موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر Saturday, 7 January 2023

أبناءُ رِضَى

بقلم :
الأب فارس سرياني - الأردن
هَذَا هوَ إيمانُنَا. هَذَا هوَ إيمانُ الكَنيسَة. هَذا هوَ الإيمانُ الّذي نُعْلِنُهُ بِافتِخَار، في الْمَسيحِ يَسوعَ ربِّنا. آمين

هَذَا هوَ إيمانُنَا. هَذَا هوَ إيمانُ الكَنيسَة. هَذا هوَ الإيمانُ الّذي نُعْلِنُهُ بِافتِخَار، في الْمَسيحِ يَسوعَ ربِّنا. آمين

 

عظة عيد عماد الرّب

 

عِيدُ عِمادِ الرّب! العِيدُ الَّذي بِهِ نَبْتَدِأُ زَمنَ السَّنَةِ العَادي. وَمَع الْمَعموديّةِ فَصْلٌ جَديدٌ مِن فُصولِ حياةِ الْمَسيح، بِهِ يخرجُ إلى الضُّوءِ وَالعَلَن، وَبِه وَحيٌ مُباشِرٌ، فَاللهُ يَظْهَرُ لَنَا بِكَلِمَتِه وَرُوحِهِ. وَمَع الْمَعموديَّة، يَستَهِلُّ يسوعُ مَسيرَتَهُ، مُعَلِّمًا وَوَاعِظًا، وَشَافيًا وَرَاعِيًا، وَدَاعِيًا إلى التَّوبَة.

 

وَكَما أنَّ الْمَعموديةَ بدايَةُ فَصلٍ جَديدٍ في حَياةِ الْمَسيح، كَذَلِكَ كُلُّ مَعموديّة، هِيَ إيذانٌ بِبَدءِ فَصلٍ جَديد، مِن فُصولِ حَياةِ الإنسان. فَهَذَا الحَدَثُ هوَ بِمثابةِ البَوّابةِ الّتي مِنْ خِلالِها، يَلِجُ الْمَرءُ إلى حياةِ الإيمان، وبهِ يُصبِحُ عُضوًا في جَسَدِ الْمسيحِ أَي الكَنيسَة، نَاهِلًا مِن أَسْرَارِهَا وَتَعاليمِهَا الْمُقَدَّسَة. دونَ أنْ نَنسَى أَنَّنا بالْمعموديّةِ أَصبَحنَا كُلُّنا أَبنَاءً للهِ أَحِبَّاء، وَلَكِنْ لَيسَ كُلُّ الأبناءِ الأحبَّاءِ، هُمْ أَبناءُ رِضَى!

 

والإنسانُ بِطبيعتِهِ يَا أحبَّة يَبْحَثُ عَن الرِّضَى. فَالرِّضَى يَحمِلُ مَعَاني السَّعَادةِ والسَّكينَةِ وَالاسْتِقرار، وَهوَ مُكِّونٌ أَسَاسِيٌّ مِن مُكوِّنَاتِ الْمَسَرَّةِ، الّتي نَادَتْ بِها مَلائكةُ العُلَى لَيلةَ الْمِيلاد. وَللرِّضَى عِدّةُ جَوانِب. فَهُنَاكَ الرِّضَى عَنِ الذَّات، الرِّضَى عَن نمطِ الحياة، الرِّضَى عَنِ الشَّريكِ الزَّوجِيّ والعَائِلَة، الرِّضَى عَنِ الْمُستوى الْمَادّيّ وَالْمَعيشي، الرِّضَى عَنِ الوَظيفَةِ وَالْمركِزِ والوَضعِ العَام...إلخ.

 

لأنَّ عَدمَ الرِّضى يَقودُ حتمًا إلى حُزنٍ وَمَرَارَة، ويُؤَدِّي إلى غَضَبٍ وَسُخْط، وَإلى حِقْدٍ وَحَسَدٍ وَضَغينَة، وَيُؤجِّجُ كَثيرًا مِنَ مَشَاعِرِ عَدَمِ الارتياح، وَأَفْعَالٍ مُضِرَّةٍ أَيضًا. فَالرِّضَى كَنزٌ، فَهَنيئًا لِمَن وَجَدَهُ ويَنعَمُ بِه.

 

 

وكَما أنَّ الإنسانَ بَاحِثٌ عَنِ الرِّضى، فَكَذلِكَ الْمؤمِنُ يَسْعَى لِلرِّضى الأسمَى، أَلا وَهوَ رِضى اللهِ تَعَالَى. فَانْظُروا مَثًلا دَعوةَ الأُمِّ لابْنِهَا في كُلِّ صباحٍ: "الله يَرضى عَليك يَا وَلَدي، يَا بْنَيِّ". رِضى الله غايةُ كُلِّ مُؤمِنٍ صَالِح! وَكَما سَمِعنَا صَوتَ الآبِ يُخاطِبُ الْمسيحَ، دَاعِيًا إِيُّاهُ ابنَ رِضى، فَكَذلِكَ كُلُّ مُؤمنٍ لَحظةَ اعْتِمادِه يَنَالُ دَعوةَ الله، في أَنْ يَكونَ هوَ أَيضًا ابنَ رِضى!

 

وَالْمَهمَّةُ هُنَا تَقَعُ بالدّرجةِ الأولَى عَلَى عَاتِقِ الوَالِدَينِ والأشْبينَين، في تَنْشِأَةِ أَبْنَائِهم تَنْشِئةً مَسيحيَّةً صَالِحة! وَلَكِن، كَمْ مِنَ الأبْنَاءِ أَخْفَقوا في تَحقيقِ دَعوتِهم هَذهِ، لأنَّ الْمِثَالَ كَانَ فَاشِلًا مِنَ الأَساس؟! فَالْمَعموديّةُ يا أَحبَّة لَيسَتْ مَنَاسَبَةً اجتمَاعيّة، وَلا هِيَ حَفلَةٌ وَلا وَليمَةٌ ولا ضيافَة، كَما أصبَحت اليوم، مَع كُلِّ أَسَف. الْمَعموديّةُ دَعوَةٌ ونَهجُ حَياة، فَشِلَ كَثيرونَ في تحقيقِهَا وَعَيشِهَا. فَتَجِدُ جُلَّ الْمَسيحيّين هُمْ اِسميّونَ فَقَط، لا يَدْرونَ عَنْ مَسيحيِهِم شَيئًا، وَكُثُرٌ لا تَرَاهُم إلّا سَاعةَ الْمَعموديّة، وَعِندَ الحاجَةِ لِوَثيقةِ إِطلاقِ حَال، وَسَاعةَ الوَفاةِ والدَّفن!

 

فَكَمَا أَنَّ في كَثيرٍ مِنَ العَوائِلِ أَبناءٌ عَاقُّونَ وَعَاصون، كَذلِكَ مِنَ الْمُعَمَّدينَ أَبناءُ مَعصيَة، أَخْفَقوا في أنْ يَكونوا عَلى مِثالِ الْمَسيحِ، أَبناءَ بِرٍّ وَرِضىً وَصَلاح!

 

سِرُّ الْمَعموديّةَ سِرٌّ يُعْطَى لِمرَّةٍ واحِدَة، فَالْمَعموديّةُ لا تُعادُ وَتُمنَحُ مَرّةً ثَانية. وَلَكِن، مِنْ نَاحيةٍ أُخرَى، سِرُّ الْمَعموديّةِ هوَ سِرُّ تَوبَةٍ لِمَغفِرَةِ الخَطايا. لِذلِكَ، كُلُّ مَرَّةٍ نَتَقَدَّمُ فِيهَا مِن سِرِّ الْمُصَالَحةِ والاعتِرَاف، نَنَالُ غُسْلًا جَديدًا مِن خَطايانَا، وكَأنّنا نَعتَمِدُ مِنْ جَديدٍ بِنعمَةِ الرّوحِ القُدس، الّذي يُفيضُهُ اللهُ عَلَينَا لِمَغفِرَةِ الخطايا. فَسِرُّ الاعتِرافِ، هوَ مَعموديّةٌ جَديدَة، نَحُثُّ الجَميعَ عَلَى الاغتِسَالِ بِمِياهِهَا الْمُطَهِّرَة.

 

يَومَ الْمعموديّة، نَطَقَ الآباءُ والأُمّهاتُ والأشابينُ والحاضِرون، وَتَحدَّثُوا باسْمِنا مُعلِنينَ الإيمانَ. أَمّا اليوم، فَكُلٌّ مِنّا بِصَوتِه، يُعلِنُ إيمانَهُ وَيُجَدِّدُ مَواعِيدَ معموديّتِه. فَيا أَيُّها الإخوةُ والأخواتُ الأحبّاء:

 

الكاهن: أَتَكفرونَ بالشّيطان؟ نَعَم نَكفُر.

الكاهن: وَبِجميعِ أَعمالِه؟ نَعَم نَكفُر.

الكاهن: وَبجميعِ أَبَاطيلِه؟ نَعَم نَكفُر.

الكاهن: أَتَكفرونَ بالخطيئَة؟ نَعَم نَكفُر.

الكاهن: أَتَكفرونَ بالاعتقاداتِ البَاطلَةِ وَالسِّحر؟ نَعَم نَكفُر.

 

الكاهن: أَتؤمِنونَ باللهِ الآبِ القَدير، خَالقِ السَّماءِ وَالأرض؟ نَعَم نُؤمِن.

الكاهن: أَتُؤمِنونَ بِربِّنا يَسوعَ الْمَسيح، ابنِهِ الوَحيد، الّذي وُلِدَ مِن مَريم البَتول، وَتَألَّم وَمَاتَ وَقُبِرَ وَقَامَ مِن بَين الأموات، وَهو جَالِسٌ عَن يمينَ الآب؟ نَعَم نُؤمِن.

الكاهن: أَتُؤمِنونَ بالرّوحِ القُدُسِ، وَبالكنيسَةِ الكَاثُوليكيّةِ الْمُقدّسة، وَبِشَركَةِ القِدّيسين، وَمَغفرَةِ الخَطايا، وَقيامَةِ الْموتَى، وَالحياةِ الأبَدَيةّ؟ نَعَم نُؤمِن.

 

هَذَا هوَ إيمانُنَا. هَذَا هوَ إيمانُ الكَنيسَة. هَذا هوَ الإيمانُ الّذي نُعْلِنُهُ بِافتِخَار، في الْمَسيحِ يَسوعَ ربِّنا. آمين