موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢ مايو / أيار ٢٠٢١

في ظلال الفصح المجيد

بلال حسن التل

بلال حسن التل

بلال حسن التل :

 

بينما يدخل المسلمون اليوم العشر الأواخر من صومهم لله، فإن إخوتهم وشركائهم في الوطن المسيحيون يحتفلون اليوم بانتهاء صومهم الأربعيني لله، ومثلما ينهي المسلمون صيامهم بعيد، فإن إخوتهم المسيحيون ينهون أيضاً صومهم بعيد، وهذا برهان عملي عقدي على أن الدين لله وحده، الذي اختص نفسه بالرحمة يدخل فيها من يشاء من عباده، حيث يؤكد القرآن الكريم أن الله وحده الذي سيحكم أياً من عباده الذي سينال هذه الرحمة كما في الآية «62» من سورة البقرة "أن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً?فلهم أجرهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون".

 

هذه الحقيقة القرآنية تعني أن الحياة البشرية قائمة على التعددية في كل شيء، وهذه التعددية هي مصدر ثراء البشرية عندما يكون التعاون والتكامل هو الرابط بين أبنائها، كذلك كان من أهداف الخلق البشري أن تقوم العلاقة بين البشر على التعارف «لتعارفوا» على أن يقوم هذا التعارف على التعاون «وتعانوا على البر والتقوى»، ومن ثم فإن العلاقة بين الناس يجب أن تقوم على أساس المواطنة التي تكفل الحقوق والواجبات على أساس العدالة، وهي حقيقة جسدها رسول الله في وثيقة المدينة المنورة، التي هي أول دستور بشري ينظم العلاقة بين الناس على أساس المواطنة بصرف النظر عن دينهم، بل وأكثر من ذلك وجوب احترام الأديان الأخرى لذلك اقتسم رسول الله مسجده مع وفد نصارى نجران الذي جاء يحاوره عليه السلام فأقاموا صلواتهم فيه، وأكثر من ذلك فإن إسلام المسلم لا يكتمل إن لم يؤمن بأنبياء الله ورسله الذين سبقوا محمداً عليه السلام وبما جاءوا به، لذلك كان علماء المسلمين، يتصدرون لحكامهم الذين فكروا بالتضييق على اتباع الديانات الأخرى، لأن ذلك ليس من الإسلام، لذلك ظلت كنائس المسيحيين وكنس اليهود ومعابد سائر الأديان قائمة حيث كان حكم الإسلام الراشد هو المرجع، وظل المسيحي?ن على وجه الخصوص جزءاً رئيسياً من النسيج الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للأمة، وخاصة في عالمنا العربي، وعلى وجه أخص في بلاد الشام، ولذلك لم يكن مستغرباً أن يكون من أمناء بيت مال المسلمين «وزارة المالية» مسيحيون ولم يكن مستغرباً أن يكون منهم قادة جند بل وقادة مقاومة شعبية ولم يكن مستغرباً أن تحفظ الكنيسة لغة القرآن أمام محاولات طمسها، لأنها لغة الثقافة العربية التي تجمع المسلم والمسيحي، وعكس ذلك هو المستغرب الذي عرفته الأمة في عصور انحطاطها، حيث يتصدى للفتوى الجهلة وأنصاف المتعلمين خاب فألهم.

 

خلاصة القول في هذه القضية: هي أننا علينا ونحن نعيش أجواء رمضان، وفي ظلال الفصح المجيد أن نعمل لاستعادة المعاني السامية في التدين، وأولها التسامح والتعاون في ظلال التعددية التي أمرتنا بها السماء «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين» وكل عام وانتم بخير.

 

(الرأي الأردنية)