موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٩ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠

أردن التعايش في ذكرى ميلاد السيد المسيح

د. هايل الداوود، وزير الأوقاف الأردني الأسبق

د. هايل الداوود، وزير الأوقاف الأردني الأسبق

د. هايل الداوود :

 

يفرح المسلمون بمولد رسول الله عيسى عليه السلام روح الله وكلمته ألقاها إلى أمه مريم العذراء البتول، الذي أنطقه الله في المهد، كما يفرحون بمولد رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، خاتم النبيين والمرسلين وإمامهم، ذلك أن عيسى هو أخوه فالأنبياء إخوة، ورسول الله أولى الناس به كما قال عليه الصلاة والسلام: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» رواه أحمد.

 

وعيسى عليه الصلاة والسلام هو المبشر بأعظم هدية من السماء، حيث بشر الناس جميعا برسولنا الكريم، قال تعالى: «وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ». سورة الصف آية 6.

 

وفي ظل هذه المفاهيم التي تعبر عن حقيقة نظرة الإسلام إلى أنبياء الله وأتباعهم، وفي ظلال قوله تعالى في كتابه العزيز: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ» آل عمران 64، دأب جلالة الملك عبد الله الثاني على تهنئة الإخوة المسيحيين في الأردن وفلسطين وجميع أنحاء العالم بالأعياد المجيدة. ويحرص جلالته سنويا على استقبال رؤساء الكنائس في الأردن والقدس والشخصيات المسيحية الأردنية، وممثلين عن الأوقاف والهيئات المقدسية الإسلامية، تعبيرا عن هذا الفهم لطبيعة العلاقات التي تربط بين مكونات المجتمع الواحد، بل والأسرة الإنسانية جمعاء. وقد أكد جلالة الملك وولي عهده الأمين خلال لقائه أخيرًا –عبر تقنية الاتصال المرئي– بأبنائه المسيحيين لتقديم التهنئة لهم بمناسبة عيد الميلاد المجيد، أن المسلمين والمسيحيين في الأردن أسرة واحدة، تعمل من أجل مصلحة الوطن وتقدمه وازدهاره، كما يؤكد دائما على تشرفه بالدفاع عن حقوق المسلمين والمسيحيين في القدس كواجب وإرث هاشمي مقدس، وتقديم كل الدعم والتأييد لهم. واعتزازه بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، هذه الوصاية الكريمة التي يتشرف بها الأردنيون جميعاً. إننا في الأردن نعتز بنموذج العيش المشترك بين كافة مكونات الطيف الأردني الجميل بمختلف مكوناته الدينية والعرقية، ونفخر بهذه الثمار اليانعة من المحبة والسلام التي زرعها آباؤنا وأجدادنا في هذه البلاد، وقدموا أنموذجا عظيما في الإخاء والوئام، والعيش الواحد المشترك، يسهم في بناء وطن ولا أجمل ولا أحلى ولا أقوى، ليبقى الأردن دائما وأبدا آمنا مطمئنا مزدهرا، ويجعل الأردن مثالا محترما يقتدى به، في ظل ما يسود عالم اليوم من تطرف وحروب طائفية مذهبية وعرقية ليكون واحة أمن وسلام.

 

إن وثيقة المدينة المنورة التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت مكونات المدينة بكل أطيافها وأديانها وأعراقها أمة واحدة في السراء والضراء، يتشارك أهلها في القيام بواجب المواطنة، ويتساوون في الحقوق والواجبات، من منطلق التكريم الإلهي للإنسان دون تمييز، قال تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» الإسراء 70.

 

وفي ضوء هذه الوثيقة وهديها سار الفاروق عمر عندما ضمن لأهل القدس المسيحيين أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وأن لا تُسكن كنائسهم، ولا تُهدم، ولا ينتقص منها، ولا من صلبهم، ولا من شيء من أموالهم. ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، وعلى ما في هذا الكتاب عَهْدُ الله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، وحافظ المسلمون على هذه العهدة حتى تسلم الراية الهاشميون كابرا عن كابر إلى جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين.

 

وفي ظلال هذا الفهم الكريم كان أمراء الجيوش الإسلامية يعطون أهل البلاد المفتوحة التي خلصها المسلمون من نير الاستعمار الفارسي والروماني الغاصب للأرض العربية الحرية في أداء شعائرهم الدينية بل والإعلان عن مناسباتهم الدينية وضرب نواقيسهم وإظهار طقوسهم.

 

وفي هذه الأيام التي يحتفل بها الإخوة المسيحيون بذكرى مولد المسيح عليه السلام نبارك لهم أعيادهم ونفرح معهم بذكرى مولد عيسى عليه السلام لأننا وكما أوصانا القرآن الكريم «لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ» البقرة 285» «وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» البقرة 136.

 

(الرأي الأردنية)