موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٤ يناير / كانون الثاني ٢٠٢١

الأحد الذي قبل عيد الظهور الإلهي

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
أنا عمَّدتُكم بالماءِ وأمَّا هو فيُعِّدُكم بالروح القدُس

أنا عمَّدتُكم بالماءِ وأمَّا هو فيُعِّدُكم بالروح القدُس

 

الرِّسَالة

 

خلّص يا ربُّ شعبك وبارك ميراثك 

إليك يا ربُّ أصرخ إلهي

 

فصل من رسالة القديس بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس (4: 5-8)

 

يا ولدي تيموثاوُسَ تيقَّظْ في كلِّ شيءٍ واحتمِلِ المشقَّاتَ واعمَلْ عملَ المبشِرِ وأوفِ خدمَتَك. أمّا أنا فقد أُريقَ السَّكيبُ عليَّ ووقتُ انحلالي قَدِ اقتَرب. وقد جاهدتُ الجِهادَ الحسَن وأتممتُ شَوطي وحفَظتُ الإيمان، وإنمَّا يبقى محفوظاً لي إكليلُ العدلِ الذي يجزيني بهِ في ذلكَ اليومِ الربُّ الديَّانُ العادل، لا إيّايَ فقط بل جميعَ الذينَ يُحبّونَ ظهورَه أيضاً. 

 

 

الإنجيل

 

فصل من بشارة القديس مرقس (1: 1-8)

 

بدءُ إنجيلِ يسوعَ المسيح ابنِ الله. كما هو مكتوبٌ في الأنبياءِ: هاءَنذا مُرسِلٌ ملاكي أمام وجهِك يُهيّئُ طريقَك قدَّامك صوتُ صارخٍ في البريَّة أعِدُّوا طريقَ الرب واجعَلوا سُبلهُ قويمةً. كان يوحنا يُعَمِّد في البريَّة ويكرِز بمعموديَّةِ التوبةِ لغفران الخطايا، وكان يخرجُ إليه جميعُ أهلِ بلد اليهودية وأوُرشليمَ فيعتمدون جميعُهم منهُ في نهرِ الأردُنِ معترفين بخطاياهم وكان يوحنّا يَلبس وَبرَ الإبلِ، وعلى حَقَوَيْهِ مِنطقةٌ من جلدٍ، ويأكلُ جراداً وعسلاً برّياً. وكان يكرِز قائلاً إنَّهُ يأتي بعدي من هو أقوى منّي وأنا لا أستحقُّ أن أنحنيَ وأحلَّ سَيْرَ حِذائِه. أنا عمَّدتُكم بالماءِ وأمَّا هو فيُعِّدُكم بالروح القدُس.

 

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

 

اليوم هو الأحد الذي يسبق عيد الظهور الإلهيّ، والمعروف شعبيًا بعيد "الغطاس"، ويشكل نصّ إنجيل اليوم مقدّمة إنجيل مرقس، والكلام يدور حول يوحنّا المعمدان بصوته القوي والحاسم والذي تتلّخص مهمته بالإعداد لمجيء الربّ يسوع. تفتح أمامنا أرض الصحراء الوعرة والجرداء، بالقرب من نهر الأردن، يقدم لمن يأتون إليه معمودية التوبة. لكنه لا يفشل في إعداد الناس لقبول المسيح. "أنا عمدتُكم بالماء، وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس" (مرقس 1: 8). لهذا فإن معمودية المسيح مرتبطة بالروح القدس.

 

في بِرِّيَّةِ اليهوديَّة ثمَّةَ صوتٌ تصاعد، ولكن أيَّةُ بِرِّيَّةٍ كانت هذه؟ كانت على مقربةٍ منها تمرُّ طُرُقٌ مؤدِّيَّةٌ نحو جميع الجِّهات. كان ثمَّةَ مدنٌ صغيرةٌ ومستوطناتٌ كثيرة العدد. وكان يمرُّ من هنا رُعاةٌ مع مواشيهم مَن كانوا يجدون دائماً، تبعاً للموسم رعياً لها. إنَّ بلاد اليهوديَّة كثيفة السُّكَّان، وكانت بالقرب منها تقع أورشليم، من حيثما كان يقدم المؤمنون إلى نهر الأردن. إنَّ هؤلاء النَّاس، الّذين هم في أغلبيَّتهم من سبط يهوذا، كانوا أحفادَ سكَّان مملكة اليهوديَّة الصَّغيرة، الّذين نجوا بعد مئةٍ وخمسين سنةً بعدَ أن تمَّت إبادة الإسرائيليين جيرانهم شركاؤهم بالدَّم ونهب أراضيهم.

 

المسيح قادم إلى نهر الأردن. جنبًا إلى جنب مع الحشد، ولكن عيون السابق يوحنا المعمدان تقف في وجهه بفضول. "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يوحنا 1: 29). لم يكن مصدر الروح القدس بحاجة إلى الروح القدس لأنه كان لديه. الناس كما هو معروف، جلسوا في مياه النهر واعترفوا بخطاياهم.

 

كان الكثيرون يعتبرون يوحنا أهم من المسيح، لأنه عاش مدة طويلة في البرية، وكان ابن رئيس كهنة، ويرتدي لباسا تقشفيا خاصا، ويدعو الكل إلى المعمودية، وقد ولد من عاقر. بينما المسيح أتى من فتاة غير معروفة، ولم يكن مولده البتولي معروفا بعد، وقد نشأ في بيت بسيط، ويلبس اللباس العام، لذلك كان يعتبر أقل من يوحنا. لم يكن الشعب بعد يعرف شيئا عن ميزاته الفائقة الوصف. وجاء اعتماده على يد يوحنا داعما لهذا الاعتقاد غير الصحيح. رأوه واحدا من كثيرين أتوا إلى المعمودية، وهو أكبر من يوحنا بكثير، وأعجب منه بكثير.

 

يسوع المسيح جاء إلى المعمدان لأنه حان الوقت لكي يعرفه الناس. سيتم إعلام الجمع الذي اجتمع حول السابق المعمدان بهويته وماذا سيفعل بالضبط في العالم.  الذي سيحمل خطيئة العالم بأسره. وهذا الشيء الفريد والذي لم يسمع به، مشروع غير مرئي للإنسان وفي نفس الوقت الآب يحيط ابنه بالسلطة. ليست الهيبة التي تبرز في عيون الإنسان، ولكن ذلك الثالوث. يتم تجديد الإنسان من خلال وحدة وإجماع الثالوث الأقدس. يقول الآب: "أنت بني الحبيب الذي به سررت" (مرقس 1:11)، بينما يذهب الابن إلى المعمودية والروح القدس "روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه" (متى 3 :16).

 

أولئك الذين نالوا معمودية المسيح نالوا نعمة الروح القدس. أي الأسلحة لمحاربة الشيطان والخطيئة. إنه السر التمهيدي الذي يضع به ربنا الأسس الروحية في النفس البشرية. وهذا سيبقيه مستقيمًا في أوقات التجربة، في أوقات الحزن والمحنة. كما يقول المرنم: "أنتم الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم".

 

ومع ذلك ، فالمعمودية ليست لغزًا جامدًا، بل على العكس من ذلك، تصبح نقطة البداية لجهاد الإنسان الأمين.

 

ولكن يبقى السؤال دائمًا ماذا فعلنا للمحافظة على نعمة الروح القدس الذي أخذناه بالمعمودية؟ ما هو طريقنا الروحي بعد التغطيس بالماء المقدس؟ الأمور محبطة للغاية يصيب الإنسان الفتور لا جهاد روحي ولا سلوك كأننا لا نعرف الله وكأننا لم نلتقِ به.

 

 ولكن أيها الأحباء: لقد دوى الصَّوتُ في قلوبِ أولئكَ، الّذين لم ينسوا الاتِّكالَ على الله في أعمالهم وقدموا إلى ضِفَّة نهر الأردن. هناك قد سمعوا كرازة المعمدان، الّذي كان يطلب إليهم أن ينسحقوا على خطاياهم، ويتوبوا عنها وحينها كان يُعمِّدهم بمياه النَّهر المقدَّس. كان لابساً ثوباً من أخشن الثِّياب محبوكاً من صوفِ الجَّمل، كالّذي كان يرتدي أفقر الفقراء من بين الفقراء. وكان يأتزر بحزامٍ جلديٍّ على خصرهِ مثل النَّبيِّ القِدِّيس إيليَّا ولكونِ لم يكن أحَّدٌ عارفاً من أين جاءَ، فقد ظنَّ البعضُ، بأنَّ هذا هوَ إيليَّا الّذي أُخِذَ حيَّاً إلى السَّماءِ. ولكنَّه بصفته قريباً من الله، فإنَّ السَّابقَ لم ينغوِ أن يرفعَ نفسَهُ: "وكان يكرز قائلاً: إنَّه يأتي بعدي مَن هوَ أقوى منِّي، وأنا لا أستحقُّ أن أنحني وأحُلَّ سَيْرِ حذائهِ" (مرقس1: 7).

 

لسوء الحظ، الناس أصبحوا اليوم في موقف مأساوي من الاعتراف بأنهم على الرغم من أنهم استحموا في نعمة الله المنيرة (أثناء المعمودية المقدسة)، إلا أنهم يفضلون الظلام الملموس والكثيف للأهواء. بل إن الكثيرين يذهبون إلى أقصى الحدود ، بل إنهم يلومون الآباء الذين قرروا تعميدهم كمسيحيين.

 

أنا أسألهم بكل تواضع: "لماذا لا تلومهم وفقًا لذلك عندما أعطوك دواء ، ربما لإنقاذ حياتك؟ "إذن، كطفل رضيع، لماذا لم يتم منحك" الحق "في تقرير ما إذا كنت ستعيش أو تموت؟" لا تنظر إلي بسؤال إطلاقا.. الجواب هو للشيطان الذي يثير مثل هذا وأكثر تعقيدا في أذهان الناس.

 

صرخة يوحنّا ما زالت تضجّ في آذاننا حتّى اليوم، فهل نحن نتوب؟ لقد حلّ الربّ يسوع بيننا كما بشّر به يوحنّا، لقد وُلد طفلاً في مذود حقير متواضع لكي يعلّمنا التواضع، فهو الإله الذي تنازل من علياء عرشه وأصبح إنساناً لكي يصبح الإنسان إلهاً. علينا أن نتقبّل مخلّصنا، وبقلوب نقية طاهرة، وبنفوس تائبة، لكي ننال غفران خطايانا من ربنّا يسوع المسيح، الذي تنازل لكي يمزّق صكّ خطايانا، ويمحو خطيئة جدّنا آدم الأوّل، وهو آدم الثاني.

 

إنَّ الصوتَ الصَّارخِ في البِرِّيَّة قد أخبرَ الأبرارَ بمجيءِ المخلِّص. والآن تصرخ كنيسة المسيح في بِرِّيَّة نفوسِنا، لكي تخبرنا مسبقاً بمجيئهِ الثَّاني، لأنَّه لا يعلم أحَّدٌ بيومِ وساعة دينونة الرَّبِّ، وإنَّ على كلِّ نفسٍ مؤمنةٍ أن تكونَ مستعدَّةً لتُعطيَّ جواباً حسناً.

 

 

الطروباريات

 

طروباريَّة القيامَة اللَّحن السَّابِع

حَطَمْتَ بِصَلِيبِكَ الموتَ وفَتَحْتَ لِلِّصِّ الفِرْدَوُس، وحَوَّلْتَ نَوْحَ حَامِلَاتِ الطِّيبِ، وأَمَرْتَ رُسُلَكَ أَنْ يَكْرِزُوا بِأَنَّكَ قَدْ قُمْتَ أَيُّهَا المسيحُ الإله، مَانِحًا العَالَمَ الرَّحْمَةَ العُظْمَى.


طروباريّة تقدمة الظّهور باللّحن الرابع

إنّ نهر الأردن قد انكفأ راجعًا قديماً، بوشاح أليشع عند صعود إيليا، وانشقَّ الماء إلى هذه الجهة وإلى تلك، فحصلت لهُ المادّة الرطبة طريقاً يابسة، فكان ذلك رسماً للمعموديّة حقّاً، التي بها نجوز سبيل العمر الزائل. المسيح ظهرَ في الأردن ليقدِسّ المياه. 

 

قنداق تقدمة الظّهور باللّحن الرّابع

اليوم حضر الربّ في مجاري الأردن، هاتفاً نحو يوحنّا وقائلاً: لا تجزع من تعميدي، لأنّي أتيتُ لأخلص آدم المجبول أوّلاً.