موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٦ يونيو / حزيران ٢٠٢٠
"في عصرنا"... الوثيقة المجمعية التي فتحت درب الحوار بين الأديان
أهمية وثيقة "في عصرنا" NOSTRA AETATE، الصادرة عن المجمع الفاتيكاني الثاني حول علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية، هي محور مقال لمدير التحرير في دائرة الاتصالات الفاتيكانية أندريا تورنييلي، وقد نقله إلى العربية موقع فاتيكان نيوز.
البابا فرنسيس وقادة دينيون آخرون يشاركون في لقاء السلام، خارج كنيسة القديس فرنسيس في مدينة أسيزي الإيطالية، 20 أيلول 2016، وقد أتى هذا الحدث إحياءً بمرور 30 عامًا على التجمّع الذي دعا إليه البابا يوحنا بولس الثاني عام 1986.

البابا فرنسيس وقادة دينيون آخرون يشاركون في لقاء السلام، خارج كنيسة القديس فرنسيس في مدينة أسيزي الإيطالية، 20 أيلول 2016، وقد أتى هذا الحدث إحياءً بمرور 30 عامًا على التجمّع الذي دعا إليه البابا يوحنا بولس الثاني عام 1986.

أندريا تورنييلي :

 

بدأ مدير التحرير في دائرة الاتصالات الفاتيكانية أندريا تورنييلي مقالاً خصصه للوثيقة المجمعية "في عصرنا"، بيان حول علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية، مذكرًا بأن هذه الوثيقة للبابا بولس السادس والتي وافق عليها آباء المجمع الفاتيكاني الثاني في 28 تشرين الأول 1965 قد شكلت نقلة في العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية واليهودية على خطى البابا يوحنا الثالث والعشرين، وغيرت بشكل كبير مقاربة الكاثوليكية إزاء الأديان غير المسيحية، كما أنها وثيقة مؤسِّسة للحوار مع الأديان الأخرى استغرقت صياغتها وقتا طويلا.


 

اليهوديّة

البابا يوحنا بولس الثاني، أول حبر أعظم يقوم بزيارة بابوية رسمية لكنيس عندما زار الكنيس اليهودي في روما يوم 13 نيسان 1986.

وحول العلاقة بين المسيحية واليهودية، أشار تورنييلي إلى أن اليهودية كانت محور الجزء المركزي للبيان المجمعي، والذي ذكر في بداية حديثه عن اليهودية: "إن هذا المجمع المقدس، إذ يتقصى سر الكنيسة يذكر الرباط الذي يربط روحيًا شعب العهد الجديد بذرية إبراهيم... وبما أن للمسيحيين ولليهود تراثًا روحيًا مشتركًا وساميًا، يريد هذا المجمع المقدس أن يوصي بالمعرفة والإعتبار المتبادلين وأن يعززهما بين الاثنين؛ ويحصل ذلك خصوصًا بالدروس الكتابية واللاهوتية وبالحوار الأخوي".

 

وأوضح بأن هذه الكلمات تشكل اعترافًا بالجذور اليهودية للمسيحية وبالعلاقة المتفردة بين الإيمان المسيحي واليهودية، وهو ما كان قد شدد عليه البابا يوحنا بولس الثاني خلال زيارته كنيس روما سنة 1986، وهو موضوع تأمَّل فيه كلاهوتي يوزيف راتزنغر والذي أكد كأسقف روما خلال زيارته كنيس روما في كانون الثاني 2010 أن المجمع الفاتيكاني الثاني يشكل مرجعًا يعود إليه الكاثوليك بشكل متواصل فيما يتعلق بالتصرفات والعلاقات مع الشعب اليهودي مشكلا مرحلة جديدة وهامة. وتابع البابا بندكتس السادس عشر حينها أن المجمع قد منح دفعة للالتزام بالسير على درب حوار وأخوّة وصداقة.

 

وتوقف تورنييلي عند نقطة هامة أشار إليها البيان المجمعي في حديثه عن اليهودية، وهي إدانة معاداة السامية. وقال: إن هذه الوثيقة وإلى جانب تأكيدها شجب الكنيسة "للبغضاء وللاضطهادات ولكل مظاهر مقاومة السامية التي استهدفت اليهود في أي زمن كان وأيًا كان مقترفوها"، فإن البيان المجمعي يشرح أن مسؤولية اليهود عن موت يسوع لا يمكن أن تعزى إلى اليهود جميعًا، حيث جاء في الوثيقة "وإن تكن سلطات اليهود وأتباعها هي التي حرضت على قتل المسيح، لا يمكن مع ذلك أن يُعزى ما إقترف أثناء آلامه، الى كل اليهود الذين كانوا يعيشون آنذاك دونما تمييز ولا الى يهود اليوم".


 

الهندوسية والبوذية وغيرها من التقاليد الدينية

البابا فرنسيس يزور لجنة سانجا ماها ناياكا، وهي أكبر سلطة بوذية في ميانمار، 29 تشرين الثاني 2017

انتقل مقال أندريا تورنييلي بعد ذلك إلى تطرق وثيقة "في عصرنا" إلى الهندوسية والبوذية والأديان الأخرى بشكل عام، فذكرت أنها تجهد "في أن تجيب بطرق متنوعة على قلق قلوب البشر، بعرضها السبل أي التعاليم وقواعد الحياة والطقوس المقدسة. فالكنيسة الكاثوليكية لا ترذل شيئًا مما هو حق ومقدس في هذه الديانات. بل تنظر بعين الإحترام والصراحة الى تلك الطرق، طرق المسلك والحياة، والى تلك القواعد والتعاليم التي غالبًا ما تحمل شعاعًا من تلك الحقيقة التي تنير كل الناس، بالرغم من أنها تختلف في كثير من النقاط عن تلك التي تتمسك بها هي نفسها وتعرضها".


 

الإسلام

البابا بندكتس السادس عشر يزور مسجد قبة الصخرة في القدس، 12 أيار 2009

وحول العلاقة مع الإسلام، ذكّر تورنييلي بما جاء في البيان المجمعي: "وتنظر الكنيسة بعين الإعتبار أيضًا إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد الحي القيوم الرحيم الضابط الكل خالق السماء والأرض المكلم البشر. ويجتهدون في أن يخضعوا بكليتهم حتى لأوامر الله الخفية، كما يخضع له إبراهيم الذي يُسند إليه بطيبة خاطر الإيمان الإسلامي. وإنهم يجلون يسوع كنبي وإن لم يعترفوا به كإله، ويكرمون مريم أمه العذراء كما أنهم يدعونها أحيانًا بتقوى. علاوة على ذلك أنهم ينتظرون يوم الدين عندما يثيب الله كل البشر القائمين من الموت؛ ويعتبرون أيضاً الحياة الأخلاقية ويؤدون العبادة لله لا سيما بالصلاة والزكاة والصوم".

لقاء الأديان للصلاة من أجل السلام في أسيزي، 27 تشرين الأول 1986

وأراد تورنييلي التذكير بما وصفها بالخطوات الهامة التي قام بها البابوات في الحوار مع العالم الإسلامي، فأشار أولاً إلى كلمات البابا بولس السادس في تموز 1969 في أوغندا حين أراد تحية الشهداء المسيحيين الأفارقة الأوائل متوقفًا أيضًا عند شهادة المؤمنين المسلمين الذين كانوا أول من دفعوا بحياتهم سنة 1848 ثمن رفضهم مخالفة قواعد دينهم. ثم انتقل إلى البابا يوحنا بولس الثاني، فذكّر بتأكيده خلال لقائه الجماعة الكاثوليكية الصغيرة في أنقرة سنة 1979 على تقدير الكنيسة للإسلام، كما ذكّر بكلمة البابا القديس في الدار البيضاء سنة 1985 إلى الشباب المسلمين مشيرًا إلى الأشياء المشتركة الكثيرة بين المسيحيين والمسلمين كمؤمنين. ثم توقف عند مبادرة البابا يوحنا بولس الثاني في أسيزي حين دعا سنة 1986 ممثلي الديانات الأخرى إلى الصلاة في مدينة القديس فرنسيس من أجل السلام المهدَّد. وتحدّث بعد ذلك عن تحذير البابا بندكتس السادس عشر في الذكرى الخامسة والعشرين لهذه المبادرة، من التهديد الذي يشكله استغلال اسم الله لتبرير الكراهية والعنف.

البابا فرنسيس والشيخ أحمد الطيّب يوقعّان وثيقة الأخوّة الإنسانيّة في أبوظبي، 4 شباط 2019

وفي ختام مقاله حول الوثيقة المجمعية "في عصرنا"، توقف تورنييلي عند وثيقة "الأخوّة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك"، التي وقعها في العاصمة الإماراتيّة أبوظبي، في شباط 2019، البابا فرنسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب، وارتباطها بالوثيقة المجمعية التي تُختتم بفقرة تتحدث عن الأخوّة الشاملة جاء فيها: "لا نستطيع ان ندعو الله أبًا الجميع إذا رفضنا أن نسلك أخوياً تجاه الناس المخلوقين على صورة الله. فعلاقة الانسان بالله الآب وعلاقته باخوته البشر مرتبطتان الى حد أن الكتاب يقول: "ان من لا يحب لا يعرف الله" (1 يوحنا 4 / 8). إذًا يقوّض أساس كل نظرية أو تصرف يفرق بين إنسان وإنسان، وبين أمة وأمة، في ما يتعلق بالكرامة الانسانية وبالحقوق النابعة منها". وختم تورنييلي أن هذا ما عادت إليه وثيقة أبوظبي والتي كُتبت "باسمِ الله الَّذي خَلَقَ البَشَرَ جميعًا مُتَساوِين في الحُقُوقِ والواجباتِ والكَرامةِ، ودَعاهُم للعَيْشِ كإخوةٍ فيما بَيْنَهم ليُعَمِّروا الأرضَ، ويَنشُروا فيها قِيَمَ الخَيْرِ والمَحَبَّةِ والسَّلام".