موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٩ مايو / أيار ٢٠٢٢

شيرين.. اسم يدخل التاريخ

قداس لراحة نفس شيرين أبو عاقلة في كنيسة قلب يسوع الأقدس - تلاع العلي

قداس لراحة نفس شيرين أبو عاقلة في كنيسة قلب يسوع الأقدس - تلاع العلي

الأب رفعت بدر :

 

أصبح اسم شيرين أبو عاقلة علامة مميّزة على درب النضال الفلسطيني، ليس فقط من بعد استشهادها، وإنما من قبل ذلك من خلال العمل الإعلامي والإخلاص به. وأعتقد بأنّ هذا الاسم سيبقى لامعًا في حقل الصحافة والإعلام، ولكن أيضاً في عالم النضال، فهذا ليس محصورًا بمعناه التقليدي فحسب، إنما هنالك أيضاً نضال الكلمة ونضال الإعلام الذي هو أساسي في حياة الشعب. لذلك فإنّ شيرين التي اعتدنا على رؤيتها في نقل معاناة الشعب الفلسطيني إلى كلّ أرجاء الأرض، عبر كبرى الفضائيات في العالم، والتي شقّت درب الإعلام منذ 27 عاماً، سيبقى اسمها لامعاً في درب النضال، وفي درب استحقاق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة بإذن الله.

 

لا أريد التوقف عند الأحاديث التي امتلأت بها مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها ما يسأل عن «شرعيّة» اعتبارها شهيدة، وما يتساءل عن الترحّم عليها، أحلال هو أم ممنوع؟ لأنها اقوال مبنيّة على قناعات أو تعليمات أو تربيّة منذ الصغر. لكن الأمر صراحة قد ضاعف الحزن في قلوب الملايين ممّن تأثروا على هذا الرحيل المفجع للشهيدة شيرين. إنّ الهمّ واحد، والماضي واحد، والأمل واحد، والمستقبل بلا شكّ سيكون واحداً، لكن ما شهدناه قبل أيام، من قبل القلة المغردة على وسائل التواصل، كان محزنًا في التوقّف عند بعض التساؤلات، والتي من المفترض أن تكون إجاباتها بديهيّة، بأن هل يجوز على تقديم العزاء؟ وهل يجوز طلب رحمة الله؟ وهل يجوز إطلاق صفة الشهيدة التي أريقت دماؤها ذات صباح على أرض الميدان الإعلامي فيما تواصل جيوش الاحتلال أعمال القتل والتدمير للبيوت والإنسان؟

 

أنظر إلى هذه الاستاذة الفاضلة بأنها كانت ملتزمة وأصيلة في وطنها، وفي صدق انتمائها إلى التراب الفلسطيني، وفي صدق مشاعرها الوطنيّة والتي كانت تفتخر بأنها ابنة القدس وبيت لحم ورام الله. لذلك لدينا كلّ هذا الجمع بين مدن فلسطينيّة عديدة. كما لديها هذا البُعد الإيماني الرائع الذي نفتخر به في فلسطين، والذي هو بُعد الحياة العربية المسيحيّة.

 

المسيحيون موجودون، المسيحيون صامدون مثلهم مثل إخوتهم في المصير والصراع. لكن العدد الذي تأثّر في السنوات الماضيّة هو عدد المسيحيين، نظرًا لقلة عددهم أصلاً، ولأعمال الهجرة لا بل التهجير التي مارسها الاحتلال على صفوف الشعب الفلسطيني، ومنهم المسيحيون الذين قلّت أعدادهم، وأصبح لدينا في أمريكا الجنوبيّة، على سبيل المثال لا الحصر، أعداد المسيحيين الفلسطينيين أكثر بكثير ممن صمدوا على ترابهم الوطني وما زالوا يعيشون هذه الصراعات على أرضهم الوطنيّة.

 

أتكلم عن شيرين بأنها الإعلامية اليقظة، الإعلامية المبدعة، الإعلامية الملتزمة، وكم نحن بحاجة في أيامنا هذه إلى الإعلامي والإعلاميّة الرزينين المتزنين اللذين لم تخطفهما وسائل الإعلام الحديثة إلى نشر الصور الشخصية وعرض الأزياء والمكياج. بل كانت هذه الإعلاميّة التي ركّزت على نقل النبأ الرزين، وليس النجاحات الإعلامية البراقة كما يحدث للعديد من الإعلاميين بتوجيه الأنظار إلى أمور جانبيّة لا تمسّ للإعلام بصلة.

 

شيرين دمٌ عزيزٌ جداً قد أريق على الأرض الفلسطينية، وكما قيل في القرون الأولى للمسيحية، عندما كان المسيحيون مضطهَدين: «إنّ دماء الشهداء هي بذار للإيمان». اليوم نقول، إن شاء الله، تكون هذه الدماء البريئة لها مفاعيل كبيرة، وهي الضغط على الأسرة الدوليّة لكي توقف الاحتلال لأنه ما زال هو المشكلة الأساسيّة، والقضية الأساسيّة الذي على العالم برمته أن يتضامن في سبيل إنهائها.

 

رحمك الله يا شيرين، فإنت شهيدة بطلة، وسيكتب لك التاريخ اسماً دائماً بإذن الله.