موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ١٧ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٨
’التواصل الاجتماعي‘ يجترّ الإفلاس الثقافي والإبداعي

سائدة السيد - الرأي :

لعل أبرز ما قدمته وسائل التواصل الاجتماعي للأدب والأدباء والمثقفين والأفراد بشكل عام، هو الترويج وسعة الانتشار، فاستفاد البعض من تحقيق شهرة واسعة، وظهرت من خلال هذه المواقع أسماء متمكنة من أدواتها، وفي المقابل عرّت الكثيرين من مدعي احتراف الأدب والفكر والثقافة، الذين وقعوا في فخ المتابعة والجمهور على حساب المضمون والإبداع.

يرى مارشال ماكلوهان فيلسوف الإعلام أن تأثير الوسيلة الإعلامية على الإنسان أكثر من مضمونها، وأن أجهزة الاتصال الإلكترونية تسيطرعلى حياة الشعوب، وتؤثر في أفكارها ومؤسساتها.

وفي هذا العصر الذي تهيمن علينا فيه وسائل التواصل الإجتماعي وتؤثر فينا، هيمنت الروح الاستعراضية المبالغ بها، والرغبة في الظهور عند البعض، كالاستعراض في السفر والأزياء ومظاهر الثراء، إلى أن وصلت إلى التصنع الثقافي والزيف المعرفي.

المفكر الفرنسي « جي ديبور « تحدث في سيتنات القرن الماضي واصفاً هذا المجتمع بمجتمع الفرجة أو الاستعراض، وهو الاسم الذي حمله كتابه الذي نشر عام 1968، وحاول فيه تحليل الثقافة الاستهلاكية التي تطغى على مجتمعات العصر الحديث، تلك الثقافة التي أصبح فيها ( تسليع ) الأشياء التي تمتد لجميع نواحي الحياة، بدءاً بالسياسة والاقتصاد، مروراً بالفكر والثقافة، وانتهاء بالعلاقات الشخصية.

وفي سنوات مواقع التواصل الاجتماعي عمل البعض على تسليع أفكارهم وآرائهم، لتلبية احتياجاتهم الأساسية لجذب انتباه الآخرين، وتجميع أكبر عدد من الإعجابات على حساب المحتوى، فنجد من يتظاهر بسعة اطلاعه أمام الآخرين ، وهو في الحقيقة لا يملك أدنى ثقافة، وهناك من يغلب على مشاركاته استعراضه للمناهج الفكرية والمعرفية، ويتحدث عن الاتجاهات الفلسفية والثقافية، ويحيلها لأسماء غير صحيحة من المفكرين، ويعمل على نقلها من قارئ لآخر بشكل خاطئ.

ونجد مثلا في جانب الثقافة الدينية أشخاصاً يستعرضون بسعة اطلاعهم على مصادر الشريعة، وإلمامهم بأقوال العلماء، رغم عدم اطلاعهم على المصادر الأصلية، كذلك الأمر بالنسبة للأدب، فبعضهم يشعرك بأنه صاحب ملكة أدبية باهرة، ويناقشون كأنهم يملكون الحقيقة، إلا أنهم في الحقيقة مفلسون ثقافيا، ويقتبسون عبارات مزيفة، وعندما لا يجدون ما يدعم ما يحاورون به، يبدأون بكيل الاتهامات للطرف الآخر، والتعالي عليه.

إن ما يريده البعض في حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي هو الوصول للكمال والمثالية التي يستحيل وجودها على أرض الواقع، وبالتالي فإن ادعاء الثقافة و معرفة الحقيقة دائما هو جانب استعراضي لا يقل سطحية عن الاستعراض المادي.

من الجيد ومن المهم المناقشة والمشاركة الثقافية وعرض الاقتباسات الصحيحة من مصادرها، ومناقشة الأفكار وتبادل الآراء، لكننا ضد التعالي والتصنع، والإيحاء بسعة المعرفة وامتلاك الحقيقة، فالثقافة أكبر من التصنع والزيف، فهي فكر وأدب وتواضع واحترام وتقدير لرأي الآخر، وهي منظومة معرفية ترفع من شأن الإنسان وتقوده إلى الإبداع والابتكار، ومن يملكها ويحسن توظيفها يصل هدفه، دون الحاجة لادعاء المعرفة، والشعور بالأهمية الزائفة الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي.