موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٠ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٢

حول «المشروع المسيحي الأردني!»

 إنّ المشروع المسيحيّ الأردني هو المشروع الوطنيّ الأردنيّ الذي يسهم به المسيحي كما يسهم به المسلم

إنّ المشروع المسيحيّ الأردني هو المشروع الوطنيّ الأردنيّ الذي يسهم به المسيحي كما يسهم به المسلم

الأب رفعت بدر :

 

أعدّتُ قراءة مقال الصديق فايز الفايز عدّة مرات في جريدة الرأي، يوم 14 تشرين الثاني الحالي، بعنوان: «أين المشروع المسيحيّ الأردنيّ؟». صراحة، لم أفهم ماذا يريد الكاتب أن يقول، ذلك أنّ علامة الاستفهام في عنوان المقال، تثير الشك بأنّ المشروع غير موجود، كما تثير علامات استفهام كثيرة، ذلك بأنني أدرك بأنّ مقالاً للكاتب فايز الفايز له وقعه، وله قراؤه، وله خصوصيّته. لكنّ الحديث قد حاول سلخ المشروع المسيحيّ عن مجتمعه، كما حاول سلخ كنيسة مسيحيّة عن شقيقاتها.

 

الواقع أنّ المقال يتحدّث عن المسيحيين والإشارة إلى نقص تعدادهم في المنطقة، والأردن من بينها. هنالك طبعًا اختلافات بين أسباب تناقص المسيحيين في بعض البلدان وبين تناقص عددهم في الأردن، وذلك لأنّ الأردن حالة فريدة، لا بل كان سبّاقًا إلى إيواء واحتضان الإخوة المهجرين من بلادهم، مسلمين كانوا أم مسيحيين، بالتالي فإنّ الأردن لم يتناقص المسيحيون فيه عدديًّا إنما نسبةً، فقد كان هنالك نمو تدريجيّ، بطيء لربما، ولكن هذا النمو قد رافقه أيضًا انخفاض في النسبة المئويّة لمجمل السكان، وبالتالي لم يتناقص العدد المسيحيّ، إنما كان التناقص في النسبة المئويّة. وإن كنا نأخذ بالعدد المعلن يوم أمس، بأنّ الأردن قد وصل سكانه إلى 11 مليونًا و300 ألف، فيعني ذلك أنّ النسبة المئوية للمسيحيين ستقل، دون أن تتناقص أعدادهم.

 

في الشقّ الثاني من المقال، هنالك إشادة بزيارة سيد البلاد جلالة الملك عبدالله الثاني إلى الفاتيكان، ولقائه بقداسة البابا فرنسيس، ممّا أسهم بتقوية العلاقات المميّزة أصلاً بين الحاضرة والمملكة. وتمّ خلال اللقاء الدعوة إلى الحفاظ عن المسيحيّة في المنطقة ككلّ، وهذا من المهام الثقيلة والرسائل الكبيرة التي يحملها جلالة الملك على عاتقه كلما تحدّث على المنابر الدوليّة، كما حدث في الأمم المتحدّة وفي حاضرة الفاتيكان مع البابا فرنسيس، العائد حديثًا من مملكة البحرين، حيث هنالك صلات جديدة بين الحاضرة ودول الخليج العربي في انفتاحها نحو التسامح وحوارات الأديان عبر المراكز المتعدّدة. إلى هنا جميل، ولا اختلاف على موضوع زيارة الملك للبابا، وقد وصفها لي سفيرنا لدى الفاتيكان قبل أيام في باريس، معالي السيد مكرم القيسي، بأنها من أهم الزيارات لجلالة الملك إلى حاضرة الفاتيكان.

 

لكنّي توقفت، ويشاطرني الكثيرون، في ذلك، الذين تواصلوا معي عبر قنوات التواصل المتعددة، في الفقرة الأخيرة، حين يدعو الكاتب إلى «مشروع وطني للمسيحيين في الأردن». صراحة، إنّني استغرب هذه الدعوة بعد مئة وعام من عمر الدولة الأردنيّة! كيف نقول بأنّه على المسيحيين أن يكون لديهم مشروعهم الوطنيّ! فالمسيحيون هم جزء لا يتجزأ من هذا الوطن، وإن كان ثمّة مشروع لديهم فهو المشروع الوطنيّ المتكامل، بمسيحييه ومسلميه، وبقيادته الهاشميّة. وماذا سنقول لعودة القسوس وأخوته واخواته، حين كانوا يشاركون قبل مئة عام، في بناء الدولة الواحدة التي جمعت مختلف المشارب والأديان تحت ظل الهاشميين. فما كان ثمة مشروع لدى مسيحيي الأردن، إلا المشروع الوطني الأكبر الذي انخرطوا ببنائه، جنبًا إلى جنب، وكتفًا إلى كتف، ومعولاً إلى معول، إلى جوار أخوتهم في الوطن والمواطنة.

 

لكن، هنالك رسالة مسيحيّة يقوم بها المسيحيون في هذا الوطن، وهي أولاً رسالة روحيّة عبر الكنائس المتاحة للبناء، والأردن بلد نموذجي في ذلك، لا بل أن جلالة الملك قد شارك في وضع حجر الأساس لكنيسة المعموديّة في موقع المغطس عام 2009، بحضور البابا بندكتس. كما تمثّل الآثار في الأردن نموذجًا لهذا الحضور المسيحيّ الروحيّ منذ أقدم العصور. وعلينا جميعًا واجب الترويج لزيارة الأردن والحج إلى أماكنه المقدّسة.

 

كما هنالك الرسالة التربويّة، وهذا أيضًا بغض النظر عن هوية الكنيسة التي تحملها هذه المدرسة أو تلك. إنّ هنالك مشروعًا تربويًّا قد قام به المسيحيون في هذا الوطن قبل تأسيس الإمارة الأردنيّة، وقبل تأسيس أيّة وزارة للمعارف أو للتربيّة والتعليم. فعلى سبيل المثال، فإنّ البطريركيّة اللاتينيّة قد أنشأت عشرات المدارس في مدن وقرى الأردن منذ نهاية القرن التاسع عشر، وهذا يدلّ على أنّ البعد التربوي هو جزء لا يتجزأ من رسالة المسيحيين. ولا أقول هنا «مشروعهم الخاص»، وإنما مشروع الوطن. كما أنّ الكنيسة ذاتها قد أنشأت منذ أكثر من عقد، الجامعة الأميركيّة في مادبا التي وضعت لها قدمين ثابتتين على خط «الحكمة والعلم» كما يقول شعارها.

 

ثمّ هنالك الحضور الاجتماعي، ويتمثّل بالمراكز الصحيّة من مستشفيات ومستوصفات، ومن جميعات خيريّة مثل جمعية كاريتاس التي تحمل رسالتها في هذا الوطن منذ أكثر من خمسين عامًا لخدمة الإنسان الفقير سواء أكان مواطنًا مسلمًا أم مسيحيًّا، أو وافدًا أو لاجئًا بسبب العنف وعدم الاستقرار في بلده الأصلي.

 

القدس، هي طبعًا محط أنظار المسيحيين، وهنالك قيادات لكنائس الأردن موجودة أيضًا في فلسطين، لذلك فإنّ المشروع المسيحيّ الذي يدعو إليه الكاتب موجود حقًا، وهو المشروع الأردني ذاته، الذي يعطي الاولوية للقضيّة المركزيّة، وهي القضية الفلسطينيّة.

 

هنالك أيضًا الحضور العام للمسيحيين في كل المرافق. فحين نتحدّث عن 3% من سكان الأردن هم من المسيحيين، فإنّنا نتحدّث عن 30% للاقتصاد الذي يقوده المسيحيون بجدارة من خلال كل المشاريع التنمويّة التي قاموا بها، وهي مفتوحة الأبواب للجميع، فلم يوجد في تاريخ الأردن أيّة مؤسّسة تقودها الكنيسة وتحصر الحضور فيها والعمل بها على المسيحيّ أو المسيحيّة فقط. وهنالك الحضور العام من خلال المقاعد المخصّصة في مجلس النواب ومجلس الأعيان، وهنالك مقاعد أيضًا في تشكيلة كلّ حكومة. هذه المرة، وهي استثناء، نجد وزيرًا واحدًا مسيحيًّا، ولكن في غالب الأحيان كان دائمًا هنالك ثلاثة أو حتى أربعة من المسيحيين. وقد تم تخصيص مقعدين من «الكوتا» المسيحية، ليصبحا مقعدين حزبيين، ذلك أنّ المشروع المسيحي الأردني يسير بتناغم مع المشروع الوطني، الذي يرسم أردن المستقبل المبني على سواعد الشباب وحكمة الكبار.

 

المهمّ هو: كيف ننظر إلى المسيحيّ كمواطن، له كافة الحقوق وعليه كافة الواجبات. وعندما نقول المسيحيين، لا نقصد فقط القيادات الدينيّة – الأساقفة أو الكهنة الذين يقودون كنائس الأردن، بل كذلك أبناء العشائر والعائلات والأفراد المؤمنين، والفعاليات المسيحية والمنتديات الفكريّة. خلاصة القول إنّ المشروع المسيحيّ الأردني هو المشروع الوطنيّ الأردنيّ الذي يسهم به المسيحي كما يسهم به المسلم. كما لا نستطيع أن نتحدّث عن دور وطني لكنيسة دون الأخرى، وكلهنّ شقيقات متساويات في الكرامة، ويعملن بتناغم تام من أجل الوطن الواحد، مجدًا لله الواحد، وخدمة للإنسان والإنسانيّة.