موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٣٠ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠

في رأس السنة الميلادية الجديد 2021

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
نفتح باب السنة الجديدة شاكرين وطالبين الرحمة والمساعدة من رب الحياة والزمن

نفتح باب السنة الجديدة شاكرين وطالبين الرحمة والمساعدة من رب الحياة والزمن

 

كرزة رأس السنة: يوم السلام العالمي (الإنجيل لو 2: 16-21)

 

وكان في تلك المنطقة رعاة يسهرون مع أغنامهم (لو 2: 8)..

ورجع الرّعاة وهم يسبّحون الله

 

لا يوجد زمان حافل بالتهاني والتبريكات والتمنّيات المكثّفة للبشر بين بعضهم بالسلام/ مثل الزمن الميلادي. وبالرّغم من ذلك، يبدو السّلام بعيدا عن البشر بعد السماء عن الأرض، لا لشيء إلا لأنَّ سياسة الحروب والمناوشات مربّحة أكثر من السّلام. فعالمنا ما عرف السلام، رغم الحروب التي من يُعلنها، يقول: هي لإحلال السلام. من يدّعي هكذا فعو نبي كاذب، إذ لا يتبع الحرب إلاّ الحرب والمناوشات. الحروب ما عمرها أوصلتنا للسلام. ولا كانت وسيلة لفرض السّلام بل للإستسلام. نعيش من أجيال ونحن نحنُّ للسلام، ولكن لا سلام في الأفق. فإعلان حرب لإحلال السلام، هي أكبر كذبة عالمية. لقد انتهت مدة الإشتياق للسلام، وأنستنا المناوشات والحروب الدّائرة رحاها في العالم مطلبنا الأساسي، أي السلام.

 

وهنا أفهم احتجاج الكثيرين الّذين يتساءلون: بما أنَّ السّلام عطيّة من الله فلماذا إذن، إن كان هو القدير، لا يتدخّل حتى يَحُلَّ السّلام؟ ومرّة في درسٍ مع أولاد أوّل مناولة، وكان موضوع قداس حفلتهم: طوبى لفاعلي السلام. اعترض أحدهم وقال: لقد صلينا كثيرا للسّلام، فلماذا لا يتدخل الله ويعطينا السلام؟ أيّوب البار، الّذي أُصيب بالعديد من الأمراض والمصائب الجسدية والنفسية، تمنّى أيضا مِن يهوى أن يُخفِّف المصائب عليه. (يسوع تمنّى من الله أبيه أن يبعد عنه كأس العذاب: "لكن لتكن مشيئتك لا مشيئتي"). ألا يقدر الله أن يُبعد الشرَّ عنّا وعن عالمه؟ أيوب رضخ للأمر، لأنه وجد الجواب: الله لن يتخلّى عن عالمه، لأنّه صُنع يديه. هذا السّؤال عن السّلام يُطرح يوميّاً. مثلا، أمام ضحايا أبرياء من هجوم عسكري على أشخاص ما لهم لا ناقة ولا جمل في المناوشات، كما حدث ويحدث بلا انقطاع: هجوم مشاغبين على مصلين في الكنتئس يوم عيد الميلاد وقتل العشرات من المصلّين، أو اقتياد المئآت من أطفال المدارس كرهائن، وهكذا دواليك. فهل هذا يجلب السلام المنشود؟ من قال ذلك؟ أو امام قبر طفل صغير وبكاء أهله الحار عليه، هذا ويمكن تطويل اللائحة. لكن ما هو الجواب؟ على هذه السؤالات المُحرِجة، إن كان هناك من جواب؟ نعم هناك جواب، لكنّه لا عقلي ولا علمي، وإنّما إيماني. هناك كتاب بعنوان: الجواب من الكتاب! الجواب هو كالتّالي:

 

أوّلا الإنسان يفطن للسّماء فقط عندما تبدأ الأرض تحترق، كأنَّ الخالق هو الذي يشعل النّار فيها، فعليه هو أن يُطفِأها. الإنسان يُسهِّل الطريق لنفسه ويرمي بالمسؤولية على الله، كأنّه هو المُسبِّب،وينسى أنّه هو، الإنسان، الذي أدخل الخطيئة في العالم، وما يعيشه الآن هونتيجة خطيئته.. وهذا واضح، فالتوراة  تقول: كان الإنسان سعيداً إلى أن طالب بالإستقلال عن الله، وقرر أن يستعملَ حُرِّيته، أي تَرَكَ يد الله، فوقع في الوحل، وبه تلطّخ نفساً وجسداً، بل وطُرِد من الفردوس. فليس هو الله، لكن الإنسان، هو الذي جلب على نفسه، وعلى ذرّيّته، الألم والموت. فهو الإنسان إذن المُلام على هذه الفوضى في العالم وليس الخالق. والرّغم كُلِّ ذلك، لم ينسحب هذا الخالق ،خائب الأمل من الإنسان، بل أظهرغير ما أظهرته الآلهة قبله، بل قرّر وأرسل ابنه، وسط الإضطرابات والخلل، الذي حدث في هذا العالم، حتّى يُخلِّص خليقته، بآلامه وموته. وهنا يجب أن نعرف، أنّه بآلامه وموته لم يقضِ لا على الألم ولا على الموت، لكنّه أعطاهما معنىً، وهو أنه منذ موته هو، جعلهما باب الدّخول إلى ملكوته: أما كان لابن البشر أن يتألم كل هذا حتى يدخل إلى مجده؟"(لو 24: 26).ففي الألم خلاص إذن. لذا فإن الله لم يعفِ ابنَه من الألم لخلاصنا. لقد أعطت كلمات يسوع هذه عزاء كبيرا لكثير من المتألّمين طيلة التاريخ. فيجب إذن أن ننظر إلى ما يحل بنا وبعالمنا، من مصائب وأمراض وحروب، وحاليا ضربة الكورونا المُرعبة، بنطر الله، وليس بنظرنا نحن. إذ صاجب المزامير يقول: إنَّ الله عادل في كلِّ ما يصنع، وحُكْمُه عادل. إذ بالتّالي، تظهر محبَّتُه من وراء غيوم مصائبنا، أسطع من الشمس، حينما تظهر من خلف غيوم السّماء. وهناك براهين عديدة تبرهن أن الله لا يتعامل معنا إلاّ بالمحية. فهو نفسه محبة، "الله محبّة"، كما يقول يعقوب الرّسول. هذا والمحبة لا تترك مجالا لليأس أو الإستسلام، أمام واقعٍ أليم مُحزن. بل المحبة تقلب كلَّ بغض ونميمة، إلى غفران وتسامح وحلول السلام بين المتعادين.

 

أليوم، الأوّل من السنة الجديدة، هو يوم السلام العالمي. وقصة الميلاد تبدأ برسالة سلام، إذ الملائكة قبل أن يصفوا للرّعاة كيف تمت القصّة، يُخبرونهم بأنَّ رسالة سلام، حصلت اليوم على الأرض وذلك بميلاد طفل من نسل داؤود في بيت لحم: المجد لله في العُلى وعلى الأرض السّلام. السلام اليوم مهدد من كل ناحية، من الداخل ومن الخارج، كما وصفه بولس: حروب استعبادية نووية وأسلحة تدميرية تكثر من يوم ليوم. أليست مهزلة أن يقول طالبوا ومشعلو الحروب هي لبناء السلام؟ هي فقط تخويف بل هي خطر أكثر لإشعال حروب ثانية. ضغوط اقتصادية، أمراض، أما تعلّمنا كفاية من فايروس الكورونا الدائرة رحاها، هيجان الطبيعة، تلويث الجو وجفافه، وهل تقدر الطبيعة أن تُغذي سكَّانها؟ الإقتصاد المنهار، التعصب الدبني، تفكك العائلات. فنحن اليوم بحاجة ماسة لرسالة السلام، لذا الإحتفال بأول يوم في كل سنة جديدة كيوم سلام وهو ممكن إذ طفل بيت لحم هو رسول السلام.

 

باب يُغلق وباب يُفتح في منتصف هذه الليلة. الإله جانس من جانيوري، كان مُعتبرا عند اليونان والرّومان، حارس الدّاخلين والخارجين، كذلك إله البداية والنّهاية. وهو حسب الخرافات كان أوّلَ إلهٍ عبده البشر، وسيكون الآخر لهم. لذا فكان له وجهان: وجه من الأمام ووجه من الخلف. بهما كان يرى الماضي والمستقبل. وهذا بدون اختراعاتنا نحن، التي تعرف الماضي والحاضر والمستقبل. من اسمه جانس أُعطي الشهر الأول من السنة اسم جانيوري.. فاسم هذا الشهر يريد أن يجعلنا نفكِّر بماذا علينا أن نعمل من بداية هذه السنة من مُفيد وجيّد، لنا وللعالم؟ باب يُغلق وباب يُفتح . هذه الليلة أغلقنا باب السنة المنتهية، ولا يجوز لأيٍّ أن يفتحه من جديد. في روايته الكوميديا الإلهية، يصف لنا الكاتب دانته، ما حدث معه بعد ما مات، ففي طريقه إلى الخالق، خطر على باله أن يزور أصحابه الّذين سبقوه، أينما كانوا. فمنهم كانوا خلف أبواب مُغلقة، ومنهم من كانوا في جهنم ومنهم في السماء، هذاوكان برفقته ملاك دليل، يفتح له الأبواب التي كان ممكِناً فتحُها. فقد مرّوا أمام سجن مكتوب على بابه: مغلق! لا تُزْعٍج! وعلى باب جهنم كان مكتوباً. يا أيّها الدّاخلون هنا، إعلموا واقطعوا الأمل أن بوسعكم يوما الخروج من هنا. كما ومرّوا أمام أبواب دائرية تدور بالداخلين، دون أن يعلموا أن تؤدّي بها. هذه المواقع وصفها دانتي في روايته، ليعطي قارئيه درسا مُفيداً.

 

قبل خروج الشعب من عبودية فرعون، أمر يهوى أن تُرشُّ كل أبواب شعبه بدم الحملان التي رمزت لخلاصهم وخروجهم سالمين. باب رحمة الله مفتوح لنا دائما، لأنّ ابنه بموته على الصليب رشّها كلَّها بدمه الخلاصي. ليس بدم  العجول خلِصنا لكن بدم الحَمَل (أفس 1: 7) "لأنه لا يمكن أنَّ دمَ ثيران وتيوس يرفع الخطايا"(عبر 10: 4). لا يقدر الزّائر أن يدخل منها.

 

 والآن نفتح باب السنة الجديدة. فشاكرين وطالبين الرحمة والمساعدة من رب الحياة والزمن، نريد أن نبدأ هذه السنة.

 

 سنة تنتهي وسنة تبتدئ. جرت العادة نعم أن نُنهي السنة القديمة ونبدأ الجديدة بقداس شكر لله على مرافقته لنا في هذه السنة المنتهية، فهو كأب يرافق ابنه ماسكا بيده لئلا تصدِم رجلُه بحجر ويقع. ثمَّ لطلب مغفرته على ما صدر منّا من سوءٍ وإهمالاتٍ في السنة الماضية، راجين نعمه وبركاته للسنة الجديدة، حتى تكون سنة خير وسلام. نعم وما أحوجَنا للسّلام اليوم، في عالم ما عاد فيه لا مكان ولا شوق للسلام.

 

إنجيل اليوم يُكرّر ظهور الملائكة للرعاة الذين يبدأون بالتبشير بمولده. ثم يرجعون فرحين ومسبّحين الله إلى أغنامهم. أمَا هذا درس لنا، في بداية السنة، أن نعرف ما علينا أن نفعله في هذه السّنة، الّتي ما زالت في بدايتها، لكي نفتخر في آخرها على منجزات  جيدة يصلُحُ ذكرُها. السنة الجديدة هي ورقة بيضاء، علينا أن نملأها بأفعالنا هذه السنة. لماذا نعيش؟ ما هدفُ حياتنا؟ كل الجرائد والأخبار في الأيام القليلة الماضية، نقلت لنا على صفحاتها الواسعة إحصائياتٍ كثيرةٍ لِما جرى وحدث من عنتريّات وعنجهيّات وسخافات أصحاب الحكم في عالمنا خلال السنة المنتهية. لكن جريدةً واحدة، ما تطرّقت لذكر أخبار الكنيسة، وهذا يدلُّ على عدم الإكتراث بالدّين، فما عاد له تأثير على حياة المجتمع. ماذا كان دور الإيمان في حياة بوش، سواءٌ الأب فالإبن من بعده، وماذا نقول عن عنجهيات ترامب ونيتانياهو المتغطرسين؟، حتّى تُعظِّمهم الجرائد، وتعدِّد إنجازاتهم المُخزِية، فهم أمضوا ليس فقط السنة المنتهية بل كلّ سنيِّ حُكمهم، في إعلان الحروب، والكذب على الناس أنهم يخدمون السّلام في العالم، التي أوصلت عدد اللآجئين إلى أعلى المستويات في التّاريخ، كما وفي هضم حقوق الضُعفاء وزجّ الكثيرين من معارضيهم في السّجون. للأسف نقول، كأنّهم عند استلامهم زمام الحكم، قد وقّعوا على عقد حرب دائم، فكانت تصرُّفاتُهم تصرُّفات مخمورين، لا يفهمون إلاّ لغة الحرب والسلاح. هذه الأخبار تعتبرها الجرائد أعمالاً بُطولية ومن أهم المنجزات وتحتل الصّدارة في إحصائيات السنة المهمّة. وأما ما قام به المبشِّرون من أعمال بطوليّةٍ اجتماعية، كالوقوف إلى جانب الفقراء والمرضى والنّازحين والأطفال المهضومة حقوقهم وبناء مدارس او مستشفيات أو ملاجئ عجزة لهم، فكل هذا لا ذكر ولا أهمِيَّة له، كأنّه صُنِعَ في عالمٍ غيرِ عالمنا. وأمّا كم قطعة سلاح أَنتجت المصانع وكم من المال كلّفت الحروب، التي يُقال عنها حروباً عادلة ولإحلال السّلام الكاذب، فهذا كلُّه يُذكر بتفاصيل.هذه للأسف، هي الإحصائيات التي نقرؤُها في الجرائد اليومية في آخر السنة.

 

إن الحياة والسنين والعمر، هي عطايا من الله. لكن الإنسان غير راضٍ تماماً بذلك، إذ الكبير يتمنّى أن يرجع  بعضَ السنين إلى الوراء والعكس أيضا صحيح. إذ الفتى يتمنّى أن يكون أكبر ببعض السنين ليحصل على أشياء لامعة جذّابة، لا يقدر أن يحصل عليها بسن الطّفولة. أمّا الواقع فكلُّ إنسان يُعطى حِقبةً من الزمن في هذا العالم، ، الذي لمّا انتهى الله من خلقه، تمعّن فيه ورأى أنّه جميل، وعليه أن يمضي هذه الحقبة من حياته فيه، فيجب عليه العمل بوصية الأم تريزا لبنات رهبنتها: إسعَيْن أن تتركن العالم بدرجة أحسن مما كان عليه حينما دخلتُنَّه. هذا وإن الحياة تقدّم لنا مناسبة ثانية، لنجعل هذا العالم يصير أحسن، واسمها الغد. إذاً غَدُكَ يجب أن يصبح أحسن من يومك هذا. فنحن المسؤولون عن ذلك، وإذا نحن أهملنا ذلك فتُرى من سيقوم به عنا؟ لا إنسان. إذ الوقت والوظيفة هما عطيّة شخصيّة، لا يتحمّل مسؤوليَّتها سوانا. ففي آخر  السنة، إذا ما نظرنا إلى الوراء، فماذا نكون قد أتممنا؟ إذن نحن نخاطر بحياتنا وبفشلها. أما الآن فنحن ننظر إلى الأمام، لنخطو أوّل خطواتنا في السنة الجديدة، فمن المفيد أن نعرف، أنَّ أرضِيّة هذه السنة لا تزال مُقدّسة،فيجب أن يكون برنامج سنتنا في هذا الإتجاه، أي كل ما نقوم به يقرِّبنا إلى الله ويحسّن علاقتنا مع بعضنا البعض. نعم في هذه السنة تنتظرنا واجباتٌ والتزاماتٌ كثيرة، لنا شخصيّا ولعائلاتنا ولرعيتنا ولمجتمعنا، الذي نعيش فيه، ولعالمنا المضطرب. فمن أين ننهل القوة والشّجاعة، للقيام بها على أحسن وجه. قوّتنا ومعونتنا هي من الله. فما لنا من رفيق أو معين سواه. إذا كان الله غير موجود فكل جرم يصلح مسموحا.

 

ماذا ينفع أن نزيد سنيناً على حياتنا لكن لا حياةَ على سنينا. فالخير الذي يجب عمله غير مرتبطٍ بالسنة نفسها، وإنّما بما يفعله كلُّ واحدٍ منّا. فالمهمّ قدّام الله هو ليس كمية بيع السّلاح وقيمة المرابح، وإنّما مدى المشاركة والإنخراط في المجتمع، لرفع الظلم وإحقاق الحق وتخفيف الآلام. فهل نسينا ما حلّ بالعالم في أوّل هذه السنة من جرّاء الكورونا، وكم احتاج الوضع من أعمال تطوُّعيّة وتضحيات بل ومساعدات  مادية ومعنوية، وكم من حركات كنسية انخرطت في العمل التّطوّعي حتى المُخاطرة. فلِمَ لا تُذكر مثلُ هذه الأعمال في إحصائيات السنة؟ فكل ما تعمل الكنيسة وتقوم به أو تنصح به، لا يُلاقي آذاناً صاغية، كأنه ليس من أناسٌ من ذويِّ الإرادةِ الصّالحة على أرضنا، وكأن رسالةَ الميلاد نزلت لعالم غير عالمنا.

 

هذا ولا أدري إنْ كان هناك من يؤمن بأن رسالة السّلام ستنتصر، إذ الصّوت العالي هو للقنابل ومنتجيها. فهل يا تُرى فشِلت رسالةُ الميلاد، إذ الحروب هي الحاكمة في هذا العالم، الذي نعيش فيه. حروب وطنية. حروب أهلية, وحروب إقليمية، تنتهي الأولى فتبدأ الثانية. أما قال الكاتب الفرنسي جان جاك روسّوه: الإنسان أصبح ذئيا لأخيه الإنسان. بهذا تبدأ سنواتنا وبها تنتهي، فإلى متى؟ أما قال البابا فرنسيس في عظته يوم تأسيس عيد أحد الرحمة عام 2015 إنَّ حرباً ثالثة على الأبواب. وقال المثل الألماني لكلِّ ولدٍ والد. ووالد الحرب القادمة هم كثيرون. هم جيوش داعش، التي تجول وتصول في الشرق وبتشجيعٍ علنيٍّ من مُؤسّسيها ومُموِّليها ومُسَلِّحيها، من حكام الغرب ومصانع أسلحتهم الفتّاكة. لقد عادت حياة الإنسان وقتله رخيصة. وصيّة الله: لا تقتل، ما عاد لها قيمة. والأسوأ من ذلك، حيثما يُعلِن قائد جيش حرباً يتمُّ فيها قتل أبرياء، تعلو أصوات حكام البلاد التي موَّلته بهذا السِّلاح، بالقبض عليه ومحاكمته لأنّه ارتكب جُرماً بحقِّ الأبرياء. رياءٌ في رياء!

 

يا تُرى ماذا يقصد الحكام الذين يُنتجون هذه الأسلحة ويضعونها في أيدي مجرمين ظالمين؟ ألا يعني ذلك انفصام الشخصية؟ أما قال يسوع: إسمعوا أقوالهم ولا تفعلوا أفعالَهم. السّؤال مُحق: أما فشِلَتْ رسالةُ الميلاد؟ أي شيْ من هذه الشرور قد توقّف في العالم، بعد ميلاد يسوع، حيث لا نلاحظ شيئا من رسالة الميلاد السلميّة ورسالة ابنه، المدعوّ رسولُ السّلام! ؟ من فشل يا ترى؟ أهؤلاء أم الله؟ الجواب بسيط. حاشى وكلاّ! أن نتّهم الله بالفشل. فالّذي فشل هو الإنسان، الذي رفض تلك الرّسالة. فمن يعيش بدون الله هو الفاشل. ومن يحكم ولا يتقيّدُ بوصايا الله هو الفاشل. ومن يستغلّ الدّيانة، التي هي المسؤولة عن السلام والمصالحة لزرع الحرب والبغضاء، فقد أخطأ باختيار الدّيانة. ما هي هذه الدّيانة التي تُحلِّل القتل باسم الله، مانح الحياة، وهو الذي قال: لا تقتل! إن الله لا يحتاج أمثالكم وليس هو بحاجة أن يستعين بكم لتقاتلوا له، إذ ملكوت الله لا يُنْتَشر بالسيف: أردد سيفك إلى غمده!. إذ من بالسيف يأخُذ بالسيفِ يُؤخَذ! للأسف إن سخافة هذه الفئة من الناس لا توصف، فهي لا تفهم من هو الله، وهذا هو أيضاً مرض عصرنا.

 

لقد وُلِد لنا اليوم طفل، هو رسول السّلام، على أكتافه يحمل مُلْكَ داؤد أبيه. أليس هذا الطفل هو علامة محبة الله ورحمته، إذ الملكوت الذي سيبنيه ليس بالحرب مثل داعش وإنما هو مَلِكٌ مسالم ورحيم. لذا فهو يُعطي السّلام لمن هو مسالم مثله ويطلبه منه. فرسالة عيد الميلاد هي رسالة سلام ومحبّة. فلا يسعنا، في بداية السنة، إلا أن نتوسّله كي يرينا علامة سلامه فينا وفي عالمنا. آمين

 

عندما ينتهي المهندس من إعمار بيت، يحدث إحتفال تسليم المفتاح الجديد. اليوم نستلم من مهندس العالم مفتاح السنة الجديدة، لنعبر فيها ونملؤُها باعمال سلام ومحبة. آمين

 

 

قصّة المُجوس

 

مِنْ عَلامَةٍ سَماوِيّةٍ قَدِ اكْتَشَفَ عُلَماءُ الفَلَك

أَنَّ المُخلِّصَ المُنْتَظَرَ طَرِيقَه إِليـنا قَدْ سَلَك

 

حَضَّرُوا هَدايـا ثَمِـينَةً لَـهُ وتهيَّأوا للسَّفر

رَكِبوا جِمالَهُمْ وساروا تَحْتَ ضُؤِ القَمر

 

نَجْمٌ قـادَهُمُ مِنْ بعـيدٍ إلـى أَبْوابِ أورشليم

حَيْثُ الرّومانُ والفرِّيسيُّونَ فِيْ نِزاعٍ قديم

 

هُنَاكَ غـابَ عَنْهُمُ النّجمُ فَـراحـوا يَسْأَلون

أينَ المولودُ مَلِكُ اليهودِ؟ فاحْتارَ الكثيرون

 

وَصَـلَ الْخَبَـرُ إلـى هيرودوسَ وحـاشِيتِه

الّذي كان يترقَّبُ حَرَكَةً لإِظْهارِ وَحْشِيَّتِه

 

خِداعاً مِنْهُ دَعا الْعُلَماءَ والأتْقِياءَ لِلإِسْتِفْسار

لِيَسْألَهُمْ عَــنِ المولـودِ مُقَهْقِهـاً بِكُلِّ اسْتِهْتار

 

قـالوا لهُ في بيتَ لَحْمِ أرضِ يهوذا القديمه

ففي كُتُبِنا هِيَ مَسْقِطُ المَلِكِ داؤودَ لها قيمه

 

هيرودوسُ الخبيثُ دعا المُجوسَ سِرّاً إلى جلْسَه

أطْلعَهُمْ فـيها عَــنْ مكانِ الـوِلادَةِ واعِداً بالْخَمْسَه

 

أخْبِروني عِندَ الرُّجُـوعِ عَنْ مكـانِـهِ لِأزورَه

وما كشفَ لَهُمْ عَنْ نوايــاهُ الّلئيمةِ المستورَه

 

مـا أنْ طَلَعوا سالِمينَ مِنَ القَصْرِ المُقيمِ فيهِ هيرودُوس

حتّى ظَهَرَ لَهُمُ نجمٌ وقادهُمْ إلى بيتِ لحمَ جَنُوبَ القُدُس

 

قُدّامَ الطِّفْلِ أَطْلعوا هداياهُمُ الثّمينهْ: ذَهَباً وَلُباناً وَمُرّا

رَمْزٌ هِيَ للأَصْلِ الكريمِ والإِجلالِ والحُبِّ ليسَ سِرّا

 

بِإِلْهامٍ ما وَفُوْا بالوَعْدِ لِهيرودوسَ ولا رَجَعوا إليه

فَرِحِينَ عــادُوا بطَرِيقِهِمْ بعدما قَبَّلوا للطّفْلِ رجليه

 

قالوا هُمْ ثَلاثةٌ بالأَسْماءِ مَلْخِيورْ وكَسْبارْ وبَلْطَزار

Melchior, Kaspar, Baltasa

بِلادُهُمْ غَيْرُ مَعْروفةٍ وَأَمَّا الخلاصُ فللجميع صار

 

هُمْ مِنْ أوّلِ المَدْعوِّينَ إلى جماعَةِ الْمُؤمنينَ بِيسوع

أَعْلَنُوا الطَّاعَةَ وَحَمَلُوا رِسالَةَ التَّبْشيرِ عِنْدَ الرُّجوع

 

ألْخَلاصُ مُنْذُ مِيلادِ يسوعَ صارَ مَجَّاناً وَحُبُّهُ مفتوح

مَنْ طَلَبَهُ واتَّقاهُ لا يَعْرِفُ المُحاباةَ بَلْ لِلْكُلِّ مطروح

 

لا تَسْتَغْرِبَنَّ أَوْ تَعْتَقِدَنَّ أَنَّ المسيحَ لا يَهْتَمُّ إِلّا بِقَطيعَه

أَما قالَ تَعالُوا كُلُّكُمْ إِلَيَّ فَخِرافُهُ مِنْ كُلِّ قَوْمٍ بِالطَّليعَه