موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٤ أغسطس / آب ٢٠٢٠

صوم مريم العذراء في زمن العاصفة

بقلم :
الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني - مصر
يا مريم العذراء فائقة القداسة، ساعدينا أن نصغي إلى الهامات الروح القدس في أمور حياتنا اليومية

يا مريم العذراء فائقة القداسة، ساعدينا أن نصغي إلى الهامات الروح القدس في أمور حياتنا اليومية

 

تظل القديسة مريم العذراء على مر التاريخ تقف بجوار البشرية وفي زماننا الحاضر زمن العاصفة التي هبت على البشرية من الوباء والموت بدون مقدمات وعاشت البشرية في أزمة جديدة في هذا العصر الحديث ودمرت الحياة البشرية وجعلت  الخوف يسيطر على حياة الانسان. والعاصفة راح ضحاياها الكثير من البشر، سواء إصابات او وفاة. وتركت لنا الموت والمصاعب الاقتصادية، والخوف في العمل وفي الخدمات العامة، هذه الحالة المأساوية التي كشفت عن ضعف الإنسان.

 

إن عاصفة كورونا هي علامة إنذار تحملنا إلى التفكير أنه زمن التجربة والاختبار لكى نتمكن توجيه حياتنا بشكل متجدد. وقفت مريم بجوار يسوع من البداية حتي النهاية، وكما كانت العذراء مريم مع الطفل يسوع وانقذته من شر هيرودس هكذا هي الآن معنا في كل الصعوبات التي نمر بها في حياتنا وخاصة هذه الفترة.

 

وقفت القديسة مريم تحت الصليب ويسوع يقول: "يا يوحنا هذه امك و يا مريم هوذا ابنكِ" والقديس اغسطينوس يعلق على هذه الآية يقول: تعني أنه فتح باب المسؤولية لمريم العذراء، وهي اهتمامها بالبشرية كلها في صورة يوحنا الحبيب.

 

وفي حياتها الأرضية كانت حاضرة في عرس قانا الجليل وعندما نفذ النبيذ طلبت من يسوع أن يصنع معجزة وكانت أول معجزة تحويل الماء إلى نبيذ. والعرس هو رمز العهد الذي أقامه الله بينه وبني إسرائيل. وفي هذه الفترة كل إنسان صنع عهد مع الله تعالى وأنه يسلم حياته كلية لله.

 

والماء هي ترمز مياه الخلق، مياه الطوفان، مياه الغسل، مياه التطهير والتجديد وترمز إلى تجديد علاقتنا مع الله.  والنبيذ هو رمز الفرح العهد الجديد.  والعرس قانا الجليل يرمز إلى المجتمع الذي نعيش فيه وخاصة في هذه الأيام كثير نفذ مننا الفرح وخيم علينا الحزن والكآبة، ولكن لا ننسى دور أمنا مريم العذراء التي كانت في العرس وحول ابنها المياه إلى نبيذ أي حول الحزن إلى فرح.

 

هكذا أمنا مريم العذراء تحول حزننا إلى فرح، وهي لا ترفض أي إنسان  يلتجئ إليها ويطلب شفاعتها. ويقول لنا القديس أمبروسيوس: لتكن نفس القديسة مريم في كل البشر لكي يعظم الرب، وليكن روح مريم في كل إنسان لكي يبتهج بالله.

 

في هذه الايام نعيش فترة صوم السيدة العذراء مريم  في ظل جائحة كورونا ونرى اتحاد بين الكنيسة البيتية والكنيسة المجتمعة من خلال الصلوات المسبحة الوردية والطلبات والابتهالات والمدائح التي تكرم أمنا مريم العذراء.

 

في هذا الزمن تقول لنا: لا تخافوا، كما قالت في ظهورها في فاطمة عام 1917 للأطفال الثلاثة فرانسيسكو وجيسانتا ولوسي. وأيضا تقول: "أولادي الأحبة إني أسمع صرخاتكم وصلواتكم وأتشفع لكم أمام ابنى يسوع الذى هو الطريق والحق والحياة، عودوا إلى الصلاة وأفتحوا قلوبكم في وقت النعمة هذا وسيروا على الطريق والاهتداء إن حياتكم عابرة وبدون الله لا معنى لها لذلك، أنا معكم لأقودكم نحو قدسيّة الحياة، حتّى يكتشفَ كلُّ واحدٍ منكم فرحَ العيش. صغاري، أحبُّكم جميعًا وأباركُكم ببركتي الأموميّة".

 

العلية وكنيسة اليوم: في العلية كانت القديسة مريم مجتمعة مع التلاميذ بقلب واحد ومعنا اليوم لأنها هي أم الكنيسة وأم البشرية. وفي العلية هناك الصمت والأصغاء لصوت الله وتعلمنا القديسة مريم إن الصمت هو نعمة وعطية من الله لسماع كلمته  ورسالته. القديسة مريم المصغية التي حفظت  كل الأمور في عمق قلبها هكذا تدعونا القديسة مريم ان نصغى إلى الهامات الروح القدس. تقول لنا القديسة مريم: "أولادي الأحبة  كأم اشتهى ان اساعدكم بكل حب الأمومي، أرغب بمساعدكم على فتح قلوبكم لكى تضعوا ابنى في المرتبة الأولى فيها  بواسطة حبكم لابني وبواسطة صلواتكم  اشتهي أن يضئ نور الله في قلوبكم وتغمركم رحمته في هذه الطريقة أدفع بعيداً عنكم الظلام والوباء".

 

تدعونا القديسة مريم العذراء في هذا الصوم المبارك: أن نترك الوباء الأخلاقي الذى دمر أجمل ما في الحياة البشرية والقيم الإنسانية. تدعونا أن نقتل وباء العاصفة التي تدمر الايمان بالخالق ونلتجئ إلى الالحاد. تدعونا ان نحول الوباء إلى تعمق علاقتنا مع الله لأنه هو سيد الحياة. تدعونا ان نتعلم الصمت والتأمل في كلمة الله واكتشاف إرادة الله في حياتنا اليومية وفي ظل الظروف التي نمر بها إن الله مازال موجود. تدعونا في فترة الصوم الى التعمق صلاتي مع الله ومع الاخرين كمان كانت  تخدم نسيبتها اليصابات.  تدعونا إلى الضمير الإنسانى فالضمير هو المقدس السرى حيث يتم اللقاء بين الله والإنسان.

 

وفي ختام الصوم المبارك نحتفل بانتقال أمنا مريم العذراء إلى السماء، وهذا العيد يعود علينا بالخير والبركات التي تنعم علينا أمنا مريم العذراء وهي: انتقال من وباء الموت إلى الحياة، انتقال من عاصفة الشر إلى هدوء وعلاقة مع الله تعالى، انتقال من الضوضاء إلى النسيم لنسمع صوت الله، انتقال من الطوفان إلى طوق النجاة. انتقال من الشر إلى الخير.  انتقال من  الحقد والكراهية إلى الحب والغفران.

 

ختامًا: نقدم صلاة إلى القديسة مريم العذراء

 

يا مريم العذراء فائقة القداسة، ساعدينا أن نصغي إلى الهامات الروح القدس في أمور حياتنا اليومية، واطلبي من ابنك يسوع المسيح، كما حول المياه إلى نبيذ فى عرس قانا الجليل أن يحول حياتنا من الضعف إلى القوة، ومن الخوف إلى الشجاعة، ومن الشك إلى الايمان بالله. أن يحول الحزن إلى الفرح.  ايتها العذراء القديسة اجعلينا أن ننتصر على الوباء الأخلاقي، وأن تكون لنا علاقة مع الله والتأمل في كلمته.  اجعلينا أن نواجه وباء الموت بتقدير قيمة الحياة وأن نخرج من  عاصفة الشر إلى السكينة والهدوء ومن الحقد والكراهية إلى الحب والغفران. ايتها العذراء التي صارت كنيسة نطلب منك ان تجعلي من كل بيت كنيسة بيتية وتحفظي العالم من الحروب والوباء والشرور. آمين.