موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١١ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠

التعلم من تجارب الآخرين

بقلم :
الأب عماد الطوال - الأردن
التعلم من تجارب الآخرين

التعلم من تجارب الآخرين

 

يعتبر التعليم الركيزة الأساسية في التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية في جميع أنحاء العالم بلا شك، على الرغم من الاختلافات البارزة في النظم التعليمية بين دولة وأخرى، فكل دولة لها أساليبها الخاصة التي تميزها عن سواها وحيث أن التبادل المعرفي يعد أمرًا ضروريًا للتعلم الفردي والتنظيمي، فمن الطبيعي أن نجد الكثير لنتعلمه من هذه الأنظمة من خلال قصص نجاحات وإخفاقات الآخرين، كما كان يقول عالم السلوك كين بلانشارد "لا أحد منا ذكي مثلنا جميعاً" هذه المقولة تلخص أهمية التعلم من تجارب الآخرين، فالأشخاص الذين نتفاعل معهم هم جزء لا يتجزأ من نجاحنا أو فشلنا.

 

ولأن قضية التعليم وأزمته ليست قضية قومية أو عربية وإنما قضية إنسانية عالمية فمن الضروري الاستفادة من تجارب البلدان الأخرى التي تواجه تحديات مماثلة وتمكنت من إيجاد حلول من خلال إجراءات متسقة ومتكاملة، وتلك التي تعمل أنظمتها التربوية على أعلى المستويات كاليابان، فنلندا، سنغافورة، كوريا، هولندا، كندا والصين.

 

لكن علينا عند الاطلاع على هذه الأنظمة أن ندرك أمرين، أولاً ما ينجح في بلد ما قد لا يصلح في بلد آخر، ثانياً لا توجد إجابات بسيطة هذا يعني أنه لا يوجد نهج محدد يمكنه أن يؤدي إلى نفس النتيجة، ومع ذلك، يتعين علينا التعرف على ما يفعله الآخرون للتقدم في طريق المعرفة والاستفادة من التجارب التربوية العالمية، ففي ظل جائحة كورونا مررنا جميعاً في تجارب يمكن أن تفيد الآخرين، القوة تكمن في مشاركة هذه الأفكار والخبرات التي تعلمناها مع غيرنا، ومن ثم تقييم فعالية هذه الأفكار، إنها خبرة نحتاجها في واقعنا التربوي لنتمكن من دمج تجاربنا وتجارب الآخرين وتحويلها إلى مصادر غنية نبني عليها السبل لتطوير نظامنا التعليمي، حيث أن الطريقة الأكثر فعالية لتحسين أداء الطلاب هي معرفة كيف تقوم البلدان ذات الأداء الطلابي الأعلى بذلك والبناء على إنجازاتهم، لنتأمل هنا بعض هذه الخبرات فهناك دروس يمكننا تعلمها من بلدان مثل اليابان وفنلندا على سبيل المثال حول تحسين وتطوير التعليم.

 

لا عجب في أن نظام التعليم في اليابان معروف في جميع أنحاء العالم بأنه أحد أفضل الأنظمة، حيث يتمتع المجتمع الياباني بقيم تعليمية قوية خلقت مجتمعاً ذكياً، قال أستاذ الاقتصاد اكيوكاتو "اليابان بلد لا ثروة فيها غير ثروة الإنسان"، فنجد أن التربية الأخلاقية تُعتبر جزء لا يتجزأ من نظام التعليم الياباني يتم بالطبع تدريس المواد الأخرى مثل الرياضيات والعلوم لكن اللافت أن التربية الأخلاقية لها مادة منفصلة مع كتاب مدرسي ووقت مخصص للنقاش حول المعضلات الأخلاقية، وهدفها هو تنمية أخلاق الطالب، فتتبع المدرسة والمعلمون المبادئ التوجيهية الأخلاقية الأساسية دون فرض معتقداتهم الشخصية، لقد تأثر اليابان بالغرب ولكن لم تتمكن الثقافة الأجنبية من السيطرة عليه وإنما تعامل معها ضمن عملية تفاعل ايجابي وحافظ على الطابع الوطني للتعليم وعلى القيم الوطنية، ونحن؟ ما مدى حذرنا من العولمة التعليمية ومآزقها في هجر وتدمير الثقافة الشرقية.

 

أما فنلندا فقد حققت تقدماً ملحوظاً في نظامها التعليمي مقارنة بالبلدان المحيطة والعالم، وما يميز هذا النظام أنه يؤكد على أهمية اللعب والتركيز من خلال التعليم على المعرفة لا على الاختبارات، كما أعطت الدولة الأولوية لتأهيل جميع المعلمين من خلال برنامج تدريبي مكثف وقررت تحسين بيئة التعليم المادية في المدارس، لهذه الأسباب وأكثر يُعد نظام التعليم في فنلندا أحد أفضل الأنظمة في العالم.

 

تبين هذه الأمثلة كيف تحاول الحكومات في جميع أنحاء العالم تحسين نظمها التعليمية من أجل إعداد مواطنيها الشباب بشكل أفضل للمشاركة الكاملة في عملية التنمية وليكونوا صانعي التغيير، حيث تعمل على رسم خريطة لنقاط قوتها وضعفها في مجال التعليم، والبحث عن طرق لمعالجة نقاط الضعف هذه والعمل على مواجهة التحديات الرئيسية التي تواجه تحسين فعالية نظامها التعليمي، فكيف يمكننا الاستفادة من هذه التجارب في مجال التعليم؟

 

لم يتم بناء روما في يوم واحد، ولا يوجد حل سريع للتحديات التي نواجهها في مدارس اليوم، هناك الكثير الذي يمكننا أن نتعلمه من هذه التجارب وكيفية إعداد الطلاب لحياة ناجحة، لكن مجرد نسخ الأساليب الأخرى لن يكون كافياً بل علينا أن ننظر إلى التعليم بطريقة جديدة وأن نأخذ في الاعتبار الممارسات الفعالة والمبتكرة الموجودة في جميع أنحاء العالم وكيفية تطبيقها محليًا، نحن بحاجة حقًا إلى بيئات آمنة ومنتجة حيث يحتاج الطلاب إلى مسار يمكن الاعتماد عليه للمضي قدماً نحو إتقان المهارات الأكاديمية والاجتماعية التي توفرها المدارس، ولأن التعليم هو المفتاح لحل العديد من القضايا العالمية، لا بدّ من التفكير مليًا والتخطيط طويل المدى، أترك هذه الطروحات أمام البحث والتنقيب والتأمل.