موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٦ يونيو / حزيران ٢٠٢٠

الحياة المتجددة

بقلم :
الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني - مصر
الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني

الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني

 

الله مصدر هذه الحياة التي إعطاها للإنسان وجعل الكون لخدمته، لكي يعيش حياة مليئة بالخير والسلام مع المخلوقات. وتمر الحياة بالصعوبات على مر التاريخ، وفي وسط الأزمات، تعلن الخليقة أن الله هو سيد التاريخ، عكس ما ينادي به بعض الفلاسفة بأن أصل الكون مصدره الماء أو النار أو انفجار.

 

تعود الحياة المتجددة على الإنسان والمجتمع بالعديد من الإيجابيات، وعلى الإنسان أن يستغل هذه الفرصة لكي تعود على المجتمع بالخير العام وعلى البشرية جمعاء. يقول البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته انجيل الحياة "الإنسان مدعو إلى حياة زاهدة تتخطى حدود وجوده على الارض لكونها اشتراكًا في حياة الله ذاتها". نحن نعيش في زمن مليء بالتغيرات على كوكب الأرض ومليء بالتساؤلات: لماذا؟ وكيف؟ وهل؟ وكل علامات التساؤل التي في فكرنا وخارجه موجودة على أرض الواقع.

 

تختلف هذه الحياة عن ما قبل فيروس كورونا، وكما يقول الفيلسوف اليوناني هرقليطس "إن الحياة فيها تغيّر دائم باعتبار التغيّر هو الجوهر الأساسي في الكون"، وكما جاء في قوله: "لا ينزل الرجل النهر مرتين أبدًا، لأن في كل مرة تغمره مياه جديدة".

 

وسط صعوبات الحياة وظلامها ينبثق النور الذي من خلال الأطباء الذين يسهرون ليلا نهارًا لإنقاذ حياة البشرية، مع الله. كيف ينقذوا الإنسان من هذا الوباء؟ يقول البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته المذكورة سابقًا: "الطب مدعو إلى حماية الحياة البشرية". نعم الأطباء أصبحوا حاملين كهل البشرية ويقدموا حياتهم في سبيل إخوتهم، لذلك نرفع الصلاة والدعاء من أجلهم.

 

تمتلىء هذه الحياة بالخبرات الجديدة التي زرعت في قلوب المؤمنين إيمانًا لا يتزعزع بقدرة الله العجيبة. ولا يجب أن يدفعنا هذا الوباء إلى اليأس، بل إلى الدعاء ورفع الصلوات إلى الله القدير والتماس رحمته ومحبته غير المتناهية. يقول صاحب المزمور "أيها الرب إلهي إليك صرخت فشفيتني" (مز 30: 3)، مثلما عاشت البشرية يوم 14 أيار يوم صلاة وصوم من أجل أن ينتهي الوباء من هذا العالم.

 

يتساءل نزار قباني "هل يملك النهر أن يغيّر مجراه؟". ولكن أقول لك: أيها الانسان أنك تملك كل شيء لكي تصنع أجمل ما في داخلك للأخرين.

 

تدعونا الحياة: إلى التجديد الدائم على مستوى الإنسان، وفي منهجية التعليم على كافة المستويات، وإلى منهجية جديدة في التعامل مع الآخرين بأن الآخر هو عطية من الله لنا. تدعونا إلى كرامة الجنس البشري واحترام الحياة. تدعونا إلى التفكير والتساؤلات لإنقاذ البشرية. يقول بعض الكتاب "ما الفشل إلا هزيمة مؤقتة تخلق لك فرصة النجاح".

 

تدعونا الحياة للانتقال من الأنا الى الآخر، يقول أحد الفلاسفة "تبدأ الحياة عندما نزيح جانبًا الأنا الخاصة بنا، ونفسح المجال لمحبة الأخرين". تدعونا إلى المشاركة والعمل الجماعي لكي نحصل على إنجازات. تدعونا إلى التغير الحقيقي في علاقتنا مع الله، ويعكس هذا التغير في التعامل مع الآخرين، ويقول وليام شكسبير "شق طريقك بابتسامتك خير من أن تشقها بسيفك". 

 

وكما قلنا، فإن الحياة تدعونا على حسب كلمات البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته المذكورة: "إن كل كائن بشري يتساوى وجميع الآخرين تساويًا مطلقًا فيما يتعلق بحقه في الحياة. وهذه المساواة هي أساس كل علاقات الاجتماعية الصحية".

 

الحياة الجديدة دخلت في كل بيت ونقشت في كل زواية، وتعلن للمجتمع أن الانسان هو الدرجة الأولى له كرامة في هذه الحياة ويشاركه الله معه في إيجاد الحياة للأخرين، فالحياة هي عطية مجانية من الله ذاته. نعيش اليوم خبرة إيمانية جديدة تدعونا إلى تسمية الحياة النابعة من أصل إلهي، والحياة التي نتطلع إليها، حياة القداسة، والتي بدورها تقودنا إلى الحياة الأبدية. إنها دعوة لنا لكي نعيش خبرة حياة جديدة مليئة بالحب والسلام.

 

اختم بكلمات البابا بولس السادس في رسالته الحياة البشرية عام 1968، حيث يقول: "إلى الحاكمين الذين هم أكبر المسؤولين عن الخير العام، والذين يستطيعون عمل الكثير للحفاظ على القيم الأخلاقية، نقول: لا تتركوا أخلاق شعوبكم تتدهور، ولا تقبلوا أن تتسرب بطريقة قانونية داخل هذه الخلية الأساسية للمجتمع، التي هي الأسرة، وتصبح ممارسات منافية للحياة. إخوتي المبجلين وأبنائي الأعزاء، وأنتم جميعًا أيها الأناس ذوي الإرادة الحسنة، كم هي عظيمة مهمة التربية في الحياة، وعيش خبرة حياة جديدة والتي هي في واقعنا اليوم، إنها تدعونا للتقدّم بالمحبة والعمل بشكل متساوٍ".