موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٧ يناير / كانون الثاني ٢٠٢١

الصحفيون تحت النار!

علاء الدين أبو زينة

علاء الدين أبو زينة

علاء الدين أبو زينة :

 

عندما ضربت جائحة كورونا إيطاليا بقسوة في بدايات العام الماضي، وأصبح الأطباء يبكون لأن عليهم اختيار مَن يعيش ومَن يموت على أبواب غرف العناية الحثيثة، أعلنت الدولة إغلاقاً صارماً. لكنها استثنت من الحظر ثلاثة قطاعات: محلات السوبرماركت، والصيدليات، والإعلام. أما لماذا وضعوا الإعلام مع الطعام والدواء، فلأن عمل الإعلام كان حاسماً مثلهما في حفظ الحياة، لأنه ينقل الرسائل الحكومية في المعركة مع الوباء ويُبقي الناس على اطلاع.

 

عنى ذلك أن يتحرّك الصحفيون في الميدان حتى تكون لدى الناس– والدولة- صورة عريضة واضحة عما يجري. وفي الحقيقة، ينبغي أن يكون رسم هذه الصورة هو دور الصحفيين الدائم، مع وباء ومن دونه. فالإعلام هو الذي يمتلك العدسة الواسعة التي تستطيع تجميع أجزاء الصورة من كل الزوايا والأماكن، نحو تركيب مشهد بانورامي للمواطنين والمسؤولين. ومن المحتّم أن تقع بعض الأحداث في الزوايا المظلمة والأزقة والكواليس والغرف الخلفية السرية، والتي يضع ارتيادُها الصحفيين تحت الخطر من مختلف الدرجات.

 

إذا سعى الصحفي وراء قصة تفضح متنفذين أو رجال عصابات أو فاسدين، فيُحتمل كثيراً أن يُستهدف بالتصفية الجسدية المباشرة. وإذا غطى حرباً أو احتجاجات يدخل فيها العنف، فإنه يكون عُرضة للموت أيضاً. لكنّ هناك أنواعاً أقرب من الخطر اليومي على الصحفي: التضييق المتواصل للمساحات التي يُمكن أن يتحرّك فيها، وتسليط سيف الرقيب الأمني والذاتي على ضميره ويده ولسانه. وفي ذلك على الأقل قتل لمهنته، سواء لجهة فقدان الشغف والحس بالجدوى مع السير في حقل ألغام حقيقي، أو لجهة جعل ناتج عمله باهتاً مسطحاً غير صالح للاستهلاك، بما يعني إفقار الإعلام وإفلاسه، فتسريح الصحفي وقتله جوعاً.

 

في السنة الماضية، سنة الوباء، أصبح الصحفيون تحت النار من كل الجهات، وبلا حماية. أولاً، فاقمت الإغلاقات الأزمة المالية التي تعاني منها الصحافة– والورقية منها بشكل خاص. من ناحية، توقف توزيع الصحف بسبب حظر التجول، والخوف من انتقال الفيروس عن طريق الورق. ومن جهة أخرى، توقفت عوائد الإعلان والاشتراكات الشحيحة مُسبقاً، لأن عمل المُعلنين توقف أيضاً وعانوا من أزماتهم الخاصة، ولأن الإعلان لا معنى له عندما لا تصل الصحف إلى مستهلكيها. وقد رتب ذلك المزيد من تخفيض أجور الصحفيين، أو تسريحهم أو إيقافهم عن العمل ووضعهم في إجازات إجبارية بنصف راتب أو أقل.

 

كان هذا متناقضاً تماماً مع أهمية الإعلام والإعلاميين في مناخات الحرب مع الوباء كما قدّرها الإيطاليون. وبدلاً من التركيز على دعم عمل الإعلام في هذه الظروف، تقرر أن يكون الإعلاميون من ضحايا الفيروس الأوائل– ببساطة، لأن جعل الناس على دراية هو آخر الاهتمامات لدى كيانات تستفرد برسم الصورة، وتستأثر بمنصات الخطاب. وحتى المساحة التي أُفردت للصحفيين المحاصرين مسبقاً، كانت مقيّدة، حيث اشترطت السلطات المستقوية بالقوانين الطارئة التي بررها الوباء على الصحفيين تمرير المعلومات المقننة التي تريدها هي. وإذا فعلوا غير ذلك، فإنهم «مضلِّلون»، «غير وطنيين»، «مضرّون بالمصلحة العامة»، وهو ما يعني تبرير استهدافهم بالإسكات– أو حتى الاعتقال.

 

لكنّهم حين التزموا بالحدود المرسومة، أدرك الجمهور الحسّاس أنهم غير صادقين ولا موثوقين، وأنهم منحازون لجهة. ويعني فقدان بقية الثقة في صدقية الصحفي «المنحاز»، المزيد من مقاطعة منتجه، فإفلاس مؤسسته، فقطع رزقه.

 

حسب تقرير للكاتبة ميرا سيلفا نُشر في مجلة «فورين بوليسي»، غيّر رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، القانون الجنائي لبلده ليهدد بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات أي شخص يُعتقد أنه يعيق مكافحة الفيروس عن طريق «تشويه» الحقائق. و»أحصى معهد الصحافة الدولي 17 دولة حول العالم أقرت قوانين جديدة ضد الأخبار المزيفة في العام 2020، والتي كان لقادتها سجل في تقويض الصحافة وتفكيكها بشكل منهجي».

 

وحسب التقرير، تعرض صحفيون إلى اعتداءات من المحتجين على الإغلاقات في أكثر من مكان، و»اتُّهموا بأنهم جزء من نخبة المؤسسة– ولذلك لا يجب الوثوق بهم». وهكذا، انفتحت كل أبواب الجحيم على الصحافة التي لم تعد من هنا ولا من هُنالك. ويبدو أن الدائرة الشرسة مرشحة لأن تضيق أكثر على الصحافة والصحفيين الذين لا يعرفون كيف يتّقون الخطر القادم من كل اتجاه.

 

(الغد)