موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٥ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢١

المحبة لا تأخذ إجازة قطعيًا

المحبة لا تأخذ إجازة قطعيًا

المحبة لا تأخذ إجازة قطعيًا

الأب د. رفعــــت بدر :

 

أحب الفتاة الفخورة بوالدها، وحين تأتي ساعة مغادرتها المنزل لتذهب وترتبط بعهد الزواج المقدس مع شريك حياتها، تدمع عيناها وتبكي لدى رؤية دموع والدها الذي يقول للناس المشجعين "طلعتها صعبة"، أي طلعة البنات من منزل الوالد إلى منزل الزوج. هو إذاً فخر البنت بابيها وببيتها وعشيرتها، بخروج مشرّف وشريف وشرعي، لإكمال مسيرة الحياة مع "ابن الحلال"، لكنّها تتأثر وتبكي على بيت الحنون، وأنحاز في هذا المقال إلى الأب، رغم أنّ دور الأم أساسي ولا استثناء عنه.

 

وأحبّ الفتاة التي تظهر الحب لوالدها أيضًا بعد رحيله أو وفاته، فتنقلب الآية، من أب يبكي على ابنته الخارجة من بيتها إلى ما درجنا على تسميته "بالقفص الذهبي"، إلى الفتاة الباكية على رحيل والدها إلى ديار الملكوت السماوي. ونحن كرجال دين، نستقبل اتصالات الأبناء والبنات، رلترتيب مراسيم الدفن والتعازي،  لكنّنا نشعر بأنّ حسرة البنت على رحيل والدها أمام ناظريها حارقة ومؤلمة، فهو تاج الرأس الذي لن يتبدل بأحد. وفي بعض الأحيان يحاول الأعمام أن يسدّوا ولو جزءاً صغيراً من الفراغ الذي يتركه الأب في نفس ابنته تحديداً، لكنّه يبقى فراغاً كبيراً ويتطلب الصبر الوفير والايمان الكبير.

 

وأحب الأم التي تصغي إلى رأي الأطباء بأنّ الجنين في بطنها مريض، فتتألم لألمه الصامت، إلاّ أنّها ترفض وببسالة الأبطال قتل الأطفال والأجنة. وقد سلطت وسائل الإعلام قبل أيام الضوء على الأم البولندية التي قال لها الأطباء أجهضي قطعة من لحمك، كونه مريضاً ولن يُكتب له حياة هانئة، فأجابت بالنفي، واستقبلت مولودها في حينه، ورافقته في المستشفى حتى آخر نفس، حيث اختارت العناية الالهية أن يعيش الطفل بضع أيام فقط، لكنّ الأم بقيت تسهر إلى جواره وتحيطه بكل مشاعر المحبة الأمومية. وصدق من قال: "إن المحبة لا تأخذ إجازة قطعياً".

 

وأحب الوالدين المرافقين لأبنائهم وبناتهم في أول يوم دراسي في الجامعة. أمّا مشاعرهم في أول أيام الKG1 فمعروفة ومحفوفة بالدموع كونه اليوم الأول الذي يمضيه الطفل خارج المنزل العائلي. أما باول يوم جامعي ، "فالعيال كبرت" وأصبح الفخر سيد الموقف. وهوذا الابن قد أصبح رجلاً والبنت سيدة نتباهى بجهدهما وتفوّقهما في الثانوية العامة، وندفع الغالي والرخيص لأجل اكمال مسيرة نموّهما وتحصيلهما وتكوين شخصية المستقبل لديه/لديها. أمّا الأبناء فيدخلون كما في هذه الأيام بوابة الجامعة مرفوعي الرأس، فخلفهما والدان فخوران وويهمّهما جداً نجاح الداخلين من البوابة لأوّل مرة.

 

وأحب المدراء والأساتذة العائدين إلى التعليم الوجاهي، وفي قلوبهم حب لطلابهم - أبنائهم، وشوق إلى أن تكون الأيام جميلة كما كانت قبل الكورونا ومليئة بالـaction، حيث لا تخلو أروقة المدارس من فوضى الطلاب وشيطنتهم البريئة، إلا أن المدير والمعلم فخوران بأن لا عودة إلى التعلم عبر الشاشات، بل ها نحن عائدون إلى الغرف الصفية، لننظر في عيون أطفالنا ونشاهد فيها تصميم الجادين، على رسم معالم واضحة لمستقبل آمن بإذن الله، يكون فيه العلم كــ"سند أخضر" يشق الطريق بثقة وتفاؤل.