيس، الإرشاد الرسولي المسيح يحيا، 89). إن معرفة الربّ تسبق وترافق الإيمان.

 

الإيمان الذي يقصده يسوع ليس قوة سحرية يكتسبها الإنسان بالتفكير والاجتهاد، إنما هو الإيمان بكلمة الله والاِتِّكَالُ على قوته تعالى والعمل بمشيئة القدوسة. إيمان يتطلب طاعة كاملة ومتضعة لإرادة الله، واستعدادًا مطلقًا لتنفيذ كل ما يدعونا إليه، والتصديق بالله الكلي القدرة، إيمان يعرف كيف ينتظر، ويقبل الصبر دون يأس كما يقول حبقوق " إِن أَبطَأَت الميقات فآنتَظِرْها فإِنَّها ستَأْتي إِتْياناً ولا تَتَأَخَّر. النَّفسُ غَيرُ المُستَقيمة غَيرُ أَمينَة أَمَّا البارُّ فبِأَمانَتِه يَحْيا." (حبقوق 2: 3-4).  فمن لا يعمل بمشيئة الله، لا يعمل بقوة الإيمان، وإذا كان المؤمن مع المسيح، والمسيح مع المؤمن، عندئذٍ يعمل المسيح فيه. ومنه يستمدُ المؤمن القوةَ التي تفعلُ أكثرَ مما تقدرُ أن تفعلَ قواه البشرية.  وفي هذا الصدد يقول بولس الرسول "أَنِّي عِندَما أَكونُ ضَعيفًا أَكونُ قَوِيًّا" (2 قورنتس 12: 10).  فإيمان البار لا يعتمد على قوته الذاتية ولكن يسمح لعمل لرب في حياته، لأنه يثق به ويتخلى عن نفسه لأجله تعالى. ولذلك فإن "الإيمان" هو سرّ قوة المؤمن، ودونه لن ينعم المؤمن بنعمة المسيح، ودون هذه النعمة لا يقدر أن يغفر للغير.

 

القوة التي تحل فينا بالإيمان لا تعتمد على حجم الإيمان بل على أصالته. إن حبة الخردل هي صغيرة جدًّا، لكن يسوع يقول لنا أنه يكفي أن يكون إيماننا بحجمها صغيرا، ولكن حقيقيا، وصادقا، لنتمكن من فعل ما هو مستحيل بشريًّا، وما لا يمكن تخيله. للإيمان قوة مهما كان قليلا. لأن الأمر لا يكمن في إيمان إضافي، بل إيمان أصيل، ولسنا بحاجة إلى مزيد من الإيمان، فقدر ضئيل منه، كحبة الخردل، يعتبر كافيا شريطة أن يكون الإيمان حيا وناميا وفعالا. والقليل من الإيمان يمنح صاحبه سلطانا على صنع المعجزات واستئصال شجرة التوت (الجميز) الذي يبدو مستحلا.   وقد اعترف يسوع ببعض أشخاص من ذوي الإيمان "العظيم": مثل قائد المئة، في كفرناحوم، الذي طلب من يسوع بدافع احتياجه أن يشفي خادمه العزيز عليه (لوقا 7: 1-10)، والمرأء الخاطئة التي التقت بيسوع في بيت سمعان الفريسي وهي ممتلئة من حُبِّها الكبير، فبرَّرها يسوع بقوله لها "إِيمانُكِ خَلَّصَكِ فاذهَبي بِسَلام" (لوقا 7: 50)، والمراءة المنزوفة التي التجأت إلى الرب بحزنها الكبير، فقال لها يسوع نفس العبارة "يا ابنَتي، إِيمانُكِ خلَّصَكِ، فاذهَبي بِسَلام"(لوقا 8: 48). الإيمان العظيم هو موقف أولئك الذين لم يعتمدوا على قوتهم في حل مشاكلهم المستعصية بل التجأوا إلى الرب بروح التطويبات والصلاة المستمرة.

 

تاريخ الكنيسة حافل بالشواهد على هذه الحقيقة، فالقديسون كلهم كانوا قد اختبروا قوة الإيمان وكلهم صنعوا المعجزات. "إنَّ إِبراهيمَ آمَنَ باللهِ فحُسِبَ لَه ذلِكَ بِرَّاً (رومه 4: 3). وهكذا بزغ تاريخ الخلاص بقوة إيمان إبراهيم، "أبي المؤمنين "الذي تقبل البركة (كتاب تعليم الكنيسة الكاثوليكية ،1080).  إذًا، فالإيمان هو الذي يُخلِّص، الإيمان هو الذي يُبرِّر، الإيمان هو الذي يَشفي الإنسان في نفسِه وفي جسدِه (لوقا 17، 26-37). يتساءل البابا فرنسيس "كم شخص، في وسطنا، يتمتع بهذا الإيمان القوي، والمتواضع، إيمان يصنع الكثير من الخير!".

 

يبدو أنَّ نمو الإيمان متى زُرع في القلب ينمو بالطبيعة ككائن حي. كما أنَّ حبة الخردل الصغيرة جداً لكنها حيّة وتنمو كذلك يمكن لقدر بسيط من الإيمان الصحيح بالله بان يترعرع وينمو. وهو يبدأ في الخفاء في بادئ الأمر ثم بعد ذلك يأخذ في الانتشار تحت الأرض ثم فوقها ليكون مرئيا للجميع. ومع أنَّ كل تغيير يحدث يتم بصورة تدريجية وغير مدركة وغير محسوسة، أنَّ هذا الإيمان ينمو وسرعان ما يعطي نتائج عظيمة.

 

نحن نجدِّد صلاتنا في طلبة الإيمان في "صلاة المؤمنين" في كل قداس. وإن كلمة الله في القراءات والإنجيل تتطلب منا الكثير وتضعنا تحت المحك. فنشعر كالتلاميذ بأننا ضعفاء وغير قادرين على تحقيقها. لذا نتوجه إلى الله طالبين نعمة الإيمان من أجلنا ومن اجل جميع إخوتنا. إذا دعونا الرب، كما يفعل الرسل في إنجيل اليوم، فإنه سيزيد من إيماننا، الذي وهبنا إيَّاه منذ معموديتنا.

 

يتطلب الإيمان أولا الحفاظ على أثمن الأشياء التي منحنا أيها الله بالعماد المقدس وتغذيته. وهذا يتطلب الانفتاح على تنقية ما هو غير صالح وعلى نيل هبات جديدة من الله. ويُعلق البابا فرنسيس "انه تعالى يقدِّم المزيد من الصداقة معه، المزيد من الاتقاد في الصلاة، المزيد من التعطش لكلمته، المزيد من الرغبة بقبول المسيح في القربان المقدس، المزيد من الرغبة في عيش إنجيله، المزيد من القوة الداخلية، المزيد من السلام والفرح الروحي"(البابا فرنسيس، الإرشاد الرسولي المسيح يحيا، 161).  

 

الإيمان الحقيقيّ هو الإيمان بأن نعمة الربّ تفعل فينا ولو ملكنا إيماناً بمقدار حبّة خردل. الإيمان هو إذن ليس مجرّد بمعتقد بل الإيمان بشخص يسوع المسيح. إنه إيمان القديس بولس الذي قال " أَستَطيعُ كُلَّ شيَءٍ بِذاكَ الَّذي يُقوِّيني "(فيلبي 4: 13).

 

كانت الأم تريزا من شهود الإيمان، في عصرنا الحاضر. صغيرة في حجمها أمام هول المُشكلات التي واجهتها، ولكنّها وبسبب إيمانها وأمانتها لله، نقلتَ جبالاً من الأحزان والأسى والمرض التعيس، إلى حالة من الحب والرعاية والاحترام. لماذا؟ لأنها آمنت، وصلّت، ولم تتراجع مهما كانت الصعوبات. وفي هذا الصدد كتب المهاتما غاندي: "زد إيماني يا ربّ؛ اجعله قويّاً كالصخر. ينبغي أن تكون هذه صلاتنا اليوميّة. لأنّ الإيمان هو كلّ شيء للمؤمن. لأنّ الإنسان، بين يديّ الربّ، يستطيع أنّ يصل إلى أي خطّ نهاية. امنحني الإيمان يا ربّ. هذه هي صلاتي ليل نهار".

يعرِّف بولس الرسول الإيمان كأعظم بركاتنا جميعها، إذ يقول "بِغَيرِ الإِيمانِ يَستَحيلُ نَيلُ رضا الله، لأَنَّه يَجِبُ على الَّذي يَتَقَرَّبُ إلى اللهِ أَن يُؤمِنَ بِأَنَّه مَوجود وأَنَّه يُجازي الَّذينَ يَبتَغونَه"(عبرانيين 11: 6 -7). يحيا البار بإيمانه كما جاء في نبوءة حبقوق " أَمَّا البارُّ فبِأَمانَتِه يَحْيا" (حبقوق 2: 4) ويؤكد بولس الرسول الخط النبوي "إِنًّ البارَّ بِالإِيمانِ يَحْيا" (رومه 1: 17).

 

ب) ضرورة الإيمان:

 

يعتبر الإيمان ضرورياً لنيل رضى الله كما جاء في الرسالة إلى العبرانيين "بِغَيرِ الإِيمانِ يَستَحيلُ نَيلُ رضا الله" (عبرانيين 11: 6). ومن هذا المنطلق، الإيمان، ليس أمرًا جامدًا قبلناه وتوقف، ولا فلسفة نعتنقها، لكنه هو حياة وخبرة عمل بالله الذي يعمل فينا بلا انقطاع. لكن ليس الإيمان ضروري لارتباطه بأعمال الشريعة كما يقول القديس بولس الرسول " ونَحنُ نَرى أَنَّ الإِنسانَ يُبَرَّرُ بالإِيمانِ بمَعزِلٍ عن أَعمالِ الشَّريعة" (رومة 3: 28) ويضيف في موضع آخر " أَمَّا أَنَّ الشَّريعةَ لا تُبَرِّرُ أَحَدًا عِندَ الله فذاك أَمْرٌ واضِح، لأَنَّ "البارَّ بِالإِيمانِ يَحْيا" (غلاطية 3: 11). الله بار (رومة 1: 17)، والله يُبرر في الإنسان الخاطئ (رومة 3: 22)، ولا يقتضي من الإنسان للحصول على التبرير إلاَّ طاعة الإيمان أي قبول البر بتواضع (رومة 1: 5)، والإنسان المُبرَّر يجعل نفسه في حياة مقبولة عند الله (رومة 6: 13-20). لذلك يجب أن نعيش بالإيمان بالمسيح الذي أحبنا وأعطى نفسه على الصليب من أجلنا كما عاش بولس الرسول "فما أَنا أَحْيا بَعدَ ذلِك، بلِ المسيحُ يَحْيا فِيَّ. وإِذا كُنتُ أَحْيا الآنَ حَياةً بَشَرِيَّة، فإِنِّي أَحْياها في الإِيمانِ بِابنِ اللهِ الَّذي أَحبَّني وجادَ بِنَفْسِه مِن أًجْلي" (غلاطية 2: 20).

 

الإيمان ضروري أيضا لأعمال الرحمة الإنجيلية والمحبة المسيحية؛ لذلك يُشدِّد بولس الرسول على أهمية الأعمال، وذلك عن طريق طاعة المؤمن لشريعة المحبة كما يُشدِّد على أهمية الأعمال فيما يتعلق بالدينونة التي يُدان بها كل واحد بحسب أعماله (رومة 2: 5). ويبني بولس الرسول ثقته فيما يتعلق بالدينونة لا على أعماله، بل على الله الذي يُبرّر، وعلى المسيح الذي مات ويشفع لجميع الناس (رومة 8: 39).

 

الأعمال التي تُحيي الإيمان وتجعله قويًا لصنع المعجزات بل أعظم من المعجزات من خلال تحويل الشر إلى الخير ونزع الحياة من الموت والقيام بأعمال الرحمة الإنجيلية والمحبة المسيحية التي نادى بها المسيح اكتمالا لشريعة موسى. لذلك يطالب بولس الرسول ممارسة الإيمان في المحبة فينصح تلميذه طيموتاوس "إمتَثِلِ الأَقوالَ السَّليمَةَ الَّتي سَمِعتَها مِنِّي، اِمتَثِلْها في الإِيمانِ والمَحبَّةِ الَّتي في المسيحِ يسوع" (2 طيموتاوس 1: 13). ويؤكد يعقوب الرسول أنَّ الإيمان لا يخلص بمعزل عن الأعمال وانه ميت دونها إذ يقول "الإِيمان، فإِن لم يَقتَرِنْ بِالأَعمال كانَ مَيْتًا في حَدِّ ذاتِه" (يعقوب 2: 17)، "فكَما أَنَّ الجَسَدَ بِلا رُوحٍ مَيْت فكذلِكَ الإِيمانُ بِلا أَعمالٍ مَيْت" (يعقوب 2: 26). "ماذا يَنفعُ، يا إِخوَتي، أَن يَقولَ أَحَدٌ إِنَّه يُؤمِن، إِن لم يَعمَل؟ أَبِوُسْعِ الإِيمانِ أَن يُخَلِّصَه؟"(يعقوب 2: 14).

 

الأعمال التي يذكرها يعقوب الرسول ليست أعمال الشريعة التي يتكلم عنها بولس الرسول في رسالتيه إلى أهل غلاطية وأهل رومة، إنما الإيمان الذي يبلغ كماله في الأعمال، ولا سيما في محبة القريب والصلاة فيصرّح "تَرَونَ أَنَّ الإِنسانَ يُبَرَّرُ بِالأَعمالِ، لا، بِالأَعمالِ لا بِالإِيمانِ وَحدَه" (يعقوب 2: 24). فمن جعل ثقته في كلمة الحق القادرة وحدها على تخليص الخاطئ، خضع أيضا لمشيئة الله في كل ما يمت بصلة إلى حياته. فالأعمال تكمّل الإيمان. "تَرى أَنَّ الإِيمانَ ساهَمَ في أَعمالِه وأَنَّه بِالأَعمالِ اكتَمَلَ الإِيمان" (يعقوب 2: 22). رسالة يعقوب توفّق بين الإيمان وأعمال الإيمان. أمَّا بولس الرسول فيطالب بأولوية الإيمان مميّزا إياه عن أعماله.

 

نستنتج مما سبق أنَّ الإيمان هو سرّ قوة المؤمن، لا لممارسة أعمال خارقة بلا هدف، وإنما أولًا لنيل حياة المسيح يسوع حيث أننا نعيش بروح المحبة الغافرة لأخطاء الآخرين، وبه نطرد الروح الشرير وكل أعماله، فنقتلعه من حياتنا كما نقتلع شجرة التوت، لنلقى بها في هاوية البحر وأعماق المحيطات.  

 

باختصار، الإيمان نعمة من الله، وما النعمة إلاّ حياة الله فينا. ليست شيئًا يُمتلك، بل هي تغيير حقيقيّ، مع كلّ ما يحمله التغيير من فقدان ومن مكسب. أن نحيا حياة الله يعني أن نستقبل روح القوّة في جسد مطبوع بالضعف، وأن نستقبل روح المحبّة في قلب معتاد على الأنانيّة، وأن نستقبل روح الفطنة في عقل يهوى هناء الغباء.

 

2) التواضع في الخدمة (لوقا 17: 7-10)

 

بعدما كلَّم يسوع تلاميذه عن قوة الإيمان أخذ يكلمهم عن التواضع في الخدمة. الإيمان الحيّ يعرف أنّ الله هو الذي يُتمّم كلّ شيء وأنّنا "دونه لا نستطيع أن نعمل أي شيء "فضرب لهم مثلا " مَن مِنْكُم له خادِمٌ يحرُثُ أَو يَرعى، إِذا رجَعَ مِنَ الحَقْل، يَقولُ له: تَعالَ فَاجلِسْ لِلطَّعام! أَلا يَقولُ له: أَعدِدْ لِيَ العَشاء، واشْدُدْ وَسَطَكَ واخدُمْني حتَّى آكُلَ وأَشرَب، ثُمَّ تَأكُلُ أَنتَ بَعدَ ذلِكَ وتَشرَب" (لوقا 17: 7-8). وفي هذا المثل نجد الإرشادات التالية

 

أولا: يقدم لنا المثل صورة إله "سيد" والتلميذ هو خادم مستعد لتنفيذ ما يرضي سيده بكل أمانة؛ ومن هذا المنطلق، يقول السيد المسيح: "أَتُراه يَشكُرُ لِلخادِمِ أَنَّه فعَلَ ما أُمِرَ به؟ "(لوقا 17: 9). وهنا لا يريد يسوع أن يلقِّننا درسا في العلاقات الاجتماعية، ولكنه يريد أن يُعلمنا كيفية التصرف في علاقتنا مع الله. لنعمل كل ما يأمرنا به الله بحسب ما ورد في سفر عزرا" كُلُّ ما يَأَمُرُ بِه إِلهُ السَّمَوات، فلْيُقضَ بِدِقَّةٍ لِبَيتِ إِلهِ السَّمَوات"(عزرا 7: 23)؛ وخير متال على ذلك مريم العذراء التي جعلت نفسها أمَة للرب كما نستنتج من كلام مريم إلى الملاك جبرائيل قائلة بخضوع وإيمان "أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ"(لوقا 1: 38). إن اتباع يسوع لا يجعل التلاميذ أشخاصًا مهمِّين، ذوي حقوق وامتيازات، لأن الامتياز الوحيد للعظمة هو أن نكون خدام ونأخذ المقاعد الأخيرة.

 

ثانيا: يُبرِّر يسوع هذا الموقف، بل يريد أن يعلم تلاميذه بهذا المثل أن التبشير بتواضع وروح الخدمة هو أساسي "مَن أَرادَ أَن يكونَ كبيراً فيكُم، فَلْيَكُنْ لَكم خادِماً" (متى 20: 26). وقد قضى الربّ يسوع المسيح السنوات الثلاث من حياته العلنيّة في عملِ الخير (أعمال 10: 38)، فهو يعتني بالمرضى، والبُرص، والفقراء والأولاد وآخرين.

 

ثالثا: يعلمنا يسوع أنّ الطاعة والأعمال الصالحة لا تنطوي على استحقاق من جانبنا، ولا تعطينا حق مطالبة الله بشيء ما. فإن أطعنا الله، فلم نكون قد عملنا إلاَّ ما يتوجب علينا عمله. ومهما كانت أعمالنا الصالحة فليس هذا دينا على الله. وكلّما بذل الإنسانُ ذاتهُ لأجلِ الآخرين، يُدركُ أنّ كلمات الرّب يسوع المسيح تخصّه: "نَحنُ خَدَمٌ لا خَيرَ فيهِم". ويعترفُ بأنّهُ لا يتصرّفُ وفقَ كفاءة شخصيّة، بل لأن الربَّ قد أعطاه النّعمةَ ليعملَ ذلك خاصة عندما تكونُ الحاجةُ بالغةٌ وقدراتُ الشخصِ محدودةٌ. وعندما يشعر الإنسان انه أداةٍ في يدِ الرب، عندها سيَعمل ما بوسعه بكلِّ تواضعٍ، وسيسلِّمُ الباقي للرب بكُلّ تواضعٍ أيضا.

 

بكلمة أخرى، أنْ يَكُونَ الإنسانُ قادراً على مُسَاعَدَةِ الآخرين لا يُعتَبَرُ استحقاقاً لهُ أَو إنجازاً يفتخرُ بهِ. هذا الواجبِ هو نعمة كما نستشفَّه من كلمات الأب فديريكو لومباردي في نهاية خدمته كمدير لدار الصحافة الفاتيكانيّة خاصة في عهد البابا بندكتس والبابا فرنسيس "أنا أسعى لأصغي لكلمات يسوع لتلاميذه والتي نعرفها جميعًا: "إِذا فَعَلتُم جميعَ ما أُمِرتُم بِه فقولوا: نَحنُ خَدَمٌ لا خَيرَ فيهِم، وما كانَ يَجِبُ علَينا أَن نَفعَلَه فَعَلْناه". وهذا الموقف يساعدنا على مقاومة المجد الباطل. ويعلق أسقف سوريا يلوكسين المَنبِجيّ (523)، "إذا هاجمتك إحدى أفكار المجد الباطل بسبب رِفعة مستوى خدماتك، تذكّر كلمات الربّ الذي قال: "وهكذا أَنتُم، إِذا فَعَلتُم جميعَ ما أُمِرتُم بِه فقولوا: نَحنُ خَدَمٌ لا خَيرَ فيهِم، وما كانَ يَجِبُ علَينا أَن نَفعَلَه فَعَلْناه" (لوقا 17: 10).

 

إن العبرة التي يريد يسوع أن يُلقيها علينا هي التواضع في الخدمة " إِذا فَعَلتُم جميعَ ما أُمِرتُم بِه فقولوا: نَحنُ خَدَمٌ لا خَيرَ فيهِم، وما كانَ يَجِبُ علَينا أَن نَفعَلَه فَعَلْناه " (لوقا 17: 10). إذ ليس للبشر حق في التبجح أمام الله مثل الفريسيين الذين وصلوا إلى قناعة أنَّ لهم حقوقا عند الله بسبب صلاحهم وأعمال الخير التي يصنعونها، وذلك لاستحقاقٍ منهم، وليس كرماً ونعمة من الله. أمَّا نحن فمهما فعلنا لن ننهي خدمتنا ولن نقوم بما فيه الكفاية تجاه إله، الذي انعم علينا بكل شيء. وفهمت القديسة تريزا الصغيرة هذا المغزى فقالت بانها تقف أمام الله "فارغة اليدين". فعلينا ألاَّ نتفاخر بأعمالنا أمام الله، بل مهما قمنا بما أمر به الرب لنقل "لا شكر على واجب".  وبالرغم من أننا " خَدَمٌ لا خَيرَ فيهِم " نحن مدعوون لتناول جسد الرب ونشرب دمه المقدس في كل احتفال أفخارستيا نقوم به. ومدعوون إلى عيش الخدمة بدون أي مقابل كي تنفتح أمامنا الطريق نحو فرح أعظم: أي أن نكون مشاركين في محبة الله نفسه، الذي ينتظرنا جميعاً على المائدة السماوية.

 

نستنتج مما سبق أنّ أعمالنا ليست قوتنا إنما هي نتيجة نعمة الإيمان. لذلك لا يمكننا أن نطالب بحقوقنا أمام الله إذا نفّذنا كل أوامر الله بل نتواضع أمام الر ب ونشكره على نعمة تطبيق وصاياه كما علمنا يسوع في مثل التواضع في الخدمة (لوقا 17: 7-10).

 

الخلاصة

الإيمان الذي يريده يسوع هو المؤسَّس على الإيمان بعمل الربّ فينا ولو بمقدار حبّة خردل. الإيمان هو بأن نعمة الربّ تفعل فينا. الإيمان هو إذن ليس مجرّد معتقد بل الإيمان بشخص يسوع المسيح كما اختبره بولس الرسول الذي قال " أَستَطيعُ كُلَّ شيَءٍ بِذاكَ الَّذي يُقوِّيني" (فيلبي 4: 13)، والإيمان الحيّ يعرف أنّ الله هو الذي يتمّم كلّ شيء وأنّنا " لأَنَّنا بِمَعزِلٍ عَنِّه لا نستطيع أَن نعمل شيئا" (يوحنا 15: 5) والإيمان الحقيقيّ يعرف أنّنا كبشر ضعفاء ولكن كمؤمنين أقوياء، الإيمان أخيرا يساوي الثقة والاتحاد بالربّ وأن نضع عليه رجاءنا.

 

أراد يسوع أن يؤكد لنا مركزنا الحقيقي خارج نعمته أننا عبيد بطَّالون، أي عبيد لله الذين لم يوفوا حقه كما ينبغي. فإن جعلناه الأول في حياتنا، وقدَّمنا كل شيء لحسابه، نبقى عبيدًا مدينون له بحياتنا، نشعر في أعماقنا أننا بطّالون؛ فمن خلال نعمته صرنا أبناء له، وما نمارسه هو من نعمته المجانية، وليس ثمنًا لجهادنا الذاتي أو فضلًا منا.

 

حتى لو حفظنا جميع ما يوصينا الله به فإننا في ذلك لم نصنع إلاّ ما هو علينا من واجب، وإن جميع أعمالنا الصالحة لا تُكسبنا أي حق عليه تعالى.  فكل ما ينعم به علينا ليس إلاَّ عطية مجانية من جوده. فإن أحببنا الرب وتفانينا في خدمته وتجاوبنا مع نعمته ننال الخلاص كما صرّح السيد المسيح " مَن أَرادَ أَن يَحفَظَ حيَاتَه يَفقِدُها، ومَن فقدَ حيَاتَه يُخَلِّصُها"(لوقا 17: 33).

 

الدعاء:

 

يا رب، كما طلب الرسل منك يوما "زِدْنا إِيمانًا" (لوقا 17، 5) كذلك نحن أيضًا نطلب إليك اليوم "زِدْنا إِيمانًا". فالإيمان عطيّة منك. فأعطنا تواضع القلب واجعله ينمو فينا! نعم، يا رب، إيماننا صغير، إيماننا ضعيف، لكننا نقدمه لك كما هو، كي تنمّيَه فنكون مسيحيين من خلال حياتنا وخدمتنا وشهادتنا. آمين".

 

القصة: زدنا إيمانا

في كتاب  " The Book of Eli " للمؤلفة Gary Whitta. جرى حوار بين البطل وفتاة رافقته وهو في طريقه نحو الغرب مصغياً لإلهامات داخلية، في مهمة شبه مستحيلة لإيصال النسخة الوحيدة المتبقية من الكتاب المقدس إلى حيث يمكن حفظه وإعادة نشره وإنقاذ البشرية من الدمار الذي لحق بها جراء انفجار أحد النيازك.
وهذه ترجمة الحوار:

هي: تقول إنك تسير منذ ٣٠ عام؟ هل فكرت يوما أنك قد تكون تائها؟

هو: كلا.

هي: كيف تعلم أنك تسير في الاتجاه الصحيح؟

هو: نسير حسب إيماننا وليس حسب نظرنا.

هي: ماذا تقصد؟

هو: أي أنكِ تعرفين الأمر حتى إن كنت لا تعرفينه.

هي: هذا منافٍ للمنطق.

هو: لا داعٍ لان يكون منطقياً، انه الإيمان، انه زهرة النور في حقل الظلام الذي يعطيني القوة لأتابع طريقي وأصل

إلى هدفي.

كم نحن اليوم بحاجة ماسة إلى الإيمان كي يضيء حقولنا الواسعة في هذا العالم المظلم.

كم نحن بحاجة إلى الإيمان كما يعرِّفه صاحب الرسالة إلى العبرانيين "هو قِوامُ الأُمورِ الّتي تُرْجى وبُرْهانُ الحَقائِقِ الَّتي لا تُرى" (عبرانيين11: 1). وكم نحن بحاجة إلى أن نحيا في الإيمان بالمسيح الذي أحبنا وبذل نفسه على الصليب من أجلنا على خطى بولس الرسول " فما أَنا أَحْيا بَعدَ ذلِك، بلِ المسيحُ يَحْيا فِيَّ. وإِذا كُنتُ أَحْيا الآنَ حَياةً بَشَرِيَّة، فإِنِّي أَحْياها في الإِيمانِ بِابنِ اللهِ الَّذي أَحبَّني وجادَ بِنَفْسِه مِن أًجْلي " (غلاطية 2: 20).