موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٠ يونيو / حزيران ٢٠٢١

اليابان.. والحضارة عبر الأخلاق

كاتب مصري

كاتب مصري

إميل أمين :

 

بعيداً عن الشرق الأوسط وإشكالياته التقليدية هذه المرة، نتتوجه إلى الشرق الأدنى أو الآسيوي، محاولين التوقف أمام تجربة نهضوية، نحتاج إلى فك شيفراتها. تبقى التجربة اليابانية مثيرة للتأمل ومدعاة للتفكر لقوم يعقلون، لا سيما، وأن تاريخها المعاصر بعد الحرب العالمية الثانية، يجعل منها نموذجاً لمن يتطلع للنهضة، عبر توازنات تجمع الأصالة والمعاصرة.

 

حكماً كان هناك مثلث قيمي رفع اليابان إلى أعلى عليين في عدة عقود، العلم والمعرفة والأخلاق، ما جعل حياتهم تتطور لتناسب احتياجاتهم الوقتية، وتؤمن لهم مستقبلهم المجهول.

 

والثابت أن إيمان اليابانيين بحتمية التاريخ وطلاقة القدرة الإنسانية، جعلتهم لا يدخرون وسعاً في البحث عن هويتهم الثقافية والإنسانية، وفي الطريق تمسكوا بسلاح العلم التقني التجريبي الذي جعل الوصول للحقيقة أمراً مؤكداً.

 

لكن ما الذي يجعل اليابان أمة ذات جذور راسخة في الأرض حتى في أصعب الظروف والفخاخ الإنسانية وفي مواجهة ثورات الطبيعية؟ يدرك القاصي والداني أن اليابان لديها من الخبرات العلمية، ما يجعلها قادرة على تحويل مصانعها المدنية إلى مصانع عسكرية في وقت قياسي. والأكثر من ذلك أن لديها الخبرة التكنولوجية والعلمية التي تجعلها تحصل على قنبلتها النووية متى شاءت في أقل من ستة أشهر.

 

لكن الواقع هو أن البناء الأخلاقي والفكري للطفل الياباني، هو من سيمكن هذا البلد الآسيوي الفقير في موارده الطبيعية، من أن ترتقي معارج المجد، فالأخلاق أساس من أساسات صناعة الحضارات، والعهدة على الراوي أبو علم الاجتماع العربي، ابن خلدون.

 

تبدأ اليابان نسج خيوط الحضارة من عند سنوات الدراسة الأولى، حيث تدرس من الصف الأول الابتدائي إلى السادس منه، مادة منفصلة عن الأخلاق، تعلمهم وتدربهم على أفضل طريق للتعاطي مع الآخر، سواء كان من اليابانيين أو من بقية شعوب العالم.

 

مادة الأخلاق هي التي رأى العالم انعكاساتها في الداخل الياباني بعد كارثة مفاعلة فوكوشيما النووي، إذ لم تبد في الصورة معالم التزاحم أو مظاهر التدافع، بل نظام واحترام، جلد وصبر على الأقدار.

 

في اليابان يصدق المثل العربي، «التعليم في الصغر كالنقش على الحجر»، ولهذا فأنه من الصف الأول الابتدائي إلى ثالث متوسط، لا تسود منظومة التعلم من أجل الإمتحانات التلقينية التي ترتكن إلى الاتباع من غير سعي في طريق الإبداع، ومرد ذلك هو أن الهدف يتمثل في التربية وغرس المفاهيم، وبناء الشخصية.

 

اليابانيون من أغنى شعوب العالم، لكن ليس لديهم خدم داخل الأسرة، فالأب والأم هما المسؤولان عن البيت والأولاد. وأطفال اليابان يقومون مع أساتذتهم بتنظيف مدارسهم لمدة ربع ساعة كل يوم عقب إنهاء وقت الدراسة.

 

قصة الأخلاق في اليابان تحتاج إلى دراسات قائمة بذاتها، وما السطور المتقدمة الإ حافز في طريق إعادة قراءة الأخلاق اليابانية بصورة خاصة، ومسيرة التنمية والتطوير الآسيوية بشكل عام، علنا نجد فيها ما يدفعنا من جديد في طريق رؤية تصحيحية عربية منشودة.

 

 

(الاتحاد الإماراتية)