موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٠ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠

(كوفيد) على وجه العيد

الاصابة تجعلك تدرك أنك جزء من الأسرة البشرية الواحدة، المتضامنة في سراء الحياة وفي ضرائها

الاصابة تجعلك تدرك أنك جزء من الأسرة البشرية الواحدة، المتضامنة في سراء الحياة وفي ضرائها

الاب رفعت بدر :

 

ما إن تتلقى رسالة تخبرك عن نتيجة فحصك، حتى تنتابك مشاعر مختلطة. فمن اليوم وصاعدًا أنت ستصبح رقمًا يُضاف إلى أعداد المصابين، في حالة نتيجتك الإيجابية Positive. نعم في المساء يقرأ المتابعون عدد الاصابات وأنت اليوم من بينهم.

 

بلا شك، انّ النتيجة الإيجابية هي بداية «اللخبطة» في حياة الانسان، فأنت محكوم بالحجر الصحي، وعليك أن تُعامل تفسك بمنأى عن الناس «السلبيين» مدركًا بأنّ إصابتك هي بداية الرحلة إلى المجهول، وعليك مراقبة الأوكسجين والحرارة والضغط والسكري وغيرها من القراءات اليومية المتواصلة.

 

وبالرغم من تلك المشاعر المتضاربة، لكنّك من تلك اللحظة، «تضع عقلك في راسك»، وتعلن تضامنك الفعلي مع جماهير المصابين في بلدك وفي العالم أجمع –أو كما قيل مع الإنسانية جمعاء- فلم يَعُد الأمر لك مجرد أرقام تقرأ عنها، بل هو قد تسلل إلى بيتك وإلى جسمك فأحدث أعراضه التي تأتي يومًا بعد يوم. وتعلن تضامنك وتقديرك أيضًا مع كل الباذلين جهودًا لإجراء الفحوصات وبعدها لمراقبة وضعك الصحي. فيحدث أن تنفصل حينًا عن عملك وزملائك وأهلك وأصدقائك، فمن عوارض كورونا الوحدة القاتلة التي تجعل من هاتفك المحمول أداة التواصل الوحيدة مع العالم خارج غرفتك، رغم أنّك لا تستطيع أن تجيب على هواتف المهتمين من أهلك وزملائك وأقاربك وأصدقاء عملك من مختلف دول العالم. ومن مظاهر التضامن الإنساني والوطني، حجم المأكولات التي تصلك من أهلك وعزوتك... وهنالك طبعًا بروتوكولات لإيصال الطعام، فانت لا ترى الناس ولا تستقبلهم، بل يأتون ليضعوا الطعام عند باب بيتك، وأحيانًا لا تدري من هم، فيبقون سرًا في قلب الله المحبة.

 

ويحدث أن يأتي كوفيد في غمرة التحضير لعيد الميلاد، وعليك واجبات ومسؤوليات، وبالأخص أنك رجل دين، وعليك ترؤس المراسيم والطقوس الدينية، فيأتيك كوفيد على وجه العيد ليزيد من مقتك له، ولكنك في النهاية لا تملك سوى خيار يتيم واحد وهو أن تقبل بالأمر الواقع. فالإصابة بكورونا، بالرغم من كل الاحتياطات على مدار الأشهر السابقة، ممكنة في كل وقت وفي كل مكان. والإصابة ليست عيبًا، بل العيب الضميري هو أن تكون مصابًا وتخفي الأمر خوفًا من تعطل عملك أو أن تصبح "سولافة على ألسنة الناس"، وعليك أن تعلن لمن خالطتهم في الأيام السابقة للفحص أن "يديروا بالهم"، وأن يكونوا مهيئين لتغيير في حياتهم مثلما حصل معك، لكنّك تصلي بشكل حار ألا تكون باصابتك قد سببت إصابات جديدة.

 

والاصابة أولاً وأخيرًا تجعلك تدرك أنك جزء من الأسرة البشرية الواحدة، المتضامنة في سراء الحياة وفي ضرائها. ومن حسنات العام العشرين عشرين، بالرغم من سوداويته، أنه جعلنا متيّقنين أكثر فأكثر بأنّنا جميعًا، على اختلاف القوميات والأديان والثقافات، كلنا أخوة وأخوات تحت سقف الرحمة الإلهية الواحدة.

 

عافاكم الله أجمعين!