موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٤ ابريل / نيسان ٢٠٢١

حين يتجدد الأمل

د. منى ياقو - العراق

د. منى ياقو - العراق

د. منى ياقو :

 

كانت زيارة الباب إلى العراق حافلة بالأحداث المبهجة، في بلد قلَّما يعيش البهجة. ومن خلال متابعتي للزيارة، يمكنني استنباط أبرز المحاور التي أثارت انتباهي، والتي شكلت ثقلًا. وسوف أوجزها في النقاط الآتية:

 

على صعيد المجتمع الدولي:

 

حظي الحدث باهتمام مكثف من القنوات العربية والعالمية، وعاد ملفُّ العراق إلى الصدارة ضمن اهتمامات المجتمع الدولي، ربما لأن الزيارة كانت الأولى من نوعها منذ انتشار فيروس كورونا. واللافت للانتباه أن الكاميرا نقلت صورة مختلفة عن شعب العراق، ومغايرة لصورة الموت أو الحزن التي اعتاد العالم أن يراها. لكن في الوقت نفسه، فإن الكاميرات نقلت للعالم أيضًا مناظر مؤلمة عن الدمار، الذي تعرضت له مناطق من الموصل وسهل نينوى. وأظن أن ذلك سيساعد على تسريع عملية البناء، وإعمار الخراب الذي خلفه التنظيم الإرهابي في دولتَي العراق والشام (داعش).

 

على الصعيد الوطني:

 

إن زيارة البابا قد أكدت أن العراقيين شعب محب، رغم خطابات الكراهية التي تَبرز بين الفينة والفينة، ورغم كل ما أثارته الطائفية والمحاصَصة من مشاكل وهموم للمواطن العراقي. وأيضًا شكلت عاملًا مهمًّا لخلق فرصة للمصالحة بين الساسة العراقيين، للوصول إلى المشتركات الوطنية التي تجمعهم -رغم كل الاختلافات-، من أجل خدمة الوطن والمواطن. وبالفعل، في اليوم التالي لمغادرة البابا، وجَّه الكاظمي دعوة إلى جميع القوى السياسية للحوار الوطني. وكانت الرسالة التي وجَّهها إلى الساسة العراقيين في أولى خطاباته، في بغداد العاصمة، إحدى أقوى رسائله التي تَميَّز فيها بالصراحة المطلقة، حين دعاهم فيها إلى أن يسلكوا طريق النزاهة، وضرورة الكف عن العنف والتعصب والتطرف، وإلى نبذ لغة السلاح. وأراد بذلك الإشارة إلى إخفاقهم في إدارة البلاد.

 

على مستوى إقليم كوردستان–العراق:

 

في آخر خطاب للحبر الأعظم في مدينة أربيل، أكد أنه سيذهب والعراق في قلبه، قائلًا: "حان وقت الوداع، بارك الله العراق. العراق سيبقى في قلبي، وسأحمله في قلبي إلى روما". وهذا دليل على تعامله مع وحدة البلاد.

 

على صعيد حماية التنوع الديني:

 

مِن المؤمَّل أن يترسخ ويتواصل حوار الأديان، بعد زيارة البابا للمرجع الديني الشيعي (آية الله السيستاني(، وطرْحِهما لقيم إنسانية ومُثل عُليا لم نَعُد في حاجة ماسة إليها، بعد أن ذقنا المرار من تنامي خطابات الكراهية والحقد، التي تُوجَّه نحو الأقليات الدينية غير المسلمة، لا سيما تلك التي يُطْلقها رجال الدين مِن على منابرهم، أو التي أصبحت رائجة في وسائل التواصل الاجتماعي، دون أن تَخضع لأية عقوبات قانونية رادعة.

 

على الصعيد الإنساني:

 

كانت أولى كلماته مخصَّصة للأيزيديِّين، قبل المسيحيين، نظرًا إلى العنف الذي تعرَّضوا له، وآلامهم التي تفُوق الوصف، تلك الآلام التي سكت عنها العديد من المَعنيِّين. أيضًا أشار إلى "العنف المقدس" وتكلَّم عن الله، مؤكِّدًا أنه لا يوجد أي مبرِّر لاستخدام اسم الله في جرائم إرهابية بشعة، وأكد للصحفيين أنه قرأ كتاب الفتاة الأيزيدية "ناديا مراد" حول قصة سبْيِها، وأن ذلك كان أحد الدوافع الأساسية إلى قراره بزيارة العراق. وبذلك، فإنه أعطى زيارته بُعدًا إنسانيًّا واسعًا.

 

على الصعيد الديني (المسيحي):

 

كان للزيارة تأثير كبير في الجانبَين المعنوي والنفسي للفرد المسيحي، وكان أبرز رسالة أوصلها إلينا البابا، هي التي تقول: "لستم وحدكم"، وهذا ما عبَّر عنه أكثر من مرة، وكان في كل مرة يمدُّنا بقوة ودعم، كنَّا في أشد الحاجة إليهما، بعد الإحباط الذي سبَّبه تناقص عدد المسيحيين في الوطن، وأكد البابا أن إفراغ العراق من مواطنيه المسيحيين، لن يشكل ضررًا جسيمًا عليهم فقط، بل على النسيج الاجتماعي بكامله.

 

على الصعيد الكنسي:

 

أتوقع أن نشهد بعد هذه الزيارة بعض التغييرات الإيجابية على مستوى الكنائس. فحضور قداسة البطريرك "مار كوركيس صليوا الثالث" (بطريرك كنيسة المشرق الآشورية)، إلى القداس الذي أحياه البابا في (ملعب فرنسو حريري) في أربيل، وترحيب البابا به في كلمته بحفاوة - كان شعورًا صعب الوصف، لأنه مَنحني -أنا المسيحية- شعورًا بالقوة، وبإمكانية اختزال المسافة بين الكنائس، عندما قال: "شكرًا أخي العزيز، معك أعانق المسيحيين من مختلف الطوائف... نسير معًا دون تردد نحو ملء الوحدة".

 

على صعيد العمق الحضاري:

 

كان للزيارة أثر بالغ، في حث المواطن المسيحي على التمسك بجذوره التاريخية الضاربة في عمق الحضارة الإنسانية منذ آلاف السنين، هذا إضافة إلى كون خطابه حول التمسك بالأرض والوطن، من العوامل المؤثرة معنويًّا في المسيحيين بشكل خاص.

 

كل ما سبق يقودنا إلى إمكانية بروز وجهة النظر، التي ذهبت إلى أن هذه الزيارة كانت تتضمن -إضافة إلى كل الأهداف المعلنة- هدفَ تحقيقِ التقارب بين البشر عبْر الأديان، ومحاولة التحكم في المشاكل الناجمة عن العنف المستخدَم باسم الله. وبدا ذلك واضحًا في حثِّ البابا أتْباع أيِّ دين على التخلي عن لاهوت التكفير، والتوجه نحو لاهوت التنوير، ليؤكد بذلك ضرورة استخدام الدين لزرع الخير، والابتعاد عن طريق الشر.

 

 

(تعددية)