موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢١ ابريل / نيسان ٢٠١٩

القيامة مفرحة للإنسانية

بقلم :
الأب بيوس فرح ادمون - مصر

1- قال الملاكان وهما يبشران النسوة بقيامة المسيح: "لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟! ليس هو ههنا، لكنه قام" (لو 24: 5، 6). إن عبارة المسيح الحي مفرحة للتلاميذ. ولكنها كانت تخيف رؤساء الكهنة، كما أنها تخيف الخطاة جميعًا. وكثيرون مثل كهنة اليهود يريدون أن يتخلصوا من المسيح، لأن وجوده يبكتهم ويكشفهم، وبوجوده يخزي وجودهم الخاطئ. 2- كانت قيامة السيد المسيح فرحًا للتلاميذ ولنا أيضًا كان يوم الصلب يومًا محزنًا ومؤلمًا من الناحية الانسانية، وإن كان من الناحية اللاهوتية يوم خلاص، ولكن الناس لم يروا سوى الآلام والشتائم والإهانات والبصاق والمسامير، ولم يروا ذلك الخلاص، وكان التلاميذ في رعب، فلما رأوا الرب فرحوا. بقدر ما كان التلاميذ في حزن وفي قلق شديدين يوم الجمعة، على نفس القدر أو أكثر كانوا يوم الأحد في فرح بسبب القيامة. وتحقق قول الرب لهم من قبل: "ولكني سأراكم أيضاً فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو 16: 22). لقد فرحوا لأنهم رأوا الرب، وفرحوا لأن السيد قد انتصر في معركته ضد الباطل، وأنه "سيقودهم في موكب نصرته" (2 كو 2: 14) وفرحوا لأنهم تخلصوا من شماتة الأعداء بهم، كما تخلصوا من قلقهم واضطرابهم واختفائهم، واصبح الآن بإمكانهم أن يخرجوا ويواجهوا الموقف، ويتكلموا بكل مجاهرة وبكل قوة عن قيامة المسيح. فرحوا لأن الصليب لم يكن نهاية القصة، وإنما كانت لها نهاية مفرحة بالقيامة، أزالت آلام الجلجثة وجثسيماني وما بينهما وما بعدهما. هو قال لهم "أراكم فتفرح قلوبكم". ونحن نعيد بأفراح القيامة، التي تشعرنا بأن المسيح حي معنا، وأنه لا يمكن أن يحويه قبر، هذا الذي يحوي الكل في قلبه. لقد فرح التلاميذ بقيامة الرب، فرحوا إذ رأوه. وكانت قيامته نقطة تحول في تاريخ حياتهم، وفي تاريخ المسيحية. 3- بقيامته فرحوا أن القيامة ممكنة هكذا قال عنه القديس يوحنا الرسول "الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا.." (1 يو 1: 1). وقال القديس بطرس الرسول".. نحن الذين أكلنا وشربنا معه، بعد قيامته من الأموات" (أ ع 10: 41). بالقيامة، تحول خوف التلاميذ إلي جرأة وشجاعة، وعدم مبالاة بكل القوي التي تحارب كلمة الله.. وهكذا استطاع بطرس بعد القيامة أن يقول "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس". لم يعد التلاميذ يخافون شيئاً في روح القيامة. أقصى ما يستطيعه أعداؤهم أن يهددوهم بالموت. وما قيمة التهديد بالموت، لمن يؤمن بالقيامة. وقد رآها! بهذا آمنت المسيحية ان الموت هو مجرد انتقال، وأنه ربح، وأنه أفضل جداً ولم يعد يخشاه أحد. 4- وبالقيامة، شعر التلاميذ أنهم في ظل إله قوي.. الذي يؤمنون به "بيده مفاتيح الهاوية والموت". فيه الحياة، بل هو القيامة والحياة.. من آمن به، ولو مات فسيحيا.. وهو مصدر الحياة، ليس علي الأرض فقط، وإنما الحياة الأبدية أيضًا.. 5- وفرح التلاميذ لأن الرب وفي بوعده لهم لما تحققت أمامهم وعود المسيح لهم بأنه سيقوم وسيرونه، وثقوا أيضاً بتحقيق كل الوعود الأخرى التي قال لهم عنها مثل "أنا ماض لأعد لكم مكاناً. وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً، آتي أيضاً وآخذكم إلي، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً" (يو 14: 2، 3). وثقوا أيضًا بوعده عن إرسال الروح القدس إليهم (يو 16: 7)، وأنهم سينالون قوة متي حل الروح القدس عليهم (أع 1: 8). وثقوا بوعده "ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر" (متي 28: 20). وكل هذه الوعود منحتهم قوة وإيماناً وفرحًا. 6- وفي فرح التلاميذ بالقيامة، فرحوا أيضاً بكل ألم يلاقونه في سبيل الشهادة لهذه القيامة. لقد أصبح للألم مفهوم جديد في فكرهم وفي شعورهم، لأنه قد صار لهم فكر المسيح (1 كو 2: 16) أصبح الألم في اقتناعهم هو الطريق إلي المجد، كما حدث للمسيح في صلبه واضعين أمامهم هذا الشعار "إن كنا نتألم معه، فلكي نتمجد أيضاً معه" (رو 8: 17). وهكذا تحملوا الألم وهم يقولون "كحزاني ونحن دائماً فرحون" (2 كو 6: 10). 7- وبالقيامة أصبح الصليب إكليلاً ومجدًا، وليس ألمًا.. ما عاد التلاميذ يتضايقون من الآضطهادت. وهكذا يقول بولس الرسول "لأني أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح" (2 كو 12: 10). ويقول أيضًا "كحزاني ونحن دائماً فرحون" (2 كو 6: 10). 8- وصارت القيامة فرحًا لجميع المؤمنين وبشري بالقيامة العامة والقيامة أعطت المسيحيين رجاءً في العالم الآخر، فركزوا فيه كل رغباتهم، وزهدوا هذا العالم. إن كل ما نشرته المسيحية من حياة النسك، والزهد، وحياة الرهبنة، والموت عن العالم، كل هذا مبني علي الإيمان بالقيامة، والتعلق بالعالم الآخر الذي تصغر أمامه كل رغبة أرضية. وهكذا تردد الكنيسة على اسماعنا في كل قداس قول الرسول: "لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التي في العالم، لأن العالم يبيد، وشهوته معه". 9- وفي الفرح بالقيامة، فرح بالملكوت الذي يكون بعدها، وبالنعيم الأبدي وكل ما فيه وفي فرح القيامة فرحوا أيضًا بالملكوت الذي يكون بعدها، وبالنعيم الأبدي وكل ما فيه، واستطاع القديس بولس الرسول أن يعبر عن ذلك بقوله "ما لم تره عين، ولم تسمع به اذن، ولم يخطر علي بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه" (1 كو 2: 9). وتحدث هذا الرسول أيضاً عن الإكليل المعد فقال: "وأخيراً قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل. وليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً" (2 تي 4: 8). كما أن الرب في سفر الرؤيا، شرح أمجاداً أخري للغالبين سينالونها بعد القيامة. فتحدث عن شجرة الحياة، وإكليل الحياة، والمن المخفي، والاسم الجديد، والسلطان، وكوكب الصبح، والثياب البيض (رؤ 2، 3). بل ما أجمل قوله "من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي، كما غلبت أنا أيضًا وجلست مع أبي في عرشه" (رؤ 3: 21). إننا لا نستطيع أن نفصل القيامة عن أمجاد القيامة، هذه التي من أجلها اشتهي القديسون الموت. فقال بولس الرسول "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك افضل جدًا (في 1: 23). وقال الرسول أيضاً "ونكون كل حين مع الرب". وتحدث القديس يوحنا في رؤياه عن أورشليم الجديدة، النازلة من السماء التي هي مسكن الله مع الناس. حقًا ما أجمل القيامة التي تؤدي إلى كل هذا، وكل هذا ننتظره نحن في رجاء، فرحين بالرب وبمواعيده! 10- وبهذا أعطتنا القيامة رجاءً في العشرة الدائمة مع المسيح فرحة القيامة ليست هي مجرد أن تقوم، إنما بالحري أن نقوم مع المسيح، لنحيا معه، حيث يكون هو. وهكذا صارت القيامة وسيلة، وليست غاية في ذاتها. وسيلة للحياة مع الرب، والتمتع به، في فرح دائم، لا ينطق به ومجيد، مع مصاف ملائكته وقديسيه. أصبحت القيامة شهوة الكل، وايمان الكل، كطريق يوصل إلي الأبدية مع الله، التي هي هدف حياتنا علي الأرض.