موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٤

أضواء على رسالة السلام العالمي لعام 2024

بقلم :
الأب لويس حزبون - فلسطين
أضواء على رسالة السلام العالمي لعام 2024

أضواء على رسالة السلام العالمي لعام 2024

 

بمناسبة يوم السلام العالمي الذي يُحتفل به في الأول من كانون الثاني 2024، أطلق البابا فرنسيس رسالة السلام العالمي الثامن والخمسين.

 

شعار الرسالة:

الذكاء الاصطناعي طريق للسلام، إذ تهدف هذه الرسالة التّقدّم في تطوير أشكال الذّكاء الاصطناعيّ طريقًا للأخوّة الإنسانيّة والسّلام

 

مضمون الرسالة:

ويحتوي مضمون الرسالة على تساؤلات:

 

 

السؤال الأول: ما هو مفهوم الذكاء الاصطناعي  Artificial intelligenceوأهميته؟

 

في عام 1956، صاغ عالم الحاسوب جون مكارثي هذا المصطلح وعرَّفه بنفسه بأنه «علم وهندسة صنع الآلات الذكية».  فالذكاء الاصطناعي هو فرع من علم الحاسوب يقوم بسلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية، تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها.

ويعرِّف أندرياس كابلان ومايكل هاينلين "الذكاء الاصطناعي" بأنَّه "قدرة النِّظام على تفسير البيانات الخارجية بشكل صحيح، والتعلم من هذه البيانات، واستخدام تلك المعرفة لتحقيق أهداف ومهام محددة من خلال التكيف المرن".

دخل المصطلح الذكاء الاصطناعي الآن في اللغة العامّة، يشمل مجموعة متنوّعة من العلوم والنّظريّات والتّقنيّات التي تهدف إلى جعل الآلات تنتج أو تقلِّد القدرات المعرفيّة للبشر في أدائها.

 

أهمية الذكاء الاصطناعي

 

التقدّم في تكنولوجيا المعلومات وتطوّر التّكنولوجيّات الرّقميّة بدأ يُحدِث تغيّرات عميقة في المجتمع العالميّ. الذكاء الاصطناعي أخذ يغيّر وجه الاتّصالات والإدارة العامّة والتّعليم والاستهلاك والعلاقات بين الأشخاص، وجوانب أخرى لا حصر لها في الحياة اليوميّة.

 

ويؤكّد الكتاب المقدّس على أهمية الذكاء إذ خلق الله الإنسان على صورته ومثاله (راجع تكوين 1: 26)، وأعطاه “مَهارةً وفَهْمًا ومَعرِفةً بِجَميعِ الصَّنائع" (خروج 35: 31). أكّد المجمع الفاتيكانيّ الثّاني هذه الحقيقة أنّ "الإنسان سعى دائمًا لتطوير حياتَه بعملِه وذكائه" بالأدوات التّقنية (في الدّستور الرّعائي فرح ورجاء)

 

 

السؤال الثاني: ما هو تأثير الذكاء الاصطناعي على واقعنا البشري

 

للذكاء الاصطناعي إيجابيات وسلبيات على واقعنا البشري

 

أ) إيجابيات الذكاء الاصطناعي

 

تعاون الإنسان مع إرادة الله بالذكاء والتكنولوجيا لإكمال الخليقة بتغيير العالم، وتحسين نظام المجتمع البشريّ، وفي زيادة الحرّيّة والشّركة الأخويّة.

 

يؤدّي الذكاء الاصطناعي إلى تحسين الإنسان، بقدر مساهمته في تحسين نظام المجتمع البشريّ، وفي زيادة الحرّيّة والشّركة الأخويّة

 

تعزيز الذكاء الاصطناعي جهود حفظ السلام والوساطة والجهود الإنسانية لتحقيق العدل والوئام والسلام بين الشّعوب من خلال التعرف على أنماط العنف ومراقبة وقف إطلاق النار

 

يختصر الذكاء الاصطناعي الأعمال التقليدية والروتينية ويقلص من بعض الأخطاء البشرية، ويعطي حيزاً أكبر للاجتهاد والابتكار.

 

يُسرع الذكاء الاصطناعي في التنمية العالمية بما في ذلك مراقبة أزمة المناخ وتحقيق طفرات في مجال الأبحاث الطبية وعلاجٌ لعدد لا يحصى من الشّرور التي ابتليت بها الحياة البشريّة وتسبّبت في آلام كبيرة.

 

يستخدم الذكاء الاصطناعي في أساليب التّدريس والتّنشئة.

  

ب) سلبيات الذكاء الاصطناعي

 

وماذا سيكون تأثيرها على حياة الأفراد والمجتمع وعلى الاستقرار الدّوليّ والسّلام؟

 

على المستوى حرية الاختيار 

تستخدم التّقنيّات عددًا كبيرًا من الخوارزميّات «algorithm») (هي التسلسل الاختيار والتكرار) يمكنها أن تستخرج، من الآثار الرّقميّة المتبقّية على” الإنترنت“، البيانات التي تسمح بالتّحكّم في عادات الأشخاص العقليّة والعلائقيّة لأغراض تجاريّة أو سياسيّة، غالبًا دون علمِهم، ما يحدّ من ممارستهم الواعية لحرّيّة الاختيار. في الواقع، في مساحة مثل الشّبكة المعلوماتيّة العالميّة (web)، التي تتميّز بكمّيّة زائدة من المعلومات، يمكن للتّقنيّات تنظيم تدفّق البيانات وفقًا لمعايير اختيار لا يشعر المستخدم بها دائمًا.

 

على المستوى على الثقافة  

تخضع البحث العِلميّ والابتكارات التّكنولوجيّة لاختيارات متأثّرة بالقيَم الشّخصيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة لكلّ عصر. لذا يستخدم الذكاء الاصطناعي لتشويه المعلومات والأخبار المزيّفة وخطاب الكراهية “والميل لإقامة ثقافة الجدران، ورفع الجدران، لمنع اللقاء مع الثّقافات الأخرى، ومع الآخرين" وتقويض الحقائق والأمان ومنع العيش معًا بسلام وأخوّة

 

على مستوى العمل

يكمن خطورة الذكاء الاصطناعي في أنه يقضي على الوظائف التي يقل فيها الاجتهاد والاتصال البشري مما يزيد من الهوة بين الطبقات الاجتماعية وفجوة الثروات بين الشعوب وفقا لقول أفلاطون الفيلسوف “إن السادة والطبقة العليا هي من تعمل بعقلها، والطبقة الدنيا هي من تعمل بجوارحها أي أعضاء جسمها كاليد والرجل...".

 

على المستوى على الأخلاق

 

الذّكاء الاصطناعيّ قادر على إنتاج نصوص متماسكة ومتناسقة من حيث المعنى ولكن في الواقع لا أساس لها من الصّحّة أو يمكن أن تدُلَّ على أحكام مسبقة.  وهذه مشكلة خطيرة عندما يُستخدَم الذّكاء الاصطناعيّ في حملات التّضليل التي تنشر أخبارًا مزيّفة وتؤدّي إلى تزايد عدم الثّقة بوسائل الإعلام.

 

يشكل الذكاء الاصطناعي مخاطر جسيمة على السّريّة وحيازة البيانات والملكيّة الفكريّة

 

استخدامها الذكاء الاصطناعي بصورة غير سليمة، مثل التّفرقة، والتّدخل في العمليّات الانتخابيّة، والانحياز إلى مجتمع يراقب ويتحكّم بالنّاس، وحرمان الاستخدام الرّقميّ يغذي الصّراعات وعرقلة السّلام 

 

يعرض الذكاء الاصطناعي الحرّيّة والعيش معًا بسلام للتّهديد عندما يتوجه نحو أهداف خاصّة مثل التجارب الأنانيّة والمصلحة الشّخصيّة والجشع في الرّبح والتّعطّش إلى السّلطة

 

محدوديّة الذكاء الاصطناعي أمام الواقع: "الواقع أسمى من الفكرة"، والذكاء يعتمد على الماضي بشكل كمِّي، وليس بشكل نوعي، حتى لو امتلك المنطق للوصول إلى نتيجة.

 

مهما زاد كفاءة الذكاء الاصطناعي فان الهدف والمعنى لعمليّاته، يحدّدها أو يُفَعِّلُها والإنسان، والإنسان عالم خاصّ به من القِيَم، فقد يميل إلى تجاهُل كلّ ما لا يرتبط بمصالحه المباشرة. فتتراكم المعرفة والمال في أيدي قلّة من النّاس

 

القضايا الأخلاقيّة الخطيرة المرتبطة بقطاع التّسلّح عن الطريق الذكاء الاصطناعي.  ولا يمكن حصر هذه القدرة الأخلاقيّة في برمجة آليّة، فهي مهما كانت” ذكيّة“، تبقى دائمًا آلة. فالإنسان وحده له القدرة على الحكم الأخلاقيّ واتّخاذ القرار الأخلاقيّ

 

يهدد "الذكاء الاصطناعي السلام والأمن الدوليين" لدى استخدامه لأغراض إرهابية أو إجرامية أو لصالح دولة، مما يسبِّب الموت ودمار البنية التحتية الحيوية والعمليات الإنسانية وعمليات حفظ السلام وتفشي الصدمات والضرر النفسي العميق ومعاناة إنسانية كبرى.  "أن التفاعل بين الذكاء الاصطناعي والأسلحة النووية والتكنولوجيا البيولوجية والتكنولوجيا العصبية وتكنولوجيا الروبوتات، هو "أمر مقلق للغاية" كما جاء في تصريح السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة.

 

 

السؤال الثالث : ما العمل والتوصيات؟

 

مع ازدياد أهمّيّة الذّكاء الاصطناعيّ نجد التّحدّيات أيضًا أنثروبولوجي وتربويّة واجتماعيّة وسياسيّة. لذلك لا بد من التوصيات التالية:

 

 

 على مستوى السلام

 

توجيه البحث العِلميّ والتّقنيّ الذّكاء الاصطناعيّ إلى تحقيق السّلام والخير العام، في خدمة التّنمية المتكاملة للإنسان والمجتمع حيث يتمكّن التّقدّم الرّقميّ من أن يتحقّق مع احترام العدل ومع المساهمة في قضيّة السّلام، وصون حقوق الإنسان الأساسيّة، واحترام المؤسّسات والقوانين التي تعزّز التّنمية البشريّة المتكاملة.

 

دراسة القضايا الأخلاقيّة وحماية حقوق الذين يستخدمون بعض أشكال الذّكاء الاصطناعيّ أو يتأثّرون بها. لان الحرّيّة والعيش معًا بسلام يتعرّضان للتّهديد عندما يستسلِم البشر لتجارب الأنانيّة والمصلحة الشّخصيّة والجشع في الرّبح والتّعطّش إلى السّلطة

 

تماشي التّقدّم في الذكاء الاصطناعي مع احترام العدل وكرامة لكلّ شخص والأخوّة البشريّة ومع المساهمة في قضيّة السّلام.

 

ضمان رقابة بشريّة للذكاء الاصطناعي على أنظمة الأسلحة التي تعمل على الذكاء الاصطناعي على غرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واتخاذ تدابير وقائية ورقابية فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي

 

تعزيز التّفكير النّقدي في استخدام أشكال الذّكاء الاصطناعيّ وتّمييز في استخدام البيانات والمحتويات التي أنتجتها أنظمة الذّكاء الاصطناعيّ.

 

اهتمام المدارس والجامعات والجمعيّات العلميّة على مساعدة الطّلاب والمختصّين ليتبنّوا الجوانب الاجتماعيّة والأخلاقيّة لتطوير واستخدام تّكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

 

تبني هيئة الأمم معاهدة دوليّة ملزمة لتنظيم وتطوير واستخدام الذّكاء الاصطناعيّ بأشكاله المتعدّدة. بهدف ليس منع الممارسات السّيّئة فحسب، إنما تشجيع الممارسات الجيّدة، وتحفيز الأساليب الجديدة والإبداعيّة، وتسهيل المبادرات الشّخصيّة والجماعيّة والعمل على صياغة مبادئ توجيهيّة أخلاقيّة لإنتاج أشكال الذّكاء الاصطناعيّ التي لا تتجاهل معنى الحياة الإنسانيّة، وحماية حقوق الإنسان الأساسيّة، والسّعي لتحقيق العدل والسّلام.

 

تدخل الأمم المتحدة لوضع المعايير وتوجهات دولية للتعامل مع الذكاء الاصطناعي بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان للرقابة والحَوْكَمة ولدعم الاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي من أجل المنفعة العامة، والتعرف على أنماط العنف ومراقبة وقف إطلاق النار وتعزيز جهود حفظ السلام والوساطة والجهود الإنسانية.

 

 

على مستوى الأخلاق

 

اتخاذ القضايا الأخلاقيّة بعين الاعتبار منذ بداية البحث في الذكاء الاصطناعي، وفي مراحل الاختبار أيضًا، والتّصميم والتّصنيع والتّوزيع والتّسويق، لكيلا يسيطر الذكاء الاصطناعي على المجتمع.

 

استخدام الذكاء الاصطناعي بمسؤوليّة وباحترام القيَم الإنسانيّة الأساسيّة مثل "الشّموليّة والشّفافيّة والأمن والعدالة والسّريّة والثّقة، وضمان حقوق الإنسان

 

عدم تحديد فرادة الشّخص من خلال مجموعة من البيانات يقدمها الذكاء الاصطناعي احتراما للكرامة الإنسانيّة، لان هذه الذكاء يضع جانبًا القِيَم الأساسيّة للرّأفة والرّحمة والغفران، وإمكانيّة تغيير الفرد وترك ماضيه.

 

عدم تنافس الذّكاء الاصطناعيّ مع الإمكانات البشريّة، لان الذّكاء الاصطناعيّ يمكن أن يحسب كلّ شيء، لكنه في النّهاية "الواقع أسمى من الفكرة".

 

القضاء على المخاطر الناجمة عن استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بشكلٍ غير منضبط، وذلك من خلال الأنظمة المتعلقة بالأخلاقيات والمسؤولية والسلامة.

 

 

على مستوى التربية والتعليم

 

استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي واعتماد نُظُم التدريس الذكية لدعم التعليم المبني على التفاعل الإنساني بدلا من استبداله وهذا يتطلب استعداداً للتوعية بالذكاء الاصطناعي.

 

تدريب المعلمين على استخدام الذكاء الاصطناعي ومعاييره لتطوير المهارات في مجال تكنولوجيا التعليم والمعلومات والاتصالات.

 

ربط المدارس بالإنترنت وإلى استمرار التركيز على الفئات الأكثر تهميشاً ليكون لهم الحق في القدرة على الاتصال الإلكتروني لتجنب الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، فيصبح الذكاء الاصطناعي وسيلة "لجسر الانقسامات التربوية والاجتماعية والاقتصادية" لا أداة للتباعد.

 

إنشاء دليل سليم ودقيق وغير متحيز للقيمة لاستخدام التكنولوجيا في التعلم

 

 

خلاصة

 

إذ التزمنا بالأمور الواردة أعلاه، نتمكّن من السير معًا، لمواجهة التّحدّيات التي تثيرها الثّورة الرّقميّة عبر الذكاء الاصطناعي، والعمل سويا في بناء عالم جديد، ومن أن نسهم في بناء ملكوت الله، الذي هو ملكوت محبّة وعدل وسلام. 

 

 

دعاء

 

يا ربَّ السلام امنح عالمنا السلام

يا ربَّ السلام امنح بلادنا السلام

يا ربَّ السلام امنح قلوبنا السلام

وندعو الله العليّ القدير أن يكون العام الجديد عام سلام وطمأنينة على الجميع، عاما سعيدا ملؤها السلام والخير.