موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
يُعد انتقال العذراء مريم بالنفس والجسد إلى السماء عقيدة من أهم العقائد المسيحية حول العذراء في الكنيسة الكاثوليكية. والعقيدة معناها حقيقة إيمانية إلزامية، بحيث لا يمكن لأحد أن يدعي الكَثْلَكَةِ ما لم يؤمن بها. إن عظمة مريم، أم الله، الممتلئة نعمة، والخاضعة بالكامل لعمل الروح القدس، تعيش في سماء الله بكامل كيانها، نفساً وجسداً.
العقيدة والكتاب المقدس
توافق عقيدة انتقال سيدتنا الى السماء ما جاء في الكتاب المقدس عن غاية فداء المسيح، أي الاشتراك معه في قيامته، نعرف ان لا بد من الموت، ولكننا نؤمن ان المسيح وطي الموت بالموت وقام منتصرا، وفي هذا الصدد يثول بولس الرسول " إِنَّ المسيحَ قد قامَ مِن بَينِ الأَموات وهو بِكرُ الَّذينَ ماتوا... وكما يَموتُ جَميعُ النَّاسِ في آدم فكذلك سَيُحيَونَ جَميعًا في المسيح، كُلُّ واحِدٍ ورُتْبَتُه. فالبكرُ أَوَّلاً وهو المَسيح، ثُمَّ الَّذينَ يَكونونَ خاصَّةَ المسيحِ " (1 قورنتس 15: 20-23). لذلك سنحيا بحياة القائم من بين الأموات. وكانت مريم أولى من دعيت بجسدها وروحها من جراء نعمة أمومتها التي تجعلها متحدة بابنها الفادي، لان تشارك انتصار ابنها على الموت، فهو حقق فيها عمل الفداء على أكمل وجه، فأصبحت علامة رجاء أكيد للمؤمنين الذين يسيرون مثلها بالإيمان والمحبة على خطى المسيح.
آمنت الكنيسة على مر العصور "أن أُمَّ الله الطاهرة، في ختام حياتها الأرضية، قد نُقِلَتْ نفساً وجسداً إلى المجد السماوي". وهذا ما حدَّده البابا بيوس الثاني عشر في اليوم الأول من شهر تشرين الثاني عام 1950، سنة اليوبيل، عقيدةً إيمانية بشأن انتقال مريم المجيد إلى السماء، الذي يُشيد به عيد اليوم. فقال البابا حينها: "إنها لحقيقة إيمانية أوحى الله بها، أن مريم والدة الإله الدائمة البتولية والمنزَّهة عن كل عيب، بعد إتمامها مسيرة حياتها على الأرض نُقِلَت بجسدها ونفسها إلى المجد السماوي". ويبيّن البابا أن هذا العيد "لا يذكر فقط أن الفساد لم ينلْ من جسد مريم العذراء بل يذكر انتصارها على الموت أيضاً، وتمجيدها في السماء، على مثال ابنها وحيدها يسوع المسيح (Munificentissimus Deus).
العقيدة وآباء الكنيسة
ظهرت عقيدة انتقال العذراء الى السماء في كتابات آباء الكنيسة خاصة في كتابات القديس يوحنا الدمشقي.
يبدأ القدّيس يوحنّا الدمشقيّ بالتساؤل: "كيف تقع هذه المرأة في قبضة الموت وهي قد ولدت الحياة الحقّ؟ فكيف يمكن لتلك التي حملت في أحشائها الحياة ذاتها، التي لا بداية لها ولا نهاية، ألاّ تعيش إلى أبد الآبدين؟ وتلك التي لم تعرف الخطيئة وجلبت إلى العالم مَن كان مطيعًا الآب، فكيف لا يستقبلها الفردوس ويفتح أبوابه لها على مصراعيها فرحًا؟ وحيث أن الرّب يسوع، الذي هو الحياة فكيف لا تشاركه والدته مسكنه؟ (العظة الثّانية لعيد انتقال العذراء).
ثم يجيب القديس يوحنا الدمشقي: "كما أن الجسد المقدّس النقي، الذي اتخذه "الكلمة الإلهي" من مريم العذراء، قام في اليوم الثالث كذلك كان يجب أن تُؤخذ مريم من القبر، وأن تجتمع الأم بابنها في السماء" ويتابع القول: "كان لا بد لتلك التي استقبلت في حشاها اللوغوس الإلهي، أن يتم انتقالها إلى أخدار ابنها... كان لا بد للعروسة التي اختارها الآب، أن تقيم في أخدار السماوات) 742 (PG 96:).
ويشير القديس يوحنا الدمشقي إلى هذا السر بعظة شهيرة فيقول: "اليوم حُملت العذراء إلى الهيكل السماوي... اليوم، التابوت المقدس الحي الحامل الإله الحي، التابوت الذي حمل في أحشائه صانعه، اليوم يرتاح في هيكل الرب الذي لم تبنه أيدٍ بشرية " (PG 96: 723).
أما القديس بطرس دميانوس فيقول: "في صعودها جاء ملك المجد مع أجواق الملائكة والقديسين لملاقاتها بزفةٍ إلهية؛ ولهذه الأقوال نجد صدىً في الكتاب المقدس ولاسيما نشيد الأناشيد (2: 10)
العقيدة واللاهوت
أولاً: بما أن أنها الوالدة المجيدة للمسيح مخلصنا وإلهنا واهب الخلود، فهو يهبها الحياة، وهي تشاركه إلى الأبد في عدم فساد الجسد. فهي متحدة اتحاداً وثيقا بابنها الإلهي وشريكة معه في كل شيء.
ثانياً: يرى القديس جرمانس من القسطنطينية أن جسد مريم البتول، والدة الإله، نقل إلى السماء، ليس فقط بسبب أمومتها الإلهية، بل لقداسة خاصة شملت جسدها البتولي، فقال: "جسدك البتولي كلُه مقدسٌ وكله عفيف ولكنه مسكن لله. ولهذا فهو بعيد عن كل انحلال ولا يعود إلى التراب".
ثالثا: الإنسان يموت بسبب الخطيئة المتوارثة منذ آدم، وحيث أن العذراء لم ترث هذه الخطيئة الأصلية فهي بالتالي لا داعي لموتها. ومن هنا جاء تعليم الكنيسة الكاثوليكية "أن العذراء مريم، التي جنّبها الله وصمات الخطيئة الأصلية، والتي أكملت حياته الأرضية، رُفعت، بالنفس والجسد، إلى مجد السماء، وأعطاها الرب لتكون ملكة الكون، لتكون أكثر تطابقاً مع ابنه، رب الأرباب، المنتصر على الخطيئة والموت"، فنالت لامتيازاتها ألا يمسَّها فساد القبر ونُقلت نفساً وجسداً إلى السماء حيث تجلس الآن ملكة متألقة عن يمين ابنها، ملك الدهور.
وترى في الكنائس الأرثوذكسية الشرقية أن الانتقال قد تمّ بعد فترة قصيرة من وفاتها، فعندما توفيت حسب التقليد الشرقي في بستان الزيتون حيث نازع يسوع. وشهد الحدث من بقي حياً من التلاميذ الاثني عشر بُعث جسدها بعد ثلاث أيام من جديد حياً وانتقلت نفسها وجسدها إلى السماء، علماً أنه يذكر في الكتاب المقدس عدد من الشخصيات التي رفعت أو انتقلت بدون موت إلى السماء كالنبي ايليا (2 ملوك 2: 11) وأخنوخ (تكوين 5: 20).
العقيدة والطقوس الليتورجيا
لم تتردد الطقوس المسيحية المبكرة ان تبرز انتقال سيدتنا مريم العذراء الى السماء بالنفس والجسد وتم إفراد عيد خاص لها يوم 15 آب يسبقه صوم مدته أربعة عشر يوماً؛ وأصل العيد أن كنيسة القدس كانت تقيم، منذ القرن الخامس في مثل هذا اليوم، عيداً لوالدة الإِله عُرف فيما بعد بعيد "رقاد مريم"، ثم بعيد "انتقال القديسة مريم"، منذ القرن الثامن. وقد عمّ هذا العيد الإمبراطورية البيزنطية ما بين 588-603، وادخله إلى كنيسة روما البابا ثيودورس الأول (642-649)، وهو من الإكليروس الاورشليمي.
كيف نعيش عيد انتقال سيدتنا مريم العذراء؟
ويحثنا عيد انتقال العذراء الى تجديد حبنا لمريم، وتعظيمها وتكريمها لأجل "العظائم" التي صنعها الكلي القدرة لها وفيها "ما في سعة المجد في ميراثه بين القديسين" (أفسس 1: 16). فنحن نتحدث عن مريم ولكن بشكل ما، نحن نتحدث أيضاً عن ذواتنا، عن كل منا: فنحن أيضاً محط محبة الله العظيمة التي خصَّ الله بها مريم بشكل خاص جداً. في عيد الانتقال المجيد هذا ننظر إلى مريم: هي تفتح قلوبنا على الرجاء، رجاء مستقبل مليء بالفرح، وتعلمنا الطريق للوصول إليه: من خلال قبول ابنها بالإيمان؛ لا نخسرنّ أبداً الصداقة معه، بل فلنسمح له أن ينيرنا وأن يهدينا بكلمته؛ أن نتبعه كل يوم، حتى في الأوقات التي نظن فيها أن صلباننا قد أضحت ثقيلة.
انتقال مريم إلى السماء هو مشاركة فريدة في قيامة ابنها، وتعبير مسبق عن قيامة المسيحيين. الله لا يستطيع أن يترك في سلطة الموت أولئك الذين وضعوا رجاءهم فيه. هكذا رفع مريم وهو يرفع معها جميع البشر. لذلك نحن نشاهد فيها مصيرنا الخاص وكرامتنا المستعادة.
دعاء
يا مريم سيدتنا، الكلية القداسة، يا من انتقلتِ من هذا العالم وكُللت مع المسيح إلى الأبد، وانت الآن تتألقين بين جوقات القديسين مثل الشمس في السماء انظري بنظرة عطوفة وتشفعي بصلاتك لأبنائكِ كي يصبوا إلى الأمور التي في العلى ويكونوا أهلاً لمشاركتكِ مجد القيامة.
كنيسة انتقال العذراء أو قبر العذراء
يوجد قبر العذراء الفارغ عند اول منحدر لجبل الزيتون، بالقرب من كنيسة الجسمانية، حيث شيدت كنيسة انقال العذراء الى السماء.
المعالم التاريخية:
وفي القرن الثالث عشر كان الكهنة من الطقس السرياني يخدمون الكنيسة. وفي القرن الرابع عشر أوُكلّت خدمة الكنيسة إلى اللاتين واليونانيين والجورجيين والأحباش واليعاقبة والموارنة ولكل منهم هيكله لإقامة القداس عليه. وكان للاتين الصلاحية في إقامة الذبيحة الإلهية على قبر العذراء نفسه.
قام عالم الآثار الفرنسسكاني الأب بلَّرمينو باغاتي بحفريات عام 1972 وأثبتت ما جاء في "إنجيل رقاد العذراء" المنحول من القرنين الثاني والثالث، ويقول إن قبر العذراء كان في مقبرة تعود إلى القرن الأول لم يتم فتحه قبلا إلاَّ في العهد الصليبي. وتحتفظ الكنيسة حاليا بصورة عامة بالشكل الذي تركة الصليبيون. وللكنيسة فناء مربع الشكل قائم على 35 عامود يتوسطه بئر. وهناك ثلاثة أجنحة للكنيسة: جناح جنوبي وجناح شرقي وجناح غربي.
يحتوي الجناح الجنوبي على 48 درجة تهبط بالزائر إلى كنيسة على شكل صليب لاتيني. يتكون من ثلاث أقسام: القسم الأول له قبو ذو زاوية بارزة. وأما جداره فيخترقه من الأصل من الشمال نافذة، ومن اليمين باب يربط المزار بمغارة الجسمانية وبالكنيسة العليا. والقسم الثاني له قبو أسطواني على الطراز الروماني ويحوي على مزارين: مزار القديس يوسف على اليسار وهو يضم قبرا لزوجة بلدوين الثاني ملك القدس. ومزار لوالدي العذراء: يواكيم وحنة على اليمين، ويضم رفات الملكة مليزندا، ابنة بلدوين الثاني، وزوجة فلك انجو ملك القدس الصليبي الثالث. أما القسم الثالث من الجناح الجنوبي فيحتوي على كنيسة بيزنطية من القرن الرابع والخامس. وهي أقدم الكنائس التي بقيت سليمة في القدس مع كنيسة يوحنا المعمدان (القرن 4-5) الواقعة في مورستان (سوق الدباغة) القدس.
يضم الجناح الشرقي قبر العذراء. في حين أنه يجب أن يكون القبر في وسط الكنيسة وفق الهندسة المعمارية للكنائس البيزنطية الشكل كما هو الحال بئر يعقوب في نابلس وعامود القديس سمعان في سوريا. لكن بناء الجناح تلائم مع طبيعة الأرض. والقبر محفور في كتلة صخرية بارزة عن بقية الصخر، يتراوح علوها ما بين 1,50-1,80م. والقبر عبارة عن دكه أو مصطبة جنائزية فيها كثير من التجاويف لان الحجاج كان يقتطعون منها كذخيرة بركة. ويغطي القبر لوحة من الرخام من العهد الصليبي يتخللها ثلاث فتحات ليتمكن الحجاج رؤية صخرة القبر ولمسه وتبرك منه. كان المدخل الأصلي للقبر من جهة الغرب ويربط القبر بغرف أخرى. واما حاليا هناك بابان، أحدهما في الجهة الشمالية، والآخر في الجهة الغربية، كلاهما يؤديان إلى قبر العذراء حيث سجّي رفاتها المقدس. وقد أعيد فتح القبر عام 1973. ويعلو القبر قبة بُنيت بدلا من السقف الصخري، وفي القبة كوة يتسرب منها الدخان، رمزا لانتقال العذراء إلى السماء. ومن الملاحظ أيضا أن القبر فُصل عن باقي القبور القديمة كما هو الحال قبر المسيح دلالة على قدسيته. ويحتوي جدار الجناح الشرقي يحتوي على حنية تعود إلى العصر البيزنطي أي الكنيسة الأولى وعلى محراب للمسلمين
3) الجناح الغربي
يحتوي الجناح الغربي على بئر وينتهي بحنية نصف دائرية كما هو الحال في الجناح الشرقي.
وكل عام وأنتم بخير