موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٨ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٢

عيد عماد الرب

بقلم :
الأب فارس سرياني - الأردن
عيد عماد الرب

عيد عماد الرب

 

عنكَ رَضيت

 

أَيُّها الإخوةُ والأخواتُ الأحبّاء في الْمسيحِ يسوع. نحتفِلُ اليوم بِعيدِ عُمادِ الرّب في مِياهِ الأردنّ، عَن يَدِ سَابِقِهِ وَأَعظمِ مَواليدِ النّساء، وَشَفيعِ كَنيسةِ شَرقيّ الأردن، القَدّيسِ يُوحنّا المعمدان، شَاهدِ الحقِّ الأمين. عيدُ عماد الرّب هو بدايةٌ لِمجموعةِ أَحداثٍ وأمور. فَهو البِدايةُ العَلنيّة والانطلاقةُ الفِعليّة لِرسالةِ يسوع. وفي هذا الحدث ظَهرَ اللهُ في صَوتِه مُخاطِبًا، وفي كَلِمَتِه مُتَجَسِّدًا، وفي رُوحِهِ حَالًّا.

 

أيضًا، عِيدُ عُماد الرّب هو حَدثٌ مُخضرم، أي يُدرِكُ زَمَنينِ اثنَين: فَهو مِن ناحية خاتمةُ الزّمنِ الميلادي، وَمِن ناحية أُخرى هو الأحدُ الأوّل من آَحادِ زَمنِ السّنة. فَمَعَهُ نَفتَتِحُ زَمَنًا مِقدارُهُ أَربعةٌ وثلاثونَ أَحدًا، نُتوِّجُها باحتفالِنَا بعيدِ يسوعَ مَلكِ الكَون. أَمَّا على الْمُستَوى الشّخصي، فَحَدثُ المعمودية هو بِدايةُ قِصّتِنا، وفاتِحةُ مَسيرتِنا مع المسيح، فَفِيه نَحنُ اِعتَمدنا، وَالْمسيحَ قَد لَبِسنا (غلاطية 27:3). وفي حَدَثِ المعمودية، صِرنَا أَعضاءَ لِلمرّةِ الأولى في جَسدِ المسيحِ المنظور، أَي الكَنيسة، فَهو البابُ الّذي مِنه نَلِجُ إلى الحياةِ المسيحية.

 

الماءُ يا أحبّة أَعظمُ عُنصرٍ في الطّبيعة! وفي نِفس الوقت سِلاحٌ ذو حَدّين. حَدّهُ الأَوّل مُهلِكٌ ومُدمّر. فَالْماءُ يُغرِق إن لم تُتقِن فَنَّ السّباحة، والتّعاملَ مَعَهُ حينَ يَضطَرِب. الماءُ يُصبِحُ قُوَّةَ تَدمير هائِلة حين يجري بِكثافةٍ وَسرعَة. كالسّيل الّذي شَهِدَتهُ مدينةُ معان سنة 1966، وَأَودَى بحياةِ العَشرات. أمَّا حَدُّهُ الثّاني فنجاةٌ وحياةٌ للأرضِ وكلِّ ما يَدبُّ عَليها، ويَطيرُ في سمائِها، ويَسبَح في غَمرِها. أَلَا نَشْتَاقُ كُلُّنا لِنُزولِ المطرِ الّذي يَروينا ويُحيِينا، ويَسقِي أرْضَنا، ويُنبِتُ لَنَا زَرعَها وَثَمَرَها.

 

في الكتابِ المقدّس الماءُ هو عنصرُ إبادةٍ تَقودُ إلى تَجديدٍ كُلّي وكامِل، كَما نَقرأُ في حَدثِ الطُّوفان مع نوح (تكوين 17:7-22:8). كذلِك يحمِلُ الماء صِفةَ العبورِ من حالةٍ إلى أُخرى، كَما حدثَ في عبورِ آلِ إسرائيل مع موسى للبحرِ الأحمر، فَاجتازوا من أَرضِ عبودية إلى أرضِ حُرّية (خروج 15:14-31). أَيضًا الماء عُنصرٌ يَقودُ إلى الجوعِ إذا شُحَّ ونَدُر، وهذا ما حَدث أَيّامَ إيليا عندما أصابَ الأرضَ جفافٌ عَظيم، وَتَضوّرَ أَهلُها جوعًا (1ملوك 1:17). ولا نَنسى أنّ الماءَ يحمِلُ صِفةً عِلاجيّة، فَها هو أَلِيشاع النّبيّ يَطلُبُ من نُعمانَ السّوري الاغتِسالَ في مياهِ الأردنّ، لِيَبرأَ مِن بَرَصِه (2ملوك 8:5-14).

 

كُلّ هذهِ العناصر والصّفات تَجِدُ كمالَها في شَخصِ يسوعَ المسيح، وفي حَدثِ مَعمُوديّته! فَبِفَضلِ مَعموديّة المسيح نحن نعبرُ من حالةِ مَوتٍ إلى حالةِ حياة، من أرضِ عُبودية إلى أَرضِ حُرّية، من ولادةٍ بالجسدِ إلى ولادةٍ بالرّوح، من بُنوّة لَحميّة إلى بُنوَّةٍ للهِ رُوحيّة. وَبفَضلِ مَعموديّتهِ أيضًا، اِنفَتَحت السّموات وَعَبَرت النّعمةُ إلينا. وبِفضلِ مَعموديّةِ الْمسيح، نِلنَا العلاجَ والدّواءَ النّاجِعَ لخطايانا، فالمعموديّةُ سرُّ توبةٍ وشِفاء، بِهِ نَحصلُ على رحمةِ الله. وفي نفسِ الوَقت، الانقطاعُ عن المسيح، الْماءِ الحيّ الّذي يَشرَبُ مِنهُ الإنسان فلا يعطشُ أبدًا (يوحنّا 16:4-14)، يقودُ بِكلّ تأكيدٍ إلى جَفافٍ روحي، وإلى ظَمأٍ وجوع، وأخيرًا إلى موتٍ وهَلاك.

 

وَإن كانَت المعمودية كَسِرٍّ لا يُعاد ولا يُكرّر، فَقد رَأَت الكنيسةُ في سرّ الاعترافِ والمصالحة، مَعمودّيةً جَديدة تَتَكرَّر، بهِ تُبادُ فينا الخطيئة، وَنُمنَحُ التَّجديدَ الرّوحي. وَكَأنَّ الاعتراف طَوَفانٌ غامِر، يُزيلُ مِنّا الرّذيلة وَرَواسِبَها، لِكي تَنمو النّعمةُ في رِياضِنَا، أَغصانَ خيرٍ وَفَضيلة، به ننالُ الخلاصَ والنّجاة.

 

أّيها الأحبّاء، في سِرّ المعموديّة، ذَهَبنَا بِرفقةِ الوَالِدَين والأشْبِينَين والْمدعوّين، إلى جُرنِ الماءِ ونِلنَا نِعمَةً عَظيمة. فَبَينَما كانَ الكاهنُ يَسكبُ الماءَ عَلينا، باسمِ الثّالوثِ القدّوس، لَبِسنا الْمَسيح، وصِرنا أبناءَ الرّضى، واتَّشَحنَا بالرّوحِ القدس، وصِرنا هياكِلَ العَلي. نِعمةُ العماد تَتَطلّبُ مِنّا أن نحيا مَسيحيّين مؤمنينَ بالله، فَاعلينَ في الكنيسة، صالِحيَن أَنّا كُنّا وَحَيثُما حَلَلنا، نؤدّي الشّهادةَ كيوحنّا، مُجاهِدينَ الجهادَ الرّوحيّ الأسمى والحَسن. لأنَّ الّذي تَوَشّحَ بِروحِ الصّلاح، يُفتَرضُ بِهِ أَن يَحيَا صالِحًا. والّذي نَالَ روحَ القداسة، يُفترضُ بهِ أَن يحيا حياةَ قداسة. نعمةُ العماد تَفتَرِضُ بنا أن نعيشَ أَبناءَ رِضى، لا عاقونَ غَضب.

 

فَطُوبى لَنا بعدَ انقضاءِ العُمر، إن انفَتَحَت السّمواتُ لَنا، وسَمِعنا صوتَ أَبينا السّماويّ يُخاطِبنا ويدعونا أبناءَ رِضى، وَعَبرنَا من دارِ الشّقاءِ والفناء وأرضِ العبودية، إلى ملكوتِ الهَناءِ والبقاء ودُنيا الأبديةِ والرّاحةِ والحُرّية.

 

 دعونا اليوم، ونحن نحتفل بذكرى عماد الرّب، نُجدّد مواعيدَ معموديّتنا، مُستذكرين ذاكَ الحدثَ العظيم الّذي فيه دُعينا أبناءَ الرّضى وإخوةَ الرّب وهياكلَ الرّوح الحي.

 

الكاهن: أتكفرون بالشيطان؟  الجميع: نعم نكفر.

 

الكاهن: وبجميع أعماله؟  الجميع: نعم نكفر.

 

الكاهن: وبجميع أباطيله؟  الجميع: نعم نكفر.

 

الكاهن: أتكفرون بالخطيئة، لتعيشوا في حريّة أبناء الله؟  الجميع: نعم نكفر.

 

الكاهن: أتكفرون بالاعتقادات الباطلة والسّحر؟  الجميع: نعم نكفر.

 

الكاهن: أتؤمنون بالله الآب القدير، خالق السماء والأرض؟  الجميع: نعم نؤمن.

 

الكاهن: أتؤمنون بربنا يسوع المسيح، ابنه الوحيد الذي ولد من مريم البتول، وتألم وماتَ وقُبر وقام من بين الأموات، وهو جالسٌ عن يمين الآب؟   الجميع: نعم نؤمن.

 

الكاهن: أتؤمنون بالروح القدس، وبالكنيسة الكاثوليكية المقدسة، وبشركة القديسين، ومغفرة الخطايا وقيامة الجسد والحياة الأبدية؟  الجميع: نعم نؤمن.

 

هذا هو إيماننا. هذا هو إيمان الكنيسة. هذا هو الإيمان الذي نُعْلنُه بافتخار، في المسيح يسوع ربّنا.

 

آمين