موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٨ يوليو / تموز ٢٠٢٢

أُؤْمِنُ بالحُبِّ

بقلم :
د. أشرف ناجح عبد الملاك - كولومبيا
أُؤْمِنُ بالحُبِّ

أُؤْمِنُ بالحُبِّ

 

إنَّنا كمسيحيِّين قد تقابلنا يومًا مع المحبَّة الإلهيَّة الثَّالوثيَّة، فغيرتْ حياتنا، واكتشفنا شيئًا ضئيلًا مِن حقيقة هذا الحُبِّ الإلهيِّ، وشربنا قطرة واحدة مِن محيطه! أجل، نُؤمن بالحُبِّ لأَنَّنا خُلقنا به ولأجله، وقد غُفرتْ لنا خطايانا كلّها بفضله، وأصبح كلُّ واحدٍ مِنَّا إنسانًا جديدًا بواسطته، لأَنَّ «الحُبّ يَستر جَميعَ المَعاصي» (مثل 10/12)! إنَّنا نُؤمن بالحُبِّ لأَنَّنا نُؤمن بالله؛ فالإيمان بالحُبِّ هو إيمان بالله، والإيمان بالله هو إيمان بالحُبِّ، لأَنَّ "اللّه مَحبَّة". ونُؤمن أيضًا بالحُبِّ لأَنَّ الإيمان الحقيقيَّ هو الإيمان الذي يعمل الحقَّ بالمحبَّة (أف 4/15)! وإنْ كان ثمَّة كثيرون اليوم لا يؤمنون بالحُبِّ، فإنَّنا كمسيحيِّين نؤمنُ به؛ فيمكن لكلِّ واحد مِنَّا– بالرّغم مِن إمكانيّاته المتواضعة وقصّته الرّوحيّة البسيطة– أنْ يُعبِّرَ بشجاعة عن إيمانه بالحُبِّ بهذه الكلمات...

 

أُؤْمِنُ بالحُبِّ، حتّى وإنْ كان لغةً الّذين يتحدّثونها نادرون جدًّا في هذه الأيّام، لأنّ كثيرين قد تعلّموا التّحدّث بجميع لغات العالم ونسوا أصل اللّغات كلّها، أي الحُبّ. فالحُبُّ هو الدّهشة الّتي تطرح التّساؤل، والتّساؤل هو الّذي يفتح الحوار، والحوار هو الإطار الّذي فيه تُستخدم الكلمات، والكلمات هي ما نسمّيها "لغة".

 

أُؤْمِنُ بالحُبِّ، حتّى وإنْ كان جوهرةً نادرةً في زماننا، فكثيرون الآن مَن يُتاجرون في جواهر مزيّفة مِن أجل الربح الخَسِيس والفَانِي؛ فالعملة المستعملة حاليًّا هي "عملة الأخذ والعطاء"، أو بكلمات أفضل، هي "عملة المنطق والحسابات".

 

أُؤْمِنُ بالحُبِّ، حتّى وإنْ قالوا عني: "هو مَعَتُوه وأَبْلَه ومَجْنُون، لأنّه لا يفهم كيف تسير الدنيا! فهو ذو عاطفة شديدة ولا يستعمل عقله! هو ضعيف لا يعرف كيف تُستخدم الأسلحة العصريّة، وكيف يُستغل العنف مِن أجل التّقدُّم والنّجاح".

 

أُؤْمِنُ بالحُبِّ، حتّى وإنْ كنتُ قد زرعتُ يومًا الحبَّ، فحصدتُ بدلًا منه جروحًا وآلامًا أو دموعًا وآهَات؛ فحتّى وإنْ كنتُ قد "جُرِحْتُ فِي بَيْتِ أَحِبَّائِي" (زك 13/6)، سأظلّ مؤمنًا بالحبِّ.

 

أُؤْمِنُ بالحُبِّ، لأنّ مَن سبقونني يدعونني ويشجّعونني على أنْ أحبَّ حُبًّا أصيلًا صادقًا، وعلى أنْ أخوض مغامرة الحُبّ ببَسالَة المجاهدين. فإنّني أرى مَن سبقونني مِن القدّيسين والقدّيسات يقدّمون حياتهم وأرواحهم طوعًا مِن أجل حبهم لله، وخدمةً لإخوتهم البشر. وأراهم يموتون ليكونوا لنا شهودًا وشهداء؛ فنحن بحقٍّ أبناء الشّهود والشّهداء، وبالتّالي أبناء وبنات الحُبّ.

 

أُؤْمِنُ بالحُبِّ، لأنّني ذات يوم خُلقتُ بالحُبِّ، وفي الحُبِّ، ومِن أجل الحُبِّ؛ وذات يوم، وبالحُبِّ عينه، خلصتُ مِن خطاياي، وسلكتُ درب الحرّيّة، حتّى أصبح حرًّا مِن عبوديّة الأنانيّة، والانغلاق على الذّات، والموت الحتميّ.

 

أُؤْمِنُ بالحُبِّ، «[...] فالمحبة هي الحرية الوحيدة في هذا العالم؛ لأنها ترفع النفس إلى مقام سامٍ لا تبلغه شرائع البشر وتقاليدهم، ولا تسوده نواميس الطبيعة وأحكامها» ("جبران خليل جبران").

 

أُؤْمِنُ بالحُبِّ، حتّى يأتي ذاك اليوم الّذي أنتظره، الّذي أرى فيه البشريّة قاطبة تنحني أمام قدرة الله وحُبّه، معترفةً بأنّه هو الإله المطلق، الواحد في ثالوث، الخالق والفادي، سيّد الكون والتاريخ، وبالتّالي "اللّه مَحبَّة".

 

أُؤْمِنُ بالحُبِّ، حتّى يؤمن به البشر أجمعين، وعندما يؤمنون سنستطيع معًا أنْ نُعيد بناء ما هدمه الكارهون بكراهيّتهم، والأنانيّون بأنانيّتهم، والحاقدون بحقدهم.

 

أُؤْمِنُ بالحُبِّ، حتّى تقبل البشريّة بإيمانٍ مَن علَّمنا كيف ومَن نحبُّ، عندما قال: «أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضاً كما أَحبَبتُكم» (يو 15/12)، و«أَحِبُّوا أَعداءكم، وأَحسِنوا إِلى مُبغِضيكُم، وبارِكوا لاعِنيكُم، وصلُّوا مِن أَجْلِ المُفتَرينَ الكَذِبَ علَيكُم» (لو 6/27-28).

 

أُؤْمِنُ بالحُبِّ، حتّى يؤمن العالم أنّ الحُبَّ الحقيقيّ دائمًا مصلوبٌ، وأنّ كلَّ مَن يولد في الصّليب لن يهلك أبدًا، فلكلّ صليب قيامةٌ.

 

أُؤْمِنُ بالحُبِّ، لأنّ «مَن يبذلُ ذاته ويستسلم لله عن حبّ، سوف يأتي، بالتأكيد، بالثمر الكثير [...] لن يضيعَ له عملٌ فعلَه بحبّ، ولا أيٌّ من اهتماماتِه الصادقة بالآخرين، ولا أيٌّ من أعمال محبّة الله، ولا أيُّ تعبٍ سخيّ أو صبرٍ أليم»؛ ولأنّه «في الله، لا يضيع أي عمل محبة، مهما كان صغيرًا» ("البابا فرنسيس").

 

أُؤْمِنُ بالحُبِّ، لأنّني أؤمن، فالإيمان مرتبط بالحُبِّ، والحُبُّ مرتبط بالإيمان؛ فالإيمان هو فعل حبِّ، والحُبُّ هو فعل إيمانٍ.

 

أُؤْمِنُ بالحُبِّ، لأنّني أؤمن بالله الواحد في طبيعته وجوهره، وثالوث في أقانيمه وشركته وحبّه. فالإله الّذي أؤمن به ليس إلَّا "مَحبَّة"، ومحبّته هي خالقة وفادية وقادرة ورحيمة وعادلة؛ أو بكلمات أخرى، إنّ قدرة إلهي ورحمته وعدله يتصِّفون بالمحبّة.

 

أُؤْمِنُ بالحُبِّ، لأنَّ الله الّذي هو "المَحبَّة" ذاتها يحبُّني، ويؤمن بي، ويثق فيَّ.