موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٢ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٢

الإيمان اتحاد مع المسيح

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
المطران كريكور اوغسطينوس كوسا، اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك

المطران كريكور اوغسطينوس كوسا، اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك

 

"فآمَنَ مِنهُم عَدَدٌ أَكبَرُ كَثيرًا عن كلامِه" (يوحنا ٤: ٤١)

 

إن كمال الإيمان الّذي يحقّقه الرّب يسوع، له عنصر آخر أساسي. فالمسيح في الإيمان، ليس مجرّد مَن نؤمن به –أي الظّهور الأكبر لمحبّة الله– إنّما أيضًا هو من نتّحد به كي نتمكّن من أن نؤمن. فالإيمان لا ينظر فقط نحو الرّب يسوع، إنّما يرى من وجهة نظر يسوع وبعينيه كذلك. إنّه مشاركة في طريقة الرّب يسوع لرؤية الأمور.

 

ففي مجالات عديدة من مجالات الحياة، نحن نثق في وجهة نظر أناس آخرين لديهم معرفة أكثر منّا. إذ إنّنا نثق بالمهندس المعماريّ الّذي يبني بيتنا، وبالصّيدليّ الّذي يعطينا الدّواء للشفاء، وبالمحامي الّذي يدافع عنّا أمام المحكمة. لذلك، نحن بحاجة أيضَا إلى أحدٍ ما يمكن الوثوق به ويكون خبيرًا في الأمور المتعلّقة بالله.

 

إن الرّب يسوع "ابن الله المتجسّد من مريم العذراء"، يقدّم نفسه معلنًا أنّه هو من "يخبرنا عن الله": "إنّ الله لم يرآهُ أحدٌ قطّ، الابنُ الوحيدُ في حِضن الآب، هو الذي أخبر عَنهُ" (يوحنا ١: ١٨). إن حياة الرّب يسوع المسيح، وطريقة معرفته بالآب، وعيشه بعلاقة دائمة وكاملة معه، تفتح مجالاً واسعاً للخبرة البشريّة حيث يمكننا المشاركة بها وعيشها.

 

لقد عبّر القدّيس يوحنّا الإنجيليّ عن أهمّية العلاقة الشّخصية مع الرّب يسوع بالنّسبة لإيماننا عبر استخدامه المتعدّد لفعل "آمَن". فبالإضافة إلى العبارة "لإيمان بِأَنِّ" ما يقوله الرّب يسوع هو الحقيقة "ألا تؤمِنُ بأني في الآب وأنَّ الآبَ فيَّ؟" (يوحنا ١٤: ١٠) يستعمل يوحنّا تعبير "الإيمان بـ" يسوع و"الإيمان فيَّ" أنا يسوع المتجسّد.

 

إنّنا نؤمن بـ "يسوع" عندما نقبل كلامه وشهادته لأنّه صادق "عملُ اللهِ أن تؤمنوا بمن أُرسلُ" (يوحنا ٦: ٣٠). ونؤمن  بيسوع حين نستقبله شخصيًا في حياتنا ونسلّم ذواتنا إليه، ملتصقين به في المحبّة ومتّبعين إيّاه في الطّريق الطّويل.

 

إن ابن الله قد تجسّد لكي يسمح لنا أن نعرفه ونستقبله ونتبعه، وهكذا فإنّ رؤيته للآب قد تمّت بطريقة بشرية أيضًا  عبر مسيرة.. في الزّمن. إن الإيمان بالله الّذي تجسّد في يسوع النّاصريّ وأصبح "ابن الله"، "هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رَضيت" (متى ٣: ١٧)، لا يفصلنا عن الواقع إنّما يسمح لنا باستقبال معناه الأعمق في حياتنا، وباكتشاف كم هو مقدار محبّة الله لهذا العالم وكيف يوجّهه باستمرار نحوه. إن ما سبق يحمل المسيحي على الالتزام وعلى عيش مسيرته على الأرض بطريقة أعمق مع يسوع.