موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٣ سبتمبر / أيلول ٢٠١٣

ارتفاع الصليب المقدس

بقلم :
بسام دعيبس - الأردن

قال يسوع لنيقوديموس: "كما رفع موسى الحية في البرية، فكذلك يجب ان يرفع ابن الانسان، لتكون به الحياة الابدية لكل من يؤمن به". تحتفل الكنيسة في الرابع عشر من شهر ايلول من كل عام بعيد ارتفاع الصليب المقدس، ويرتبط هذا العيد بحادثة صلب وموت السيد المسيح على جبل الجلجلة. يخبرنا التاريخ الكنسي، أن القديسة هيلانة والدة الامبراطور الروماني قسطنطين الكبير ، وجدت بعد جهد وبحث عام 326 م بالقرب من الجلجلة الصلبان الثلاثة التي مات عليها السيد المسيح واللصان، وأن البطريرك مكاريوس الأورشليمي اهتدى إلى تمييز صليب السيد المسيح عن الصليبين الآخرين بفضل أعجوبة تمت على يده، إذ أنه أدنى الصلبان الواحد تلو الآخر من امرأة كانت قد أشرفت على الموت، فلم تشفى إلا أن لمست صليب السيد المسيح، عندئذ رفع البطريرك خشبة صليب المسيح ليراها جميع الحاضرين، فرتلوا ودموع الفرح تنهمر من عيونهم، فرفعت القديسة هيلانه الصليب المقدس على جبل الجلجلة وبنت فوقه الكنيسة المعروفة إلى يومنا هذا كنيسة القيامة. ويذكر أنه لكي يتم توصيل الرسالة إلى الامبرطور قسطنطين بالعثور على الصليب فقد تم إشعال النيران على رؤوس الجبال الممتدة من اورشليم مرورا بمعلولا حتى روما. عام 614 م كان كسرى ملك الفرس قد اجتاح اورشليم وأسر الوف المسيحيين وفي مقدمتهم البطريرك زكريا، ونقلهم إلى بلاده، وأخذ عود الصليب الكريم غنيمة، وبقي في حوزته اربع عشرة سنة. عام 628 م استطاع الأمبراطور البيزنطي هرقل الانتصارعلى الفرس، وكانت اهم شروطه اطلاق المسيحيين وارجاع خشبة الصليب المقدس. وكان كسرى الملك قد مات وملك مكانه ابنه سيراوس فقبل هذا بالشروط واطلق الأسرى سالمين مع البطريرك زكريا بعد أن قضوا في الأسر 14 سنة، وسلّم عود الصليب إلى الأمبراطور هرقل ، حيث أتى به إلى القسطنطينية التي خرجت بكل من فيها الى استقباله بالمصابيح وتراتيل النصر والإبتهاج. وبعد مرور سنة جاء الإمبراطور هرقل إلى أورشليم ليركز عود الصليب في موضعه على جبل الجلجلة. فقام لملاقاته الشعب وعلى رأسهم البطريرك زكريا، فاستقبلوه بأبهى مظاهر الفرح والابتهاج بالمشاعل والترانيم، وساروا حتى طريق الجلجلة ، حيث ركز الصليب في الموضع الذي كان فيه قبلاً. في القرن السابع نقل جزء من الصليب المقدس إلى روما، وقد أمر البابا الشرقي سرجيوس الأول687-701 بعرضه في كنيسة المخلّص، ليكون موضع اكرام المؤمنين. على الصليب تجرد المسيح من ذاته متخذا صورة العبد وصار على مثال البشر، وظهر بمظهر الانسان فوضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الابدية. رفعوا المسيح على الصليب فرفع بدوره خطايانا وخطايا العالم، وانتصر على الشيطان، وحررنا من الذات واللعنة والشهوات والاهواء ومبادىء العالم الشرير، وعلى الصليب صالحنا يسوع مع الله ومحا عنا الدين، وابطل الخطيئة وحررنا من العبودية ومن الخوف من الموت. إن يسوع المسيح اختار الصليب الذي كان يعتبر أداة خزي وعار وعقاب للصوص والمجرمين ، وحوله بذلك إلى أداة فخر وعز وخلاص للبشرية: وإنا إذا ارتفعت عن الأرض جذبت إليَّ الناس أجمعين. إن السيد المسيح قد غلب العالم ليس بقوة السلاح ولكن بصليب آلامه وموته، فأصبح الصليب مفتاح الملكوت السماوي للبشر. وأن الغلبة هي لقوة الحقيقة والمحبة والعدالة. امام عظمة الصليب والمصلوب، وبعد ان تحررنا من سيرتنا الباطلة، يتوجب علينا كما يقول القديس بطرس في رسالته الاولى ان نعيش حياة القداسة، ونسير في طريق الالام بصبر، ونحيا حياة البرالعملي، ونقترب من الله، ونعيش لارادته، ونفرح رغم الألم، وكلما قست علينا صلبان الحياة علينا ان ننظر الى يسوع لنبرأ من كل الم وشدة ونعتصم بحبه وهواه. سيظل يسوع فاتحاً ذراعيه باستمرار للجميع ولكل من يحمل الصليب من خلفه، لأنه يريد ان يحتضننا ويهبنا بصليبه السلامة والنجاة، فليكن الصليب حياتنا لانه لا حياة الا من خلال الصليب، وكلما تأملنا في الصليب تعمقت معرفتنا وشركتنا بالرب يسوع، وكلما سرنا مع يسوع حتى الصليب كلما نستحق ان نجني ثمار الفداء وان نأخذ سيدتنا العذراء وهي اكثر الناس مشاركة بسر الصليب أما لنا ونشعر بالسعادة والحياة. ربي والهي يسوع المسيح، يا من علقت على الصليب اّية للناس وراية للخلاص، كفكف بجراحاتك الثمينة ودمك الطاهر، دموع الحزانى والمعذبين، المقهورين والمظلومين، المرضى والمتألمين، الفقراء والمحرومين، المحتاجين الى رحمتكَ وكل حاملي الصليب ورائك، وأعطهم من صلابتك وعزيمتك كما كنت على الصليب قوة ليتغلبوا بها على مصائب الحياة، وليعلموا ان الصليب هو الباب الضيق الذي يؤدي الى المسيح، وانفض عنا جميعا غبار البغض والكراهية والحقد والانقسام، وابعث فينا الحياة من جديد، واملأنا بالمحبة والفضيلة والايمان والرجاء. كل عام وانتم مفتخرون بصليب ربنا يسوع المسيح كما فعل القديس بولس وبشر بقوله الى اهل غلاطية 6: 14 "أمّا نحن، فلا بُدّ لنا من الافتخار، بصليب ربّنا يسوع المسيح، هو خلاصنا وحياتنا وقيامتنا، وهو فدانا وحرَّرنا".