موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٩ سبتمبر / أيلول ٢٠٢١

الأحد الذي بعد عيد رفع الصليب 2021

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
الأحد الذي بعد عيد رفع الصليب 2021

الأحد الذي بعد عيد رفع الصليب 2021

 

الرِّسالَة

 

ما أعظمَ أعمالَكَ يا ربُّ كلَّها بحكمةٍ صنَعتَ

باركي يا نَفسيَ الربّ 

 

فصل من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل غلاطية (2: 16-20)

 

 يا إخوة، إذ نعلم أنّ الإنسان لا يُبرَّر بأعمال الناموس بل إنّما بالإيمان بيسوعَ المسيح، آمنَّا نحن أيضاً بيسوع لكي نُبَّرر بالإيمان بالمسيح لا بأعمال الناموس، إذ لا يُبرَّر بأعمال الناموس أحدٌ من ذوي الجسد. فإنْ كنّا ونحن طالبون التبريرَ بالمسيح وُجدنا نحن أيضاً خطأةً، أفيَكون المسيح إذاً خادماً للخطيئة؟ حاشا. فإنّي إنْ عدتُ أبني ما قد هَدمتُ أجعلُ نفسي متعدِّياً، لأنّي بالناموس متُّ للناموس لكي أحيا لله. مع المسيح صُلبتُ فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ. وما لي من الحياة في الجسد أنا أحياه بابن اللهِ الذي أحبّني وبذل نفسَه عنّي.

 

الإنجيل

 

فصل شريف من بشارة القديس مرقس (8: 34-38، 1:9)

 

قال الربُّ: مَن أراد أن يتبعَني فليكفُرْ بنفسِه ويحمِلْ صليبَهُ ويتبَعْني. لأنَّ من أراد أن يخلِّصَ نفسَه يُهلكُها، ومن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلِّصُها. فإنّه ماذا ينتفع الإنسانُ لو ربح العالمَ كلَّه وخسر نفسه؟ أم ماذا يعطي الإنسانُ فداءً عن نفسه؟ لأنّ من يَستَحيِي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ يَستَحيِي به ابنُ البشر متى أتى في مجد أبيه مع الملائكة القدّيسين. وقال لهم:  الحقَّ أقول لكم إنّ قوماً من القائمين ههنا لا يذوقون الموت حتّى يرَوا ملكوتَ الله قد أتى بقوَّة.

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين.

"مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي" (غلاطية 2: 20).

 

غالبًا ما يعرض الرسول بولس في رسائله خبراته الشخصية من علاقته بالمسيح من أجل تعليم وإرشاد المؤمنين الموجَّه إليهم. هذه الحقيقة التي تشكل تجربته الشخصية وقد تم تسليط الضوء عليها أيضًا في رسالته إلى أهل غلاطية. واستمرارًا من الألم من أجل خلاصهم، في مواجهة خطر تغيير الإنجيل من قبل اليهود والمسيحيين، يشهد قائلاً: إن حياتي الجسدية الحالية هي حياة تقوم على إيماني بالرب الإله الذي أحبني ومات طواعية من أجلي.

 

1. أوضح الرسول الحياة التي يعيشها الآن بعد أن عرف المسيح، وهي حياة محو وتجاوز للماضي. في مواجهة الحياة مع المسيح حيث الهدف هو أن يربح المسيح الذي أحبه وقدم حياته من أجله مختبراً محبته له.

 

2. هذه ليست خبرة فردية للرسول. كل مؤمن منذ وقت معموديته مرتبط عضوياً بالرب، بالجسد المقابل للجسد والرأس، لذا فهو الآن امتداد للمسيح، غصن لشجرته، على صورة الرب. ما يقوله الرسول يعبرعن تجربته كيف يحيا في جسد المسيح. إنه يشعر بالتماثل مع الرب، واحدًا معه، لأن هذه النعمة أعطيت من الرب ولهذا السبب بالذات أتى إلى العالم.

 

3. الرسول على وجه التحديد يوضح لنا عناصر خبرته الكنسية الأسرية والروحية وهذه الوحد تفترض موت الأنا أي أنه لا يمكن لأحد أن يبقى في المسيح، حتى لو اعتمد، طالما أن غروره حي وفاعل. وماذا تعني الأنا؟ بالتأكيد ليس وعي فرديتنا ، ولكن ما تفسره كلمة الله . فالأنانية وبالتالي الخطيئة نفسها. يتم تحديد الأنا في هذه الحالة بالعقل الخاطئ وما له فروع من الشهوات والجشع والطموح.

 

4. يتم اختبار الوحدة مع المسيح دائمًا. ليس فقط بمعنى تجاوز الماضي ومحوه ، ولكن أيضًا بمعنى تجاوز إغراء المستقبل. بمعنى آخر يعيش المسيحي مسيحيته هنا والآن. فالحاضر يعطيه نعمة الله ويعمل توبته.

 

5. لا يمكن لأحد أن يكون مسيحياً خارج جسده أي متجاهلاً جسده. يُفهم الوجود البشري بطريقة نفسية جسدية، وبالتالي فإن الحياة المسيحية خارج الجسد لا تشكل حياة مسيحية. عندما يصير الله نفسه إنسانًا، آخذًا جسدًا ونفسًا، فهذا يعني أنه لا يمكن لأحد تجاوز ذلك. ومن هنا يفهم المرء إصرار كنيستنا على مشاركة الجسد في الحياة الروحية، مع مختلف الأصوام والسجدات، وضبط النفس بشكل عام، من أجل محاربة العقل الخاطئ.

 

6. إن التجارب المختلفة خارج الجسم، كما رأينا، تتغاضى عن الجسد البشري في الإشارة إلى نوع ما من الحياة الروحية، ليست مدرجة في النموذج المسيحي الأرثوذكسي ويجب إجراؤها بعناية كنسية كبيرة.

 

أنَّ دعوة الرّبّ يسوع لنا، لِحَمْلِ الصَّليب لا تعني، كما يعتقد الكثير من النّاس، "الموت" و"الهلاك" وإنَّما هي دعوة للحياة الفُضْلَى مع المسيح. ويوضح بولس الرّسول على أنَّ النّاموس، أي الشّريعة اليهوديّة، لا تُوصِلُنَا إلى الملكوت لأنَّها مُجَرَّدَة من البِرِّ أي القداسة؛ لأنَّنا، كما يقول أيضًا، " نَعْلَمُ أَنَّ الإنسانَ لا يُبَرَّرُ بأعمالِ النَّاموسِ بل إنَّمَا بالإيمانِ بيسوعَ المسيحِ، إذ لا يُبَرَّرُ بأعمالِ النَّاموسِ أَحَدٌ مِنْ ذَوِي الْجَسَد"( غل 2: 16 ). مَنْ يُوصِلُنَا إلى الملكوتِ هو الرَّبُّ يسوع فقط .لذا، شَدَّدَ على عدم نُكْرَانِه في "هذا الجيل"، وطبعًا في كلِّ الأجيال ولو بالشِّفاه. لأنّ الشِّفَاهَ تَنْطِقِ بما هو موجود داخِل قلب الإنسان.

 

الرَّبَّ يسوع شدَّد على أنّ خلاص النَّفس سيكون على حساب الجسد ولو اضْطرّ المرء أن يضحّي به. وكلام الرَّبّ هذا فَهِمَهُ مسيحيّو الكنيسة الأُولى وشهداؤها. نذكُر القدّيس إغناطيوس الإنطاكيّ، على سبيل المِثَالِ ، الَّذي رَفَضَ الإصغاء للَّذين أرادُوا أنْ يُثْنُوه عن الاستشهاد نظرًا لشيخوخته الَّتي لا تحتَمِلُ عَنَاءَ السَّفَرِ إلى روما. أجابَهُم: "أنا حِنْطَة المسيح. دعوني اُطْحَن بين أنيابِ الأسود لأصير خبزًا مقدَّسًا للمسيح". وحَذَا حَذْوه جميع الشّهداء.

 

خلاص النّفس أهمّ من خلاص الجسد: "لا تخافوا مِمَّن يقتل الجسد"، مع التّأكيد أنّ الإنسان مُكَوَّن من نفس وجسد والخلاص سيَطَالُ الطّبيعَتَيْن.

 

كلُّ قدِّيسِينَا صَلَبُوا أنفسهم مع المسيح، كما ذكر بولس الرّسول في رسالة اليوم، لكي تكون حياتهم قائمة في المسيح "لا أنا أحيا بل المسيح يحيا فيَّ". هذه الحياة مع الرّبّ يسوع تعني امتلاك الملكوت على الأرض وفي السَّماء بعد الرُّقاد.
 

حمل الصليب ضرورة حتمية للوصول إلى القيامة. صليب المسيحي هو حبه الحقيقي لكل البشر ولكل ذرة من الأرض، هو إنكاره لكل أنانية، هو بذل ذات مستمر تجاه المحتاجين، هو إعلان دائم للحق. وبهذا يثبت أنه قد تبع معلمه.

 

فلا قيامةَ حياة لمن لا يحمل صليب المسيح الذي، عبر تألمه وصبره وإحتمال المشقات لفرط محبته لنا، انبلج فجر القيامة وابتدأت البشرى تسري بين القلوب بغلبة ابن البشر على قوى الشر والظلام وعلى الموت.

 

 

الطروباريات

 

طروباريَّة القيامة باللَّحن السَّادِس

 

إنَّ القوَّاتِ الملائكيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صاروا كالأموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القبر طالِبَةً جسدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجحيمَ ولم تُجرَّبْ منها، وصادَفْتَ البتولَ مانِحًا الحياة، فيا مَنْ قامَ من بين الأمواتِ، يا ربُّ المجدُ لك.

 

طروباريَّة عيد رفع الصَّليب باللَّحن الأوَّل

خَلِّصْ يا رَبُّ شَعْبَكَ وبَارِكْ ميراثَك، وامنَحْ ملوكنا المؤمنينَ الغلبَةَ على البربر، واحْفَظْ بقوَّةِ صليبِكَ جميعَ المُختصِّينَ بكَ.

 

قنداق عيد رفع الصَّليب  باللَّحن الرَّابع

يا مَنِ ارْتَفَعْتَ على الصَّليبِ مُختارًا أيُّها المسيحُ الإله، اِمْنَحْ رأفَتَكَ لشعبِكَ الجديدِ المُسمَّى بكَ، وفَرَّحْ بقوَّتِك عبيدَك المؤمنين، مانِحًا إيَّاهُمُ الغَلَبَةَ على مُحاربيهِم. ولْتَكُنْ لهم معونَتُكَ سِلاحًا للسَّلامِ وظَفَرًا غيرَ مَقْهُور.