موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٣ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٢

ثَمرَ التينة

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
المطران كريكور اوغسطينوس كوسا، اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك

المطران كريكور اوغسطينوس كوسا، اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك

 

إذا ألقينا نظرةً عن كثب على شجرة التين، نجد أنّ قوانين هذا النوع من الشجر مختلفة عن قوانين الأشجار الأخرى. فالأشجار الأخرى تزهر قبل أن تحمل ثمارها، وتعلن عن الثمار الآتية من خلال وعد الزهرة، هذا النوع وحده يحمل الثمار منذ البداية بدل الزهر. في الأشجار الأخرى، تسقط الزهرة وتظهر الثمار. في هذا النوع، تسقط الثمار لتترك مكانها للأوراق . هكذا، فإنّ هذه الثمار الأولى تظهر مكان الزهر، وكونها لم تعرف نظام الطبيعة في ولادتها المبكرة، فهي لا تستطيع المحافظة على ميزة الطبيعة.

 

عندما تتغطّى الأشجار الأخرى بالبياض في بداية الربيع ، نجد التينة وحدها لا تتغطّى بالزهر. ربّما لأنّه لا يمكن انتظار النضوج من هذه الأنواع من الثمار. أو لأنّ ثماراً أخرى تظهر على الأغصان، فتسقط هذه عن الشجرة، وتصبح ساقها الضعيفة يابسة وتترك مكانها لتلك التي سيكون النسغ مفيدًا أكثر لها. لكن تبقى بعض الثمار النادرة التي لا تسقط، كونها نمت على ساق قصيرة ، بين عضيدين: مغطّاة مرّتين ومحميّة كما في أحشاء الطبيعة الأم، فقد غذّاها نسغ كثيف وسمح لها بالنمو "فأثمرت وأعطت بعضُها مائة، وبعضُها ستين، وبعضُها ثلاثين" (متى ١٣: ٢٣).

 

هكذا، فإنّ طبيعة هذه الشجرة تشير إلى ميزة الهيكل المُقدّس، ميزة مثمرة في نموّها الثاني - لأنّنا من سلالة آباء الكنيسة - وكما نقارن اليهود بالثمار الفاسدة لأنّ قلبهم القاسي ورأسهم العنيد لم يسمحا لهم بالتوصّل إلى حالة ثابتة ومعرفة الحقيقة.

 

ولكن، إذا آمنوا ومن ثُمَّ ماتوا وسقطوا من هذا العالم، ودوفنوا كحبةِ الحنطة في الأرض الطيّبة، سيولدوا مجدّدًا من خلال نعمة العماد والأسرار المقدسة، وعندئذٍ سيكونون مثمرين.

 

ما قيل عن اليهود في القديم، يجب أن يحثّنا على الاحتراس بشأن أنفسنا، خوفاً أن نُعدّ من أبناء الكنيسة بدون استحقاق، نحن المباركين "كالكرمةِ والتينةِ والرمّانِ وشجرِ الزيتون" (سفر حجّاي ٢: ١٩)، نحن الذين يجب علينا أن نحمل ثماراً روحية داخليّة، وهي: ثمار السلام والمحبّة المتبادلة، ثمار القداسة والوحدة الكاملة، ثمار التضحية وبذل الذات، ثمار الصدق والإخلاص، ثمار الحشمةِ والطهارة والنقاوة، كوننا موجودين في حشا أمّنا الكنيسة نفسه، كي لا يفسدنا الهواء أو البرد، أو تحرقنا نار الطمع والحقد والحسد، أو تفصلنا عن بعضنا الرطوبة والأمطار "فأثمِروا إذاً ثمراً يَدُلُ  على توبتِكُم... وكُلُّ شَجَرةٍ لا تُثمِرُ ثمراً طيباً تُقطعُ وتُلقى في النار" (متى ٣: ٨ و١٠).