موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٣١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢١

بينَ حولٍ وَحول

بقلم :
الأب فارس سرياني - الأردن
بينَ حولٍ وَحول

بينَ حولٍ وَحول

 

عُرِفَ عن الشّاعرِ زُهيرٍ بِن أبي سُلمى، كَتَابَته لِقصائِد سُمّيَت بِالحوليات. وهي تلكَ القصائد الّتي كانَ يَكتُبها خلالَ عامٍ كامل. واليوم يا أَحِبَّة، ها نحنُ نُنهِي كِتابَةَ حَولِيّةٍ، تُضافُ إلى مجموعةِ حَولِيّاتِ حَياتِنا الشَّخيصة، والّتي خَطَّينَا حُروفَها وكَتبنَا أَبياتها، بِحبرِ الظّروفِ وَرَصاصِ الأحدَاث.

 

وفي أَثناءِ مَسيرةِ الكتابة، كانَ بإمكانِ زُهير أن يُبدّلَ ويُزيلَ ويُعدّلَ على أَبياتِ حَوليّتِه، فَتَخرجَ بِأجمِل نَسَقٍ، وَأَبهى مَعنى، وَأَعذبِ صورة. أَمّا أبياتُنا، فَالبعضُ منها يَستَحيلُ تَغيرُه وتَبديلُه! فَمَا كُتِبَ قَد كُتِب! فَكَم من تلكَ الأبياتِ نَكَرهُها؟ وَنَتَمنّى لو يعود بنا الزّمنُ إلى الخلفِ شيئًا، لِنَتَداركَ الأخطاءَ ونمنعَ وقوعَ المصائبِ وحلولَ الضّيقات الّتي أَلَمَّت بِنا وَبِأَحبّتِنا!

 

ولكنَّ الزّمنَ الّذي مَضى لَن يعود، والّذي جَرى قد جَرى، حتّى لَو كَرِهنَا كَيفَ جَرى! هذا العام بِحُلوهِ سَوفَ يمضي، وَهَذهِ السّنةُ بِمُرِّهَا سَوف تَنقَضي. وَجميعُ ما حصلَ فيها، سَيوضَعُ في صندوقِ الذّكريات. ذِكرياتٌ نَسْتَعذِبُها وأخرى تُعَذِّبُنا.

 

في هذا المساء، ونحن نُراجعُ شريطَ الأيّام، نَتَذكّرُ كَم من أبياتِ حَولِيّتِنا أَضحَكَتنا وَأَفعَمَتنا سرورًا، وجَعَلت القَلبَ فينا يَرقصُ جَذِلًا وفَرِحًا. وَكَم مِن أَبياتٍ أُخَر أفْجَعتنا وَأَبكَتنَا، وَعَصَرِت الفؤادَ فينا أَلَمًا وَأَسَى! كَم من الأبياتِ أَسقَتنا الحلاوةَ كؤوسًا، وكم من الأبياتِ جَرَّعتنَا الحُزنَ حَنْظلًا وَعَلقمًا!

 

هَذه السّنة كَانت ثَقيلةً كالّتي مِن قَبلِها. اِستَقبلناها بجائِحة، ونُودّعها والجائحةُ تُرافِقُنا إلى العامِ الجديد. اِستَقبلناها بموسمٍ مَطري ضَعيف، ونودِّعُها بِشَبهِ جَفاف! بيوتٌ بَلَّلتها دموعُ الأحزان، وَعَلَت فيها أصواتُ الحسراتِ، وغصّاتُ القُلوب. بيوتٌ تَألّمت هذه السّنة، فَقَدَت أَحبّةً لها، أُصيبَت بِأَمراضٍ عُضال، أُنهِكَت من كَثرةِ الضّيقات. وفي المقابل، بيوتٌ أُخرى تَنَعّمَت وابتَهَجت، وعَلَت فيها أصواتُ الأهازيجِ والزّغاريد، وسُرَّت الجَنباتُ وساكِنوها بمناسباتٍ طيّبة. فَلِمَن تَألّمَ نُعزِّيهِ وَنسنِدُه بِصلاتِنا وَمواساتِنا. ولِمن فَرِحَ نفرحُ مَعَهُ مُهنِّئين.

 

لا زِلتُ أَذكرُ تِلكَ القَصيدةَ الّتي مَطلَعُها يقول:

 

لِكُلِّ شَيءٍ إِذَا مَا تمَّ نُقصَانُ   فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ

هي الأمورُ كَما شَاهَدّتُها دُوَلٌ   مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءَتهُ أَزمَانُ

وَهَذهِ الدّارُ لا تُبقي عَلى أَحدٍ   وَلا يَدومُ عَلى حَالٍ لها شانُ

 

أَيّها الإخوةُ والأخوات الأحبّاء، في هذا المساء، نُودّعُ عَامًا شاكرينَ الله على كلِّ مَا أَتَانا فيه، مُستَغفرينَ إيّاهُ عَن كلِّ زلّةٍ وإثمٍ اِرتَكبناه، سَائِلينَه الصّبرَ على كلّ مَشَقّةٍ كَابدنَاها، مُستَعِدِّينَ لاستقبالِ عامٍ جَديد، وعيونُنا تَبرقُ بالأملِ وقُلوبُنا تَشتَعِلُ بالرّجاء. تَسوقُنا الرّغبةُ وتدفعُنا العزيمةَ لِنجعلَ من عَامِنا القادِمِ الجديد، أَفضلَ من عامِنا الّذي سَيمضي. صحيحٌ أَن قد لا يكونُ دومًا زمامُ الأمورِ بأيدينا، فَهناك أمورٌ سَتَقع ونَرجو ألّا تَقَع. ولكن على الأقل، دَعونا نَسعى في الّذي نَقدرُ عَليه، أن يكونَ أخيرَ وأجمل، مُتَجنّبينَ أَخطاءَ الماضي، سَاعين للتّطويرِ والتَّحسين.

 

ودعوني أقولُ لَكم شيئًا أخيرًا: إنّ الشّمسَ الّتي أَشرَقَت عَلَينا صَبيحةَ هذا اليومِ الأخيرِ من العام، هي نَفسُ الشّمس الّتي سَتُرسِلُ إلينَا ضياءَها غدًا، مع أولِ يومٍ من أيّام العامِ الجديد. وَما أَشهرُ السّنةِ وأيّامُها سوى تِعْدادٌ وَضعَه الرّومان بناءً على حساباتٍ فَلكيّة، فَسُمّي بالتّقويمِ اليولياني. ثمّ أَصْلَحتهُ الكنيسةُ الكاثوليكية، فَسُمّي بالتّقويمِ الغريغوري، الّذي نسيرُ عليه اليوم.

 

خلاصةُ الحديث: أنت مَن يَصنعُ الفرق! فَالشَّمسُ هي نَفسُها الشّمس، واليومُ هو ذاتُه اليوم، والساعةُ ستّون دقيقة، والدّقيقةُ ستّون ثانية... وأنت مَن يُقرّرُ، بنسبةِ 80% على الأقل، كيف يكونُ يومُك، وكيفَ سَتُنهي عَامَكَ الّذي سَيبدأُ قريبًا. وكلُّ عام ونحن جميعًا بخيرٍ وبركةٍ ونعمةٍ وسلام