موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٦ مايو / أيار ٢٠٢١

الأحد الأول المعروف بأحد توما الرسول

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
الأحد الأول المعروف بأحد توما الرسول

الأحد الأول المعروف بأحد توما الرسول

 

الرسالة

 

عظيمٌ هو ربنا وعظيمة قوته

سبحوا الربَّ فإنه صالح

 

فصل من أعمال الرسل القدّيسين الأطهار (أعمال ١٢  :٥-٢٠)

 

في تلك الأيام، جَرَتْ عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ آيَاتٌ وَعَجَائِبُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّعْبِ. وَكَانَ الْجَمِيعُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ فِي رِوَاقِ سُلَيْمَانَ. وَأَمَّا الآخَرُونَ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَجْسُرُ أَنْ يَلْتَصِقَ بِهِمْ لَكِنْ كَانَ الشَّعْبُ يُعَظِّمُهُمْ. وَكَانَ مُؤْمِنُونَ يَنْضَمُّونَ لِلرَّبِّ أَكْثَرَ جَمَاهِيرُ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يَحْمِلُونَ الْمَرْضَى خَارِجاً فِي الشَّوَارِعِ وَيَضَعُونَهُمْ عَلَى فُرُشٍ وَأَسِرَّةٍ حَتَّى إِذَا جَاءَ بُطْرُسُ يُخَيِّمُ وَلَوْ ظِلُّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ. وَاجْتَمَعَ جُمْهُورُ الْمُدُنِ الْمُحِيطَةِ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَامِلِينَ مَرْضَى وَمُعَذَّبِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ وَكَانُوا يُبْرَأُونَ جَمِيعُهُمْ. فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَجَمِيعُ الَّذِينَ مَعَهُ الَّذِينَ هُمْ شِيعَةُ الصَّدُّوقِيِّينَ وَامْتَلأُوا غَيْرَةً فَأَلْقَوْا أَيْدِيَهُمْ عَلَى الرُّسُلِ وَوَضَعُوهُمْ فِي حَبْسِ الْعَامَّةِ. وَلَكِنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ فِي اللَّيْلِ فَتَحَ أَبْوَابَ السِّجْنِ وَأَخْرَجَهُمْ وَقَالَ: «اذْهَبُوا قِفُوا وَكَلِّمُوا الشَّعْبَ فِي الْهَيْكَلِ بِجَمِيعِ كَلاَمِ هَذِهِ الْحَيَاةِ».

 

الإنجيل

 

فصلٌ من بشارة القديس يوحنا الإنجيلي البشير والتلميذ الطاهر (يوحنا ١٩:٢٠-٣١)

 

لَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسَطِ وَقَالَ لَهُمْ: «سلاَمٌ لَكُمْ». وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً: «سلاَمٌ لَكُمْ. كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا». وَلَمَّا قَالَ هَذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: «ﭐقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ». أَمَّا تُومَا أَحَدُ الاِثْنَيْ عَشَرَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَ جَاءَ يَسُوعُ. فَقَالَ لَهُ التّلاَمِيذُ الآخَرُونَ: «قَدْ رَأَيْنَا الرَّبَّ». فَقَالَ لَهُمْ: «إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ لاَ أُومِنْ». وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تلاَمِيذُهُ أَيْضاً دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ وَوَقَفَ فِي الْوَسَطِ وَقَالَ: «سلاَمٌ لَكُمْ» ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: «هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً». أَجَابَ تُومَا: «رَبِّي وَإِلَهِي». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا». وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ.

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

 

المسيح قام... حقاً قام

 

إنه الأحد الأول بعد قيامة الرب، والذي يُدعى أيضًا بأحد توما والذي يقال له التوأم إيضا وهو أحد تلاميذ المسيح ولم يكن موجوداً عندما ظهر يسوع لتلاميذه في علية صهيون بعد قيامته من بين الأموات.

 

كان هناك شكٌّ عند توما الرسول كما في الإصحاح العشرون من بشارة يوحنا البشير حيث يروي ثلاث قصص عن ظهور المسيح لتلاميذه بعد قيامته، الأولى لمريم المجدلية، والثانية للتلاميذ مجتمعين، باستثناء توما، والثالثة بحضور توما. ومن الواضح أن حالة اليأس التي تملكت توما أوصلته إلى درجة من الشك، فكان يطلب دليلًا ماديًّا مرئيًّا، يعيد إليه الطمأنينة والإيمان. فقال لهم: "إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِنْ" (يوحنا 20: 25)، فظهر السيد المسيح لهم للمرة الثالثة بهدف طمأنة توما وإزالة شكوكه، وقال لتوما تحديدًا: "هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا" (يوحنا 20: 27). وهنا زال شك توما فأعلن إيمانه قائلًا: "رَبِّي وَإِلهِي!" (يوحنا 20: 28). ورغم أن السيد احترم مشاعر توما وأفكاره إلا أنه أوصاه قائلًا: "لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا" (إنجيل يوحنا 20: 29). كثيرًا ما يوصلنا اليأس والإحباط للشك في كل شيء وفي كل شخص حولنا، يحترم الله عقولنا وشكوكنا ومشاعرنا ويتعامل معها بالمحبة والرأفة.

 

في إحدى ترانيمها، تصف كنيستنا شكّ توما بالحَسَن. لذا هو مفهومٌ أن يتساءل الإنسان: أهناك شكّ حَسَن وآخر سيء؟ يبدو أنه موجود، لأن البشر ليسوا سيئين ولا خيّرين بالكلية. فكل شيء يكون نقياً في الإنسان ذي الضمير الطاهر والقلب الطيّب والفكر المتواضع. بينما في الآخَر المصاب بجرثومة الشكّ، كل شيء يكون معتماً ومضطرباً. ماذا لو كان عندنا شكّ الرسول توما الحَسَن؟

 

قد نقول أن الشك والتردد والإيمان القليل هي أمور طبيعية في الإنسان الذي يسعى إلى الله بفكره. لقد توسّل الرسل إلى السيد لأن يزيدهم إيماناً. فالشك هو مرض روحي خطير. الإيمان يتخطى المنطق بينما الشك غير منطقي. غالباً ما يكون الشكّ مغفلاً وناتجاً عن الرعونة وضحالة الفكر وعن حياة متقلّبة ووعي مشوّش.

 

أمّا توما الذي كان غائباً عند ظهور المسيح القائم لتلاميذه، فهو حالة نموذجية. صحيح أن توما شكّ لكنه لم يكفر بل طلب دليلاً ليثبّت إيمانه. توما المعروف جداً لحماسته في لحظات أخرى ليس من المشككين المعزولين المحرومين. إنه جريء، يبحث، يحقق ويستفسر. إنه يسأل عن الحقيقة لكي يحتكّ بها، ولم يتردد المسيح في منحه إياها. لقد عاد السيد للقائه، وهو يعود للقاء كلّ منّا.

 

إيمان الكثير من المسيحيين يكون أحياناً فاتراً وأكثر برودة من الشكّ. نحن لنا الإيمان كدرع جيد للتغلب على الآخرين وليس لتلقّي الضرب، بل للتقدير والاحترام والالتزام. نحن لا نجروء على التمعّن في أعماق مضامين إيماننا، ولا نريد بأي شكل أن نتحداه وربما أن نظهره. الإيمان القوي يعطي الصحة الروحية والتوازن والمتانة والتمكين والأمل والثقة في الله. فلنكن جريئين ونعترف بأننا أحياناً نضمّن إيماننا بالكثير من الشهادات.

 

على الأكيد لم يكن توما من أصحاب الإيمان السيء ولا هو كان يؤمن بسهولة. لقد كان حذراً، صريحاً، أصيلاً، صلباً صادقاً ومخلِصاً. شكّه الحَسَن جعل المسيح يأتي إليه مقدماً نفسه إليه بسبب صدقه. لم يوبخه وهو الذي طلب رؤيته ولمسه. بل في النهاية بارك الذين يؤمنون ولم يروا. بالطبع، الشك هو خيار حر لكل منّا. يقول المشككون أنهم يستندون فقط إلى ما يرون وما يفهمون بالمنطق. هذا هو الإكراه والسهولة المتعِبة. الإيمان، يأتي مع الصعوبة والمخاطر والمجازفة والجرأة. لهذا بارك الرب الذين يؤمنون من دون دليل ملموس. الدليل الأقوى هو ما تؤكده قلوبنا. توما المؤمن بصعوبة هو أخونا الضعيف لكن الحسّاس.

 

يقول القديس بولس: "الإيمان هو الإيقان بأمور لا تُرى، والثقة بما يُرجى". واضحٌ إذاً، الإيمان هو إثبات ما يمكن رؤيته. ما يُرى يعطي المعرفة لا الإيمان. لماذا قال الربّ لتوما عندما رأى ولمس " آمنتَ لأنّك رأيتني"؟

 

عندما لمس الرسول توما جراح السيد صرخ: "ربّي وإلهي". عندما سمعَت مريم المجدلية صوت القائم في داخلها صرخت: "ربّي وإلهي". عندما رأى شاول (بولس الرسول) النور وسمع كلمات القائم من بين الأموات اعترف: "ربّي وإلهي". عندما رأى الوثنيون مندهشين احتمال الشهداء الذين لا يُحصَون للآلام بفرح سألوهم: "مَن هو المسيح" أجابوا كلّهم: "ربّي وإلهي".

 

اختبار المسيح القائم من بين الأموات في حياتنا اليومية هو الطريق والشعلة التي تملىء قلوبنا كما في اجتماع تلاميذ المسيح بعد القيامة. هو ليس في سحابة أفكارنا الملبدة بالغيوم. وهو ينادينا بشكل شخصي تمامًا، مما يبدد شكوكنا كما بدل شكوك توما وقال له: ضع إصبعك هنا وهناك بين يدي، واحمل يدك واجعلها بجانبي، ولا تصبح مؤمنًا بل مؤمنًا. هذه التجربة الإيمانية لتوما تقوده الآن إلى الموقف الطبيعي للتلاميذ المخلصين إلى المسيح والاعتراف بالإيمان: ربي وإلهي.

 

 

الطروبارية باللحن السابع

إذ كان القبر مختوماً أشرقتَ منه أيها الحياة، ولما كانت الأبواب مغلقة، وافيت إلى التلاميذ أيها المسيح الإله قيامة الكل، وجدّدت لنا بهم روحاً مستقيماً بحسب عظيم رحمتك

 

القنداق باللحن الثامن

باليمين الوادّة التفتيش أيها المسيح الإله، فتش توما جنبك الواهب الحياة، لأنك حين دخلت والأبواب مغلقة، هتف إليك مع بقية التلاميذ صارخاً: أنت ربي وإلهي