موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٧ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٢

التنشئة العائلية للشبيبة المسيحية

بقلم :
بسام دعيبس - الأردن
التنشئة العائلية للشبيبة المسيحية

التنشئة العائلية للشبيبة المسيحية

 

سأحاول قدر الامكان ان اسلط الضوء على الجانب الخاص بنا كأسر مسيحية، مسؤولين مسؤولية كبرى امام الله وامام انفسنا، في تربية ابنائنا وبناتنا تربية مسيحية قائمة على الايمان والتعليم المسيحي، وترسيخ جذور الايمان والتعليم في الاذهان، ومواكبة ذلك من الصغر حتى الكبر وعلى الدوام، ومن هنا فان  البيت المسيحي وحتى يكون مسيحيا بمعنى الكلمة لا بدّ وأن تتوفر فيه  الميزات التالية

 

ان يكون السيد المسيح هو الاساس في ايماننا وفي حياتنا والساكن في بيوتنا وفي وسط اسرنا، وان يكون الروح القدس ملهمنا ومرشدنا وقائدنا، وان تكون السيدة العذراء  شفيعه وقدوة يحتذى بها، وان يكون قديسونا وقديساتنا امثلة صالحة لنا في الحُسن والتربية والتعليم ونبل الاعمال ومكارم الاخلاق، ولن ينفعنا في شيء احضار الكتب الدينية والافلام والصور والنشرات المسيحية الى بيوتنا طالما لم نفتح قلوبنا وبيوتنا للسيد المسيح ليحضر وليدخل بيننا ويتعشى معنا ويقيم في وسطنا، وعندها ستكون بيوتنا مسيحية بحق واسرنا مسيحية بامتياز، وكلما انطبق علينا قول القديس متى من ثمارهم تعرفونهم، كلما كانت بيوتنا واسرنا بيوتا مسيحية وأسرا مسيحية

 

ان الاشكالات والمشاكل التي تواجه شبابنا وشاباتنا تعود في معظمها الى ضعف الوازع الديني، والى غياب الدور الوالدي، والى الظروف المحيطة بالشبيبة وغيرها، الامر الذي يحتم علينا كاباء وكامهات مسؤوليات كبرى تجاه فلذات اكبادنا، تتلخص فيما يلي

 

ان الاوساط التي يعيش فيها الشباب والشابات هي اوساط مختلفة لا بل مناقضة للاوساط الروحية والدينية التي نشأوا فيها، حيث نجد ان اسلوب تغذية الفكر لدى الشبيبة قد بدا يتغير ويتأثر بمحيطه، الامر الذي يحتم على الاباء والامهات مساعدة الابناء والبنات على مقاومة هذه الاوساط التي تحفل ثقافتها بالخطئية والانانية والعشوائية والتمرد والانقلاب على القيم، وبدعمنا هذا سيكون ابناؤنا وبناتنا اعمدة في الكنيسة والبيوت والمجتمع، ونفرح بهم ويفرحوا هم بانفسهم ويفرح بهم  الجميع

 

ان تربية البنين والبنات تستدعي من اولياء امورهم اليقظة والتأهب، وكانهم في ميدان المعركة، وبالفعل الجميع في ميدان معركة الحياة، وكل من لا يحسن اليقظة والتأهب يخسر الكثير، فواقع ابنائنا وبناتنا ليس نزهة بقدر ما هو معركة حياة حقيقية، فلا ندعهم يتغذون ثقافة خاطئة مدمرة، الامر الذي يوجب على اولياء الامور ايضا تدريب الابناء والبنات على مقاومة هذه الحياة الخاطئة، والافكار الشريرة والاستعاضة عنها  بالحقائق التربوية المسيحية والالهية التي اعلنها الله لنا من خلال ابنه يسوع

 

وانتم ايها الاباء والامهات استثمروا طاقة الابوة والامومة التي منحكم اياها الخالق في التاثير على ابنائكم وبناتكم، وقدموا انفسكم نمطا  للايمان العامل بالمحبة وقدوة  حسنة للاحتذاء بكم، وناقشوا مع ابنائكم وبناتكم  بانتظام اساسيات الحياة المسيحية كما وردت في الكتاب المقدس، ومن خلال  سيرة العذراء في الايمان والطاعة والرجاء ومكارم الاخلاق، والاقتداء بالقديسين والقديسات، وهذا الامر يتطلب من الوالدين بطبيعة الحال معرفة الكتاب المقدس، وعيش حياة النعمة، ولا شك ان مسؤولية الامهات كبيرة لانشعال الاباء في اعمالهم فعليهن التشبه بامنا العذراء وبام القديس تيموثاوس وجدته حيث ذكر القديس بولس فضائلهما بقوله: اذ اتذكر الايمان العديم الرياء... الذي سكن اولا في جدتك لوئيس وامك افنيكي

 

من الجميل  لا بل من المفيد جدا ان نربي ابنائنا وبناتنا على الشركة في حياتنا اليومية، وليس على الفردية والانانية والفوضى، كما ان تربية الابن او البنت يجب ان لا يقوم على الدلال الزائد وتلبيه احتياجاتهما حتى  لو تطلب الامر تحميل الاسرة اعباء اقتصادية اضافية من منطلق محبتنا لهم او للتباهي امام الاخرين او لتفادي الاحراجات امام المعارف والجيران والزملاء والزميلات  وغيرها، لان ذلك كله يتنافى مع حياة التقوى وعيشة الكفاف وسيرة القداسة التي يجب ان نربي ابنائنا وبناتنا عليها، وما افتخار الام بابنتها امام الاخرين بما تلبسه او تقتنيه او تتزين به الا تصرف خاطئ يقود الى الضلال ويذهب بابنتها الى الغرور والانانية وحب الذات والابتعاد عن جادة الصواب، فحتى لو كانت الظروف المادية مواتية وميسرة فهذا لا يعني المبالفة في المصاربف الزائدة وتلبية الطلبات غير اللازمة لان في ذلك ضرر محتمل وليكن ذلك بالتفاهم والاقناع المتبادل  وليس فرضا او قسرا وان مثل تلك التربية ستنعكس عليهم انفسهم ايجابا عندما يصبحوا اباء وامهات

 

ان الاجواء الخارجية المحيطة بابنائنا وبناتنا وتاثيراتها عليهم تلعب دورا كبيرا في حياتهم سلبا او ايجابا، الامر الذي يستدعي الوالدين للتحقق من تلك الاجواء  ومدى ملائمتها لقيم ومبادئ وانماط حياتنا المسيحية، وعدم ترك الحبل على الغارب، فمساعدتهم على الابتعاد عن كل الاجواء السلبية والتخلص من تاثيراتها امر ضروري جدا، وبالمقابل فان تشجيعهم على الانخراط في الشبيبة المسيحية وتكوين مجموعات من خيرة الاصدقاء والصديقات، ومزاولة نشاطات كنسية ورعوية ومجتمعية وخدماتية وشبابية افضل بمئات المرات من رفاق السوء

 

ان وسائل التكنولوجيا والاتصالات والاعلام والمعلومات والمبتكرات الحديثة وما اّلت اليه من اجهزة ومواد كثيرة تداهم بيوتنا، وفيها ما هو المفيد جدا وفيها ما هو الضار جدا اي انها سيف ذو حدين، فمن واجب الوالدين تحصين ابنائهم وبناتهم بما هو ضروري ومفيد والاقلاع عما هو ضار ومدمر، ولا يتوافق مع المبادئ الدينية واخلاقيات الايمان والسلوك والحياة المسيحية، وان تتم التوعية الى تلك المخاطر وبشكل متبادل، بمحبة وبصراحة ودون خشية او خوف وان سقف الحرية الممنوح للابناء والبنات  لا بد وان يكون له رقابة وضوابط وعن قناعات متبادلة ايضا، وهذا الكلام ينطبق على التلفزبون والكمبيوتر والمجلات والكتب ومواقع الانترنت وغيرها

 

ان مواجهة موجات الانحراف والانسياق وراء اخلاقيات المجتمع الذي يعيش فيه الابناء والبنات دون ترو ودراية بما يدور بانفس من يتعاملون معهم وبما يدور حولهم، يدفع الاباء والامهات بان يكونوا من الشجاعة في وضع حد للانحرافات وتجنب رفاق السؤ والافكار الفاسدة وانماط السلوكيات المنحلة والفردية والمضلله مع ضرورة التشديد على الاختيار الصحيح والمعرفة الصالحة المبنية على الايمان والحياة المسيحية، وهذا يتطلب من الوالدين ان يكونوا قدوة لابنائهم وبناتهم في سلوكياتهم واخلاقهم وافعالهم وحياتهم المسيحية

 

على الوالدين تعليم ابنائهم وبناتهم قيمة انفسهم وعلاقتها في المسيح، وان تلك القيمة مستمدة من النعم التي اغدقها المسيح على الانسان من خلال تجسده واتخاذه طبيعتنا البشرية لنفسه، ثم بانعامه على الانسان بالتبني لابيه الصالح، وباتخاذ المسيح لنا  كاخوة له، وباقترانه بالنفس البشرية لتكون عروسا له، وان كل هذا الافضال العظيمة والنعم الجزيلة قد منحنا اياها الرب يسوع بشكل مجاني، فاذا عرف الابناء والبنات ايضا ان الروح القدس الذي نالوه يوم معموديتهم ومسحتهم بالمسحة المقدسة وبكل مرة يتناولون فيه جسد الرب ودمه الاقدسين، واذا تعلموا ان الجمال والقيمة الحقيقية لا تنبع من المظاهر والمقاييس التي وضعها البشر بل من القلب الداخلي العامر بالفضائل والقيم المسيحية الذي ينظر اليه الله، فان هذه النعم وما سبقها سوف تحفظهم من اي دنس خارجي وسوف ينعكس هذا الجمال الالهي الموجود بداخلهم على حياتهم وسلوكهم بشكل علني وجميل

 

ان تبديد المفاهيم الخاطئة والتعريف بالحقائق  بخصوص العلاقات غير الشرعية التي  يروج لها دعاة الانحلال، تحتم على الوالدين ان يكونوا مثلا لابنائهم وبناتهم في السير باستقامة اولا، وان يحرصوا على توعية ابنائهم وبناتهم  وتزويدهم بالمعلومات الدقيقة عن كل الافكار والتيارات المنحرفة والجارفة والاستهتار باية علاقة غير شرعية قبل الزواج  تحت ستار الحرية والتحرر، وترسيخ حياة العفة والطهارة في نفوسهم وضرورتها  لسلامة الحياة العائلية في المستقبل، اخذين بالاعتبار ان اجسادهم هي هياكل للروح القدس فلا يجوز تدنيسها

 

واخيرا ليتنا كاولياء امور ان نكون امينين على تربية ابنائنا وبناتنا كما ينبغي وعلى اساس من التعليم المسيحي القويم، وليتنا كابناء وبنات نسمع كلمة الرب على الدوام ونقتدي بامنا البتول وبالقديسين الابرار، وان نطيع والدينا في كل ما يرضي الله، ونسلك الطرق المستقيمة وبذلك نتجنب العثرات ونعيش بفرح المسيح