موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١١ يوليو / تموز ٢٠٢١

الإعلام في عمق التحول الرقمي

د. عبير الرحباني

د. عبير الرحباني

د. عبير الرحباني :

 

عندما نتحدث عن الثورة الرقمية.. فنحن نتحدث عن جانبين .. الجانب الأول يتعلق بالإعلام.. والجانب الثاني يتعلق بالتطورات التكنولوجية والإقتصاد والتجارة والإستثمار وغير ذلك...

 

ولا بد للإشارة هنا بان هناك فرقاً ما بين ان نكون أمام التحول الرقمي.. وما بين أننا أصبحنا في عمق هذا التحول الرقمي ..

 

ففي مجال تكنولوجيا المعلومات والسعي الى مواكبة التطورات الرقمية فيما يتعلق بالحكومة الرقمية والإقتصاد والإستثمار والتجارة والبنوك وغيرها الكثير .. فنحن هنا ما زلنا أمام التحولات الرقمية التي تسعى الدول لتطبيقها بنجاح .. وذلك من خلال تعزيزات العمليات الرقمية وأسلوب التحكم بالنشاطات الرقمية والخاصة بالأعمال من خلال إتباع استراتيجيات رقمية مبتكرة للتكيف مع العصر الرقمي المتسارع الذي نشهده اليوم، والشرح في هذا الجانب يطول..

 

أما فيما يتعلق بالمجال الإعلامي وهو الموضوع الرئيس هنا .. فان الإعلام الدولي بات قوة أعظم من قوة السلاح .. وسلاح يفوق جميع الأسلحة والمعدات الحربية في العالم.. بإعتباره قادراً على إختراق العقول.. وقادراً على توجيه الناس نحو تحقيق الأهداف التي يريد تحقيقها والغايات التي يريد الوصول اليها من خلال تكيف الناس معه والتأثير عليهم من خلال رسائله..

 

وقد ظهر الإعلام الرقمي منذ عام 2010 تقريباً من خلال تحوله من وسائل إعلامية تقليدية الى الكترونية، الى رقمية طرأت على وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة.. الى إعلام جديد تمثل بـ "الهواتف الذكية والفيسبوك".. وكذلك التطورات الرقمية التي طرأت على الأقمار الصناعية والهواتف الذكية والتي ساهمت هي الأخرى بشكل كبير في المجال الإعلامي.. وذلك بفضل التطورات التكنولوجية المتسارعة التي نتج عنها الثورة الرقمية التي نشهدها اليوم.

 

فهل من المعقول ان نضع او نصنف اليوم الإعلام على أنه أمام التحول الرقمي!!! وكيف يمكن ذلك!!! والإعلام الرقمي بدأ بالظهور منذ عام 2010 تقريباً .. ونحن الآن في منتصف عام 2021 وقد أصبح هذا الإعلام الرقمي أكثر شراسة وأشد خطورة في التأثير.. بحيث أصبحنا اليوم في عمق هذه التحولات وليس أمامها.. وقد تناولت في كتابي لعام 2012 والذي يعد الكتاب الاول على الصعيد المحلي الأردني الذي يتناول "الإعلام الرقمي الالكتروني".. من حيث الثورة الرقمية والتقنيات الرقمية والتحولات الرقمية لوسائل الإعلام.

 

والجدير ذكره في هذا الإطار.. بان الإعلام الرقمي الإسرائيلي هو أول إعلام رقمي واكب التطورات الرقمية.. وفي وقت مبكر... حيث إستفاد هذا الإعلام من أدواته الرقمية الجديدة لمخاطبة الناس في داخل اسرائيل وخارجها للتأثير عليهم وإعطائهم الصورة الذهنية أمام الرأي العام العالمي والعربي على وجه الخصوص.. وبذلك اصبح آداة سياسية في التأثير على العقول

 

وليس بالغريب أن يكون الإعلام الرقمي الإسرائيلي هو أول من واكب التطورات التكنولوجية المتسارعة واللحاق بالثورة الرقمية والاستفادة منها.. لإمتداده التاريخي وإهتمامه بالإعلام وتركيزه على الدعاية الاعلامية .. بحيث اصبح هذا الإعلام قادراً على ممارسة الدعاية بكل شراسة في الوقت الذي يمارس فيه رسائله بطريقة أكثر يسراً وسهولة.. وذلك عبر إنتشار قنوات دبلوماسية رقمية ناطقة باللغة العربية.. بخاصة وان هذا الإعلام وجد بان الإكتفاء والإعتماد على الحكومات الرسمية لن يكون له تاثيرات مجدية لخدمة مصالحه وتحقيق أهدافه.. وبالتالي سخرت اسرائيل جميع إمكاناتها عبر مواقع التواصل الالكتروني للتأثير على المجتمعات العربية..

 

فالإعلام الرقمي الإسرائيلي ومؤسساته الإعلامية ليست مؤسسات رسالية فحسب.. بل ان هذا الإعلام لا يمكن فصله عن سطوة السياسة والمال..

 

وفي هذا الإطار لا بد من إهتمام وسائل إعلامنا بعملية بناء وصياغة الرسالة الإعلامية الرقمية عبر وسائل الإعلام والتي من الضروري ان تعتمد على صناعة المحتوى الإلكتروني .. ومضمون المحتوى الرقمي التحريري، من حيث الشكل والتعبير بالصورة القابلة للنشر عبر شبكات التواصل الإلكتروني.. وايضاً توظيف الأدوات الرقمية الجديدة بما يتناسب ومضمون الرسالة الإعلامية المقدمة..

 

وصحيح بأن التطورات الرقمية طرأت على التقنيات الرقمية لوسائل الإعلام بما فيها أجهزتها ومعداتها وأدواتها.. إلا اننا اليوم في أمس الحاجة الى امتلاك تلك الأدوات الرقمية واستخدامها بذكاء وتوظيفها بما يتناسب والرسالة الإعلامية بمهارة عالية .. كما أنه من الضروري التركيز على ورشات عمل ودورات تدريبية تواكب العصر الرقمي بعيداً عن الشكل التقليدي لتلك الدورات وورشات العمل التي إعتادت عليها مؤسساتنا الإعلامية..

 

ولا بد ان نعترف اليوم بان الثورة الرقمية قسمت الاعلاميين ولا سيما الصحافيين الى قسمين: رقميين وغير رقميين.. الأمر الذي خلق فجوة وهوة كبيرة فيما بينهم.. وربما أعطى الافضلية للإعلامي والصحافي الذي يمتلك المهارات الرقمية ويستطيع توظيف الأدوات والبرمجيات الرقمية الحديثة ويتقنها بشكل كبير..

 

لذا من الضروري إعادة النظر في تكوين ارضية موحدة للإعلاميين والصحافيين الرقميين وغير الرقميين ضمن إطار مدروس وتخطيط دقيق.. كي تستطيع وسائل إعلامنا أن تكون قادرة على المنافسة ومواجهة التحديات الرقمية.. كما لا بد من تغيير الكثير من المفاهيم المتعلقة بالمجال الإعلامي والصحافي من مفهومها الذي اعتادت عليه مؤسساتنا الإعلامية والصحافية.. كالموضوعية والحيادية والتوازن وغيرها الكثير الى وضعها بقوالب وإعادة صياغتها بما يتناسب مع التطورات الرقمية التي نشهدها اليوم.. بخاصة أنه من غير الممكن ان يكون هناك موضوعية أو حيادية كاملة أو تامة في الإعلام فهذا المفهوم بات أكثر تعقيداً أمام الإعلام الرقمي وأمام الايدولوجيات المختلفة التي تحرك الناس.

 

(عمون)