موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٨ يناير / كانون الثاني ٢٠٢١

عندما بكت غولدا مائير

محمد السماك

محمد السماك

محمد السماك :

 

وغولدا مائير هي رئيسة حكومة اسرائيل في عام 1973. وكانت واحدة من قادة المنظمة الصهيونية. يروي كتاب جديد صدر في الولايات المتحدة كيف كانت مائير تتفقد عصابات الهاغاناه وشترن الارهابيتين في عام 1948 خلال قيامها بعمليات ارهاب وتهجير الفلسطينيين من مدن الساحل: يافا وحيفا وعكا.

 

عنوان الكتاب هو: «أعداء وجيران: العرب واليهود في فلسطين واسرائيل». ومؤلفه هو إيان بلاك المتخصص في شؤون الشرق الأوسط. يصور المؤلف في كتابه مشهدًا دراميًا يقول فيه ان غولدا مائير أبدت تأثرها الشديد وهي تشاهد العائلات العربية تغادر بيوتها على عجل، لا تحمل معها سوى الخفيف من المتاع، وتجرجر أطفالها الذين يبكون... ولا يعرفون الى أين يتوجهون.

 

وأمام هذه المشاهد المفجعة لم تتمالك مائير من ذرف الدموع. ولكن تلك الدموع لم تكن تأثرًا بمعاناة الفلسطينيين؛ فقد عاد بها منظر التهجير الارهابي الى الحوادث المماثلة التي سبق أن تعرض لها اليهود في بعض الدول الأوروبية، حيث اضطروا الى مغادرة بيوتهم هرباً من الاضطهاد والارهاب والتنكيل. فسالت دموعها تأثراً، لأن المهاجرين الفلسطينيين ذكّروها بالمهاجرين اليهود؟

 

وفي حادث ثان يروي المؤلف الأميركي في كتابه قصة وقعت في عام 1956 وكان بطلها هذه المرة الجنرال موشي دايان. وكان رئيساً لأركان الجيش الاسرائيلي. فقد تمكن الفلسطينيون في غزة من قتل احد الجنود الاسرائيليين. وأثناء تشييع هذا الجندي في كيبوتز (مزرعة استيطانية يهودية) أبدت عائلة الجندي القتيل تاثرًا وحزنًا شديدين. هنا تدخل دايان قائلاً: «ليس الوقت وقت ادانة القتلة. يجب أن لا نلوم الفلسطينيين بسبب كراهيتهم لنا وحقدهم وغضبهم علينا، فمنذ سنوات وهم يقيمون في مخيمات اللاجئين في غزة ويشاهدون كيف نعمل على تطوير اراضيهم وقراهم التي كانوا يعيشون فيها ومنها، وتحويلها الى ممتلكات لنا».

 

ويقول المؤلف ان دايان لم يقل ذلك تعاطفًا مع الفلسطينيين. ولكنه على العكس من ذلك كان يريد إثارة حمية الشبان اليهود الذين كانوا يشاركون في دفن أحدهم منبهًا "الى وجوب الاستعداد دائمًا لمواجهة الفلسطيني الذي تحوّل الى عدو لأننا حرمناه أرضه وأخرجناه من بيته، وحوّلناه الى لاجئ في المخيمات. ولأن شعور الانسان الفلسطيني تحت هذه الظروف هو شعور بالانتقام، فان على الانسان الاسرائيلي ان يكون مستعدًا دائمًا للتنبه وللتصدي وبالتالي للمبادرة الى قتله قبل أن تمتد يده الى قتلنا!".

 

ويروي الكتاب كيف كانت اسرائيل -ولا تزال حتى اليوم- تلعب على العلاقات الفلسطينية-العربية، والعلاقات العربية مع دول الجوار (تركيا وايران) لتمرير أجندتها التوسعية.

 

وفي هذا الاطار يقول الكاتب انه في عام 1919 استعملت الحركة الصهيونية مطامح الأمير فيصل في سوريا لفتح ابواب الهجرة أمام المزيد من اليهود الى فلسطين بموجب اتفاق مع حاييم وايزمن. وعندما احتلت اسرائيل الضفة الغربية في عام 1967 حاولت دعم شخصيات أردنية وفلسطينية للوقوف في وجه حركة التحرير الفلسطينية. وفي التسعينيات من القرن الماضي فوجئ المرحوم ياسر عرفات برئيس الحكومة الاسرائيلية في ذلك الوقت إيهود باراك يفتح صفحة المفاوضات مع الرئيس السوري السابق حافظ الاسد حول الجولان، متجاوزًا القضية الفلسطينية. وهي السياسة ذاتها التي يتبعها اليوم بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة في استغلال الخلاف العربي–العربي والخلاف العربي–الايراني لتمرير إسقاط مشروع حلّ الدولتين.. وشكل هذا الاستغلال قنبلة دخان لتغطية قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل سفارة بلاده اليها.

 

من أجل ذلك، يعتبر المؤلف إيان بلاك ان كل مساعي التسوية السياسية هي مجرد محاولات اجهاضية. من عام 1917 –عام صدور وعد بلفور- حتى عام 2017 عام الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لاسرائيل، وصولاً الى عام 2020 عام صفقة القرن.

 

(جنوبيات)