موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٧ يونيو / حزيران ٢٠٢٢

الأحد الأول المعروف بأحد جميع القديسين

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
الأحد الأول المعروف بأحد جميع القديسين

الأحد الأول المعروف بأحد جميع القديسين

 

الرِّسالة 

 

عَجِيبٌ هو اللهُ في قدِّيسيه
في المجامِعِ بَارِكُوا الله 

 

فصل من رسالة القديس بولس الرسول إلى العبرانيين (عبرانيين 11: 33-40، 12: 1-2)

 

يا إخوةُ، إنَّ القدِّيسينَ أَجمَعِين بالإيمانِ قَهَرُوا الممالِكَ وعَمِلُوا البِرَّ ونَالُوا المواعِدَ وسَدُّوا أَفْوَاهَ الأُسُود، وأَطْفَأُ واحِدَّةَ النَّارِ ونَجَوْا من حَدِّ السَّيْفِ وتَقَوَّوْا من ضُعْفٍ، وصارُوا أَشِدَّاءَ في الحربِ وكَسَرُوا مُعَسْكَرَاتِ الأجانِب. وأَخَذَتْ نساءٌ أَمْوَاتَهُنَّ بالقِيامة. وعُذِّبَ آخَرُونَ بتوتيرِ الأعضاءِ والضَّرْبِ، ولم يَقْبَلُوا بالنَّجَاةِ ليَحْصُلُوا على قيامةٍ أفضل. وآخَرُونَ ذَاقُوا الهُزْءَ والجَلْدَ والقُيُودَ أيضًا والسِّجن. ورُجِمُوا ونُشِرُوا وٱمْتُحِنُوا وماتُوا بِحَدِّ السَّيْف. وسَاحُوا في جُلُودِ غَنَمٍ ومَعْزٍ، وهُمْ مُعْوَزُون مُضَايَقَونَ مجَهُودُون، ولم يَكُنِ العالمُ مُسْتَحِقًّا لهم.  فكانوا تائِهِينَ في البراري والجبالِ والمغاوِرِ وكهوفِ الأرض. فهؤلاء كلُّهُم، مَشْهُودًا لهم بالإيمانِ، لم يَنَالُوا الموعِد. لأنَّ اللهَ سبَقَ فنظَرَ لنا شيئًا أَفْضَلَ، أنْ لا يُكْمَلُوا بدونِنَا.  فنحن أيضًا،إذ يُحْدِقُ بنا مثلُ هذه  السَّحابَةِ من الشُّهُودِ، فلْنُلْقِ عنَّا كُلَّ ثِقَلٍ والخطيئةَ المحيطَةَ بسهولةٍ بنا، ولْنُسَابِقْ بالصَّبْرِ في الجِهادِ الَّذي أمامَنَا، ناظِرِين إلى رئيسِ الإيمانِ ومكمِّلِهِ يسوع.  

 

 

الإنجيل

 

فصل شريف من بشارة القديس متى (متى 10: 32–33، 37–38، 19: 27–30)

 

قال الربُّ لتلاميذِه: كلُّ مَنْ يعترفُ بي قدَّامَ الناسِ أعترفُ أنا بهِ قدَّامَ أبي الذي في السماوات. ومَن ينكرُني قدَّام الناس أنكره أنا قدَّامَ أبي الذي في السماوات. مَن أحبَّ أَباً أو أُمّاً أكثرَ منّي فلا يستحقُّني، ومَن أحبّ ابناً أو بنتاً أكثر منّي فلا يستحقّني. ومَن لا يأخذُ  صليبَهُ ويتبعُني فلا يستحقُّني. فأجابَ بطرسُ وقال لهُ: هوذا نحنُ قد تركنا كلَّ شيءٍ وتبعناك، فماذا يكونُ لنا؟ فقال لهم يسوع: الحقَّ أقولُ لكم، إنَّكم أنتمُ الذين تبعتموني في جيل التجديد، متى جلس ابنُ البشر على كرسيّ مجدِه، تجلِسون أنتم أيضاً على اثَنْي عَشَرَ كرسيًّا تَدينونَ أسباط إسرائيلَ الاِثنَي عَشَر. وكلُّ مَن ترك بيوتاً أو إخوة أو أخواتٍ أو أَباً أو أُمّاً أوِ امرأةً أو أولاداً أو حقولاً من أجل اسمي، يأخُذُ مِئَة ضِعْفٍ ويرثُ الحياة الأبديّة. وكثيرون أوَّلون يكونون آخِرين، وآخِرون يكونون أوَّلين.

 

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

 

تقيم الكنيسة في هذا الأحد، الذي يلي العنصرة، تذكاراً لجميع القدّيسين. إنَّ هذه السحابة من القدّيسين تبرهن على أنَّ العنصرة حدثٌ مستمرّ في التاريخ، وأنَّ الروح القدس فاعلٌ أبداً؛ وهذه الثمار أفضل برهان: هذه إرادة الله: أن نكون قدّيسين كما أنَّ أبانا السماويّ قدوس. إرادة الله هي أن ندخل في شركة قداسته.

 

"فَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، وَمَنْ يُنْكِرُني قُدَّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضًا قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ." هذا الكلام قاله الرب لتلاميذه جميعاً، من دون استتثناء، في كل الأزمنة والأماكن. هذا يعني أنه قاله لنا أيضاً نحن الذين نقف في هياكله اليوم والذين نحسب ذواتنا من تلاميذه بالمعمودية. كمثل البرق الذي يخترق السماء من دون أن يخسر شيئاً من لمعانه كذلك كلمات السيد وصلت إلينا في الإنجيل بكل قوة ووضوح.

 

في البدء كان الكلمة (المسيح)، وهذه الكلمة صار جسداً وأراد يسوع أن يجعل الناس يتّجهون بدورهم نحو الله، وبكلمة أخرى أرادهم أن يشاركوه المجد الذي كان له عند أبيه. لقد جاء يســوع ليحقّق إرادة الآب وليشــــركنا نحن البشــــر في حياة الثالوث الأقدس.

 

إن تلاميذ الرب ليسوا أولئك الذين يسمّون أنفسهم كذلك بل الذين يعترفون به فعلياً سيداً لهم وملكاً أبدياً متّبعين تعاليمه ومحققين وصاياه. إن اعترافهم يجب أن يكون بالفكر والقلب والقول والفعل وبكل حياتهم. لا مكان للارتباك والخجل والتذبذب في هذا الاعتراف. هذا الاعتراف يتطلب إنكاراً للذات وشعوراً بالنصر كما أمام كل الناس والملائكة.

 

بعد الصعود أرسل لنا المسيحُ الروحَ القدس ليرشدنا إلى كامل الحقيقة، والحقيقة هي المسيح؛ والمسيح يتجه بنا نحو الآب. لقد نزل الروح القدس يوم العنصرة ليتابع ما بدأه يسوع.

 

القداسة هي أكثر بكثير من بعض الكمالات الأخلاقيّة وهي أكثر من تصرّفات كفضائل نسمّيها مسيحيّة. هذه الأخيرة نتائج لقلبٍ يحبّ كثيراً وصار المسيح بالنسبة له الحبّ كلّه. هذه المحبّة لا تتطلب هجراناً أو تنكُّراً لأي محبوب آخر. لذلك قال يسوع "من أحبَّ… أكثر مني فهو لا يستحقني".

 

من هو القدّيس ؟ إنّه من يصرخ كالعروس مع الروح إلى المسيح: "تعال". نعم، أنتَ دَعَوْتَنا ونحنُ تبعناك؛ بحسب تعبير الكلمات الأخيرة من سفر الرؤيا. القدّيس هو من يحرك قوّة حبّه باتجاه الله. والروح هو الذي يدفعنا ويقودنا إلى ذلك. إنَّ نزول الروح القدس يتطلّب منّا موقفاً حيّاً يُعبَّر عنه بأجمل كلمة: "ها قد تركنا كلّ شيء وتبعناك". عندما يكون يسوع بالنسبة لنا كلّ شيء، فإنَّ أي حبّ آخر يعارض ذلك مرفوض وثانياً أمام حبّ يسوع يسقط أي حبٍّ وثني أو أيّة عاطفة أنانيّة عند قدميّ يسوع، نقدّم كلّ حبٍّ لنا مع أيّ محبوب، نقدّمه صلاةً وشفاعةً وخدمة وتفانياً. أليس هو من أوصانا: "أحبّوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم"، ومن هذا المنظار ليس القدّيس مَنْ لا يحبّ إلاَّ يسوع فقط. إنّما هو من يحبّ بيسوع كلّ شيء. لأنَّ كلّ شيء هو فرصة نبرهن من خلالها أنّنا نحبّ يسوع. خاصّةً عندما نتذكر أنَّ كلّ شيء هو محبوبٌ أيضاً من يسوع، وأنَّ سيدنا قد جعله في دربنا لنحمله صليباً. وكما يقول بولس الرسول في رسالته اليوم إلى العبرانيين: "فنحن أيضاً إذ يحدقُ بنا مثل هذه السحابة من الشهود فلنلقِ عنَّا كلّ ثقلٍ… ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمّله يسوع". مع جميع هؤلاء القدّيسين، نصرخ إذن يا سيّد إنّنا نترك كلّ شيء لأننا تبعناك، ونصرخ مع الروح نحو العروس: "أيها الربّ يسوع تعال". وللربّ يسوع دائماً جوابنا "نعم".

 

ان السيد المسيح منح نعمته للقديسين وهم احبوه وتعلقوا به حتى النهاية ، لان عذوبة الحب الالهي لا تسمح بان يتحول الانسان الى حب العالم وجماله. اذ كنا نحن نعرف الآن هذا على الارض،فكيف اذا يحيا القديسون في السماء متحدين مع الرب بالحب،اذا الله محبة والروح القدس في القديسين. فهذا هو الحب الالهي.

 

علينا أن نشابه في اعترافنا التلاميذ الذين لم يخجلوا أو يخافوا من أن يعترفوا بالإله الإنسان محتملين الاضطهاد، معلنين اعترافهم أمام الجميع، ونتمثّل بالشهداء الذين حملوا ألمهم ودمهم، بالذين أرضوا الرب بجهادهم على الأرض مهملين كل الأرضيات، الذين كانوا في العالم وليسوا من العالم. إن الاعتراف بالرب مصحوباً بإنكار الذات هو سمة القديسين.

 

الرب لا يترك محبيه، بل يترك لهم نعمته. نعمته تحوّل عذاباتهم وتجاربهم وتوبتهم إلى قداسة، والقداسة تمنحهم التعزية وتفتح لهم أبواب المجد والغنى السماوي. كل ما يمتّع الإنسان يبقى هنا أما المجد الذي من المسيح فهو يبدأ هنا ويستمر إلى الأخير. النعمة التي نكتسبها هنا هي الثروة الوحيدة التي تعبر القبر معنا. هكذا عبر القديسون الذين نعيّد لهم اليوم، وهذا ما هو مرسوم لنا ونحن مدعوون إليه.

 

إن الاعتراف الضعيف والمبهَم ليس مقبولاً، ولا حاجة له، ولا يستقيم أمام عيني الرب. لا يكفي أن يعترف الإنسان بالله في ذاته سرياً، بل الاعتراف يكون بالشفاه والكلمات، وأهم منها بالأعمال والحياة. لا يكفي الاعتراف بألوهة الرب وسلطانه، بل ينبغي الاعتراف بتعليمه ووصاياه في عيشها، حتّى ولو على عكس ما هو مقبول في المجتمع البشري.

فيا أيها الملك السماويّ هلمَّ اسكنْ فينا وطهِّرْنا من كلّ دنسٍ وطهِّر الحبّ فينا لنكون على درب قدّيسيك. آمين

 

 

الطروباريات

 

طروبارية القيامة باللحن الثامن

انحدرتَ مِنَ العُلُوِّ يا مُتَحَنّن. وقَبِلْتَ الدَّفنَ ذا الثلاثةِ الأيام. لكي تُعتِقَنا مِنَ الآلامِ فيا حياتَنا وقيامَتنا يا ربُّ المجدُ لك.

 

طروباريَّة أحد جميع القدِّيسين باللَّحن الرَّابِع

أيُّها المسيحُ الإله، إِنَّ كنيسَتَكَ إذ قد تزيَّنَتْ بدماءِ شُهَدائِكَ الَّذين في كلِّ العالم، كأنَّها ببرفِيرَةٍ وأُرْجُوَان. فهي بهم تهتِفُ إليكَ صارِخَة: أَرْسِلْ رأفَتَكَ لشعبِكَ، وٱمْنَحِ السَّلامَ لكنيسَتِك، ولنفوسِنَا الرَّحمةَ العُظْمَى.

 

قنداق أحد جميع القدِّيسين  باللَّحن الرّابع

أيُّها الرَّبُّ البارِئُ كلَّ الخليقةِ ومُبدِعُها، لكَ تُقَرِّبُ المسكونَةُ كبواكيرِ الطَّبيعة الشُّهَدَاءَ اللاَّبِسِي اللاَّهوت. فبتوسُّلاتِهِم اِحْفَظْ كنيسَتَكَ بسلامَةٍ تَامَّة لأَجْلِ والِدَةِ الإله، أيُّها الجَزِيلُ الرَّحْمَة.