موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٩ مايو / أيار ٢٠٢١

أن تُثمِروا ثمرًا كَثيرًا

بقلم :
الأب فارس سرياني - الأردن
أن تُثمِروا ثمرًا كَثيرًا

أن تُثمِروا ثمرًا كَثيرًا

 

الإخوةُ والأخواتُ الأحبّاء في المسيح يسوع. نحاولُ فعلًا أن نَحيا ما نُخاطِبُكم به. فإنْ دعوناكم أحبّة، فرسالتُنا أن نحبَّكم، لا بالكلامِ ولا باللّسان فَحَسَب، بَل بالعملِ والحق (1يوحنّا 18:3). عَالِمينَ أنّ ذلك قد لا يكون بالأمرِ الهيّنِ أحيانًا. إذْ قَد تَصطَدمُ بكَ، وأنتَ لا ترغب بذلِك، ظروف ووقائع، تحاول تَجَنُّبَهَا ما أَمكَن، وتَضعُ المحبّةَ الّتي يَدعونا إليها يوحنّا في رسالتِه الأولى، على الْمِحَكِّ وتحتَ الاختبار!

 

إنجيلُ الأحدِ الماضي، الرّابعِ من الفصح المجيد، كان إنجيلَ الرّاعي الصّالِح. وَتناوَلنا صفات هذا الرّاعي، الّذي يعرفُ خرافَه ويبذِلُ نفسَه في سبيلِها. أمّا في هذا الأحدِ الخامس للفصح، فنقرأُ إنجيلَ الكرمةِ والأغصان، المأخوذ أيضًا من بشارة يوحنّا، الفصلِ الخامس عشر. والّذي أَجِدُهُ أجملَ النّصوصِ الإنجيليّة في وصفِ العلاقة الوُجوديّة الّتي تربِط المؤمن بالمسيح، فهي كعلاقة الأغصانِ بالكرمة! فَبِدونِ ثباتِ الغُصن الفرع، في الكرمة الْمَصدَر، تُضحي فُرَصُ الغُصنِ في الحياةِ والنّجاة قليلةً بل معدومة!

 

أنا الكرمةُ وأنتم الأغصان. المسيح هو الكَرمة، ودورُ الكرمة أَن تمدَّ الأغصانَ بِعُصارةِ الحياة، أمّا الأغصانُ فدُورُها أن تُنتِجَ وتحملَ الثّمر. هذا الثّمرُ الطّيب الْمُتدلّي كَعُقودِ الّلؤلؤ، علامة على تَأصُّلِنا في المسيحِ الكرمة. فالكرمةُ أغصانُها تُنتجُ عِنبًا لا شوكًا. وإن حدثَ وأثمر شوكًا، فلِخَللٍ في الفرعِ لا في الأصل، وَلِمَرضٍ أصابَ الغُصن لا المصدر.

 

معيارُ المؤمن الحقيقي هو الثّمر الّذي يُؤتيه، فكما أنّه لا يُجنى من الشّوكِ عنب، ولا من العُلّيقِ تين (متّى 16:7-18)، فكذلك، لا يمكن لتلميذ المسيح الصّحيح، أن يُثمِرَ ثمرًا يخالفُ المسيحَ أصلَه ومصدرَه. فالمؤمن الحقيقي الصّادِق، غُصنٌ مُثمر وثمرُه طيّب. أمّا الْمُدّعي فهو غصنٌ جاف أو شبه يابِس لا يُثمر. وإن أَثمرَ فَثمرُه خبيث، لإنْ: "ليسَ للشّجرةِ الطّيبة أن تُثمرَ ثمارًا خَبيثة، ولا للشّجرةِ الخَبيثَة أن تُثمِرَ ثمارًا طيَبة، فَمِن ثمارِهم تَعرفونَهم" (متّى 18:7-20) فلا حاجة للكلامِ والوصف، فكلّ شجرةٍ تثمِرُ ثَمَرَها! وكلّ قَلبٍ يخرجُ ما فيه! وكلُّ وِعاءٍ يَنضحُ بما فيه. فإن كان طيّبًا؛ أحبّهُ النّاس وَمَالوا إليِهِ ورَغِبوا به. وإن كانَ خبيثًا؛ كَرِهَهُ النّاس وَحَادوا عَنهُ وَتَجنّبوه تَجنّبَ الرِّجس. وفي النّهاية: "كلُّ شَجرةٍ لا تُثمِرُ ثَمرًا طيّبًا تُقطَع وتُلقى بالنّار" (متّى 18:7ب).

 

جودةُ الغُصن من جُودَة ثَمرِه! فَهُناك أغصانٌ ثمارُها يانِعة سَمينة مُمتلِئة مُشبِعَة. وهناك أغصانٌ ثمارُها باهِتة هَزيلة جافّة تكادُ لا تَلحَظُها. فَإِنْ أرادَ غُصنٌ أن يَفتَخر، فَليفتَخر بما يَأتيه من حَسَنِ الثّمر، لا بالكلامِ المصفوفِ الفارغ! فالثّمرةُ الطّيبة هي البصمةُ الجميلة والأثرُ المحمود، الّذي يتركُه تلميذ المسيح حيثما ذهب وأينما حَل. كُلُّنا أغصانٌ في كرمة واحدة؛ أصلُ إيمانِنا واحدٌ ومصدرُ حياتِنا واحد، مُعلّمنا وأساسُنا واحدٌ، وهو المسيح. فَمَن أرادَ أن يفتَخر فَلْيَفتَخر بالرّب (1قورنتوس 31:1).

 

يقول الشّاعر عمر بن الوردي: لا تَقُل أصلي وَفَصلي أبدًا    إنّما أصلُ الْفَتى ما قد حَصَل

 

مع المسيح وفي كنيسة يسوعَ المسيح، لا افتخار لا بأحسابٍ ولا بأِنَسابٍ ولا بعشائر ولا بقبائل ولا بمناطقيّة ولا فِئويّة ولا حزبيّة: "فَما كانَ في العالمِ من غيرِ حسبٍ ولا نَسب وكانَ مُحتَقرًا، فذاكَ ما اختارَه الله، حتّى لا يفتَخِرَ بشرٌ أمامَ الله" (1قورنتوس 28:1). الافتخار عندَ الرّب يكون فَقط للمؤمن الْمُثمر ثمرًا طيًّبا مَليحًا، للمؤمن الحي، الفاعل في خَدمة كنيستِه. لا للمتكبّرين ولا لِلْمُدّعين ولا لِلْمُتَبجّحين، ولا لِفَاردي العضلات على الْمُستَضعَفين، ولا لمحتكري الكراسي ومتصدّري المجالس، ولا للباحثين عن لَقَبٍ فارغ ومَجدٍ باطِل. فالله هو الّذي حطّ المقتدرين عَن عروشِهم ورفع المتواضعين، وهو الّذي أَشبعَ الجياعَ مِنَ الخيراتِ، والأغنياءُ صرفَهم فارغين (راجع لوقا 52:19-53)

 

كنيسة يسوع المسيح لَيست بيتًا من الشَّعر تُمارس فيه مَشَايخ ووجاهات، أو تروى فيه صولات وجولات، أناسٌ على حساب أُناس. فَلَيس أحدٌ أفضلُ من أحد، أو أرفعُ شأنًا من الباقيين. كنيسة المسيح بيتُ الكُل، والكلُّ عائِلة، والعائلةُ عند المسيحِ سواسيَة ومتساوون. وإن كانَ هناكَ دَرجاتٌ ومَهمَّات، فهي لتنظيمِ الأمور ولضمانِ سيرِها، كَي لا تَعُمَّ الفَوضى في الجماعة ويَتبدَّدَ القَطيع. فَلا يمكنُ للغُصنِ أن يأخذَ دورَ الكرمة، كما لا يمكن للكرمة أن تأخذ دور الغُصن. وكذلِك لا يمكن للخروف أن يأخذَ دورَ الرّاعي، ولا للرّاعي أن يَتَقَمّص دورَ الخَروف. فالكاهنُ في الرّعية له دورُه، والرّاهبةُ لها دورُها، والمؤمن، كبيرًا صغيرًا، عازبًا متزوّجًا، كلٌّ له دوره، وكلٌّ له موقِعُهُ، باحترام وتقدير.

 

لا يحقُّ لِغصنٍ أن يَدّعي الأفضليّة على باقي الأغصان! إنْ كنت حقًّا تَسعى نحوَ الأفضل، فَأثمِر إذًا ثمارًا تدلُّ على أَفضَليّتِكَ. ولا يحقُّ لخروفٍ أن يَدّعي أنّه أفضلُ من سائِرِ الخراف، فخراف يسوعَ المسيح الصّحيحة تسيرُ في تناغم وانسجام وبمحبّة تربطها، خلفَ المسيحِ راعيها. أمّا مَن يساوم على القطيع وينتقد باقي الخراف، فهو خارجُ الحظيرة، ولا يُوافِق فكرَ المسيح، الّذي يُريدنا واحدًا، في محبّتِنا لبعضِنا البعض.

 

وإن كانت الأغصانُ حينَ تُورِقُ وتُثمر، تُصاب بالبَياضِ الدَّقيقي، وغيرها من الأمراضِ الفِطرية والحشريّة، فَيَسعى الكرّامُ فورًا إلى مُعالجتِها. فكذلِك نحن، وإن كُنّا في الكرمَة، إلّا أنّنا نُصابُ بِدَاءِ الخطيئة والمعصية، واللهُ كَرَّامُنا يَسعى إلى مُداوَاةِ ما فينا من داءٍ وبلاء. إلّا مَن نَأى بنفسِه ورفضَ العلاج مُصِرًّا على بَيَاضِه!

 

في السّينودس الّذي اِنعقَدَ سنة 1995، رُفِعَ شعار: مؤمنونَ بالمسيح، مشاركون في الكنيسة، شاهدون في المجتمع. إيمانُنا بالمسيح، مُشاركتُنا في الكنيسة، شهادتُنا في المجتمع، تتجلّى بأبهى صُوَرِها، عندما نُثمرُ ثمرًا طيّبًا كثيرًا يمجدُّ الله في حياتِنا. الثّمر الطّيب يدلّ كَم أنت حيٌّ ومُتأصّل في المسيح، والثّمرُ الفاسِد الخبيث يدلّ كم صاحبُه بحاجة على تَقضيب وتهذيب، وإلّا يُفصَل ويُطرح حتّى يَيبَس ثمّ يُلقَى في النّار!