موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٧ يونيو / حزيران ٢٠٢٠
فرح الدعوة في حياة الأنبا كيرلس وليم، مطران أبرشية أسيوط للأقباط الكاثوليك
تقرير بالتزامن مع السنة الثلاثين لخدمته الأسقفية

ناجح سمعـان :

 

على مدى ثمانية عشر عامًا أعمل خلالها مراسلاً صحفيًا لأبرشية أسيوط للأقباط الكاثوليك بجريدة "حامل الرسالة"، لسان حال الكنيسة الكاثوليكية بمصر، أتاح لي عملي الصحافي المشاركة في العديد من الاحتفالات الروحية والمناسبات الدينية بمختلف كنائس الأبرشية الأربعين. وقد لاحظت خلال متابعاتي وقراءاتي أن نيافة الأنبا كيرلس وليم، راعي الأبرشية، لم يتحدث خلال هذه المناسبات جميعها عن نفسه قط، فيما كانت كافة المناسبات كفيلة أن تتحدث عن جليل أعماله.

 

لا أقصد من وراء كتابة هذا التقرير أن أقوم بعمل تسجيلي للإنجازات الراعوية لسيادة المطران، لأن توثيق حياة وأعمال الأنبا كيرلس وليم، برأيي، لم يحن موعدها بعد، فضلاً عن أني لست اًهلاً لهذا العمل التاريخي. إنما ما يدفعني إلى الكتابة اليوم على هامش الاحتفال بالسنة الثلاثين لحبرية سيادة المطران، هو رغبتي في أن أضع بين يدي القارى الكريم بعض من كلمات الأنبا كيرلس وليم التي كتبها بخط يده في رسائله الراعوية إلى إخوته الكهنة، والتي تجاوز عددها المائة رسالة، وقد قام بجمعها بين دفتي كتاب القمص مرقس يوسف. تحمل الكلمات في تقديري مواطن الفرح الروحي التي يعيشها الأب المطران كيرلس وليم في خدمة ملء الكهنوت، وحياة التكريس تلك التي دعاه الكاهن الأعظم لأن يحياها بسخاء.

 

واليكم بعض من هذه المقتطفات الروحية:

 

1) إرتداء الثوب الإكليريكي

 

انطلاقًا من ترتيلة داود النبي في المزمور (119: 37) "حوّل عيني عن النظر إلى الباطل"، كتب الشماس كامل وليم، في 1 حزيران 1961، معبّرًا عن فرحة ارتداء الثوب الإكليريكي: "رأيت في بدء المسيرة نحو الهدف السامي ضرورة الاجتهاد في الابتعاد عن أباطيل العالم وإغراءاته، فالثوب الأسود يذكرني أني، وإن كنت في العالم، لكني لست من العالم، ولا يحق لي أن أسمح لنفسي بكل ما يسمح أهل العالم لأنفسهم حتى، وإن كان من الأمور المشروعة، رأيت أن أوجه قلبي وفكري وكياني نحو الله، لأن البحث عن اقتناء أشياء مادية والجري وراء المال قد يبعدنى عن الله، وربما استعبدني، وقاد اختياراتي وحركني كدمية مسلوبة الإرادة دون أن أشعر، فتصبح حساباتي وقراراتي مبنيّة على مصالح بشرية بدلاً من بنائها على قضية الملكوت".

 

2) السيامة الكهنوتية

 

اختار الأب كامل وليم كلمات المزمور 22، 23: "سأبشر باسمك إخوتي واسبحك في وسط الكنيسة" شعار له. وعن يوم رسامته الكهنوتية في 10 حزيران 1974 كتب يقول: "تصورت أن أهم ما ينبغي أن يميز خدمتي الكهنوتية هو التبشير باسم الرب وتعريف المخدومين بصورته الحقيقية، إلى جانب تسبيحه عبر ممارسة الطقوس، التي عشقتها منذ طفولتي بفضل قدوة الآباء والأجداد. كانت كلمات رسول الأمم: "أناشدك أمام الله والرب يسوع المسيح أن تبشر بكلام الله، وتلح في إعلانه بوقته وغير وقته" (2 تيمو 4: 1-2)، تلاحقني، فحاولت أن أكون أمينًا نحوها، بأن أقوم دائمًا بالتحضير لما سوف أعلنه في الوعظ والتعليم وذلك عبر قراءات مطولة ومتنوعة، احترامًا للسامعين وأمانة لرسالتي. أما عن التسبيح، فأحاول التوفيق بين برنامجي الروحي الشخصي من جهة، وبين ممارسة الخدمات الطقسية كما ينبغي من جهة أخرى، بأن أعيش ما احتفل به بفرح وبكل كياني، فأساعد المؤمنين أن يشاركوني حيوية الاحتفالات، وعلى رأسها ذبيحة القداس: في هدوء وخشوع دون تشتت ولا استعجال، ليس كواجب مفروض بل كرغبة منشودة، للتمتع بأسعد لحظات النهار، واختبار عمق حب الله".

 

3) الرتبة القمصية

 

يروي القمص كامل وليم مفأجاة سارة في حياته الكهنوتية تحت عنوان (ثبّت إخوتك) حيث يقول: "كانت مفأجاة بالنسبة لي، أن يقطع سلفي العظيم وأبي الروحي مثلث الرحمات الأنبا يوحنا نوير حديثي إلى إخوتي كهنة الأبرشية، أثناء الرياضة السنوية من 4–17 أيلول 1987، ليعلن أنه ينوي ترقيتي إلى رتبة القمصية مع بعض كهنة الأبرشية الذين كانوا أقدم مني رسامة. لم تكن القمصية في نظري رتبة شرفية، بل مسؤولية جديدة، لا بدّ أن تغير فيّ شيئًا، أو تلقي على عاتقي عبئًا جديدًا، فرجعت إلى تقليدنا القبطي لأتأمل كيف كان القمص يشارك في مسؤولية إدارة عدد من الكنائس، أو في تدبير ورئاسة دير من الأديرة؛ ومن هنا واجب تثبيت إخوتي، وهو ما حاولت أن أمارسه من خلال الخدمة التي كلفتني بها الكنيسة كرئيس للإكليريكية. كنت أحاول أن أثبتهم خاصة عندما تشتد الصعاب والمحن لكي نواصل معًا، كأسرة واحدة، قيادة دفة هذه المؤسسة الحيوية إلى برّ الأمان".

 

4) السيامة الاسقفية

 

عن رسامته الاسقفية في 3 حزيران 1990 وشعاره للخدمة: "من أجلهم أقدس ذاتي" (يو 17: 19)، كتب الأنبا كيرلس لإخوته الكهنة قائلاً: "لما دعاني الرب، عن غير استحقاق في 16/5/1990 إلى ملء الكهنوت، وشرعت القيام برياضتي الروحية، رأيت أن أتأمل بعض مقاطع الإنجيل الرابع، واخترت شعاري فى الدعوة إلى القداسة، وأن أعمل جاهدًا على تحقيق قول المعلم: "كونوا قديسين". إن الدعوة عامة لجميع المؤمنين الذين يدعوهم الرسول القديسين الذين في الكنيسة، فكم بالحري لي أنا المدعو أن أكون قدوة للقطيع، وكيف أكون صادقًا في حث المؤمنين على القداسة، إن لم أسعى أنا أولاً إلى تحقيقها؟ كما أنني عندما أحاول عيش القداسة، فإن ذلك لا يعود على وحدي بالخير بل على الكنيسة جمعاء. برنامج واضح أسعى إلى تحقيقه والالتزام به أينما كنتُ ومهما كانت الظروف، أن أعيش الإنجيل فهذا هو طريق التقديس، وراء وعلى خطى قدوس الله الذي لا عيب فيه، وعلى مثال من سبقوني من القديسين المعاصرين، إن لم أرغب في العودة إلى تاريخ الكنيسة الحافل بالآف الأمثلة. وفي كل هذا أحاول جاهدًا ألا أبحث عن مجد الناس، بل من الله وحده".

 

5) المحبة والاكتفاء

 

في عيد ميلاده الخمسين في 1 تشرين الأول 1996، يخاطب الأنبا كيرلس وليم إخوته الكهنة قائلاً: "خمسون سنة مضت وكأنها لحظات، قابلت خلالها الآلاف من البشر من مختلف البلاد والحضارات والفئات وقد تعلمت منهم الكثير، فأردت أن أقف لأفكر فيما تعلمته وأشكر الرب عليه. تعلمت كثيرًا وبقدر ما تعلمت أشعر بأني ما زالت لا أعرف الكثير، وأحاول كل يوم أن أتعلم جديدًا، لا من الكتب والمجلات فحسب، وإنما من البشر خاصة. تأكدت أني محبوب، وما أشد حاجة الإنسان لأن يعرف أنه محبوب، فدفعني ذلك إلى مزيد من الحب الذي غير نظرتي إلى الآخرين وجعلها نظرة إيجابية، نظرة تقدير واحترام، تأكدت أن الله حاضر في حياتي: في كل لحظات نهاري، في كل شخص ألتقيه، وفي كل عمل أقوم به. قطعت على نفسي عهدًا منذ يوم 3 حزيران 1990 ألا أمتلك شيئًا، وأن يعود كل ما يأتيني شخصيًا، وكل ما يحقّ لي، إلى الصندوق العام لصالح الخدمة، لأني سعيد بما أنا عليه، سعيد جدًا، لا أحتاج شيئًا، لا ينقصني شيء، واكتفى بما هي ضروري وأساسي لمواصلة الخدمة والعطاء".

 

6) الصفح والمصالحة

 

خلال الاحتفال بعيد "أم المحبة الإلهية"، شفيعة الأبرشية، كتب نيافة الانبا كيرلس وليم عام 2001 قائلاً: "في العيد السنوي للأبرشية، عيد كل واحد من أبنائها، دفعتني تأملاتي أن أكتب لكم عن الصفح والمصالحة. كل من اختبر فرح وسعادة صفح الله عنه يستطيع أن يمنح الصفح لأخيه ولكل من سبب له ضررًا وكل من جرح مشاعره، لا سبع مرات فحسب بل سبعين مرة سبع مرات. إنها الثورة الجذرية التي جاء بها إنجيلنا: إعلان رحمة الآب تجاهنا نحن الخطأة، لأن صفح الله يذيب قساوة قلوبنا ويفتحها على مصراعيها لقبول فرح الإنجيل، فنستطيع أن ننظر إلى الأمور بعيون جديدة. إن الخمس خبزات والسمكتين، بعد أن كانت دليل الفقر البشري، أصبحت التقدمة البشرية المتواضعة التي تجلى فيها غنى الله العجيب، وذلك بعد أن تخلى الرسل عن المشروع الخاص بمحاولة حل مشكلة جوع الجموع بجهودهم الذاتية وحدها. هكذا ينبغي أن تصبح مبادراتنا الضعيفة ومحاولاتنا الخاطئة في مواجهة مقتضيات العمل الراعوي والرسولي في كل تغيرات الظروف الاجتماعية ومحاربات الناس. ينبغي أن تصبح –بعد أن ينقيها التواضع– العلامة الأولى والبذرة الصغيرة لحضور الله الذي يعمل دائمًا في حياتنا.

 

7) سر السعادة

 

في الذكرى الخامسة عشر لسيامته الأسقفية عام 2005، كشف الأنبا كيرلس وليم عن سر سعادته وفرحه لأخوته فكتب يقول: "إني سعيد بدعوتي وخدمتي وكهنوتي، وتتجدد سعادتي كل صباح جديد تشرق شمسه عليّ. إني سعيد بالرب لأنه يمدني بطاقة هائلة عندما أجثو أمامه في سكون الليل، أو قبيل انبثاق نور الفجر. إني سعيد لأني أنهل كل يوم من ينبوع الحب الذي لا ينضب أبدًا كلما احتفلت بسر الإفخارستيا. إني سعيد لأن كتاب الأجبية (صلوات الساعات) يرافقني في كل مكان مضت إليه. إني سعيد لأن مسبحتي لا تفارق جيبي، وعندما تدور بين أناملي أشعر بمعونة خاصة من أمي العذراء الساهرة على جميع أبنائها. إني سعيد في التضحيات التي تتطلبها رسالتي والتى أقدمها عن طيب خاطر. إني سعيد في التعزيات الوافرة التي لا استحقها والتي يغمرني بها الرب على الدوام. إني سعيد في المحن والضيقات والإهانات التي تلحق بي، وهي أقل بكثير مما استحق ومما أتوقع، لأنها تشركني في كامل سر يسوع المسيح، تشركني في الآمه وتؤهلني للاشتراك في سر انتصاره. إني سعيد في ضعفي لأني لن أحمل كل هذا بمفردي، على حد تعبير قداسة البابا بندكتس السادس عشر، لأن جوقة القديسين تحملني وحبكم وسماحة صدوركم وإيمانكم ورجاءكم ترافقني".

 

8) منهاج حياة

 

منذ خمس سنوات، وإبان احتفاله باليوبيل الفضي الأسقفي، كتب سيادة المطران إلى معاونيه في الخدمة فقال: "اليوم، وبعد مرور 25 سنة على استلامي وديعة الخدمة الأسقفية، لا بدّ لي من وقفة، لأسال نفسي إلى أي مدى كنت أمينًا في المحافظة عليها، إذ يقترب اليوم، الذي يتحتم عليّ فيه أن أقدم حساب وكالتي، فالأعمار بيد الله، وقوانين كنيستنا تحدد السن، الذي يدعى فيه الأسقف إلى التخلي عن مهامه، وتسليم الأمانة لمن يدعوه الله، من بعده، إلى حملها. كنت على يقين، بأنه ينبغي على أن أبدأ بنفسي، فكيف أقوم بهذه المهام تجاه النفوس التي اؤتمنت عليها، قبل أن اعيشها أنا؟ وكيف أعظ الأخرين وأجد نفسي مرذولاً أمام الله؟ فحاولت أن أقدس ذاتي وأن أسعى لأن أتعلم، كل يوم، ما هو جديد، وأن أدبر حياتي كما ينبغي، لكي أستطيع أن أقدس وأن أعلم وأن أدبر الموكلين إلى خدمتي. وضعت لنفسي برنامجًا واضحًا منبثقًا من عمق تقاليدنا الروحية العريقة، وغنى طقوسنا الكنسية الخالدة، وتقويات الكنيسة الجامعة، وحاولت أن أظل أمينًا عليه، أينما ذهبت. لم أترك الظروف والمهام المتشعبة تتحكم فيّ، فأهمل واجباتي الروحية، وأتهاون بها، وهي الطاقة والوقود، الذي يغذي سائر الأنشطة والأعمال، لم أتنازل يومًا واحدًا عن لقاء الرب في الذبيحة الإلهية، باستثناء الأيام القليلة التالية لعملية القلب المفتوح، ما بين 8–12 حزيران 2009. إنها طاقة رافقتني في عملي وذللت كل الصعاب، وبدّدت كل الضيقات".

 

9) الرحلة والثمار

 

وعن رحلته ما بين خدمة الكنيسة الجامعة واحتياجات الأبرشية، كتب نيافة الانبا كيرلس وليم: "لمست في كل خطوة، كنت أخطوها، عناية الرب، التي كانت تظللني، ورحمته التي كانت تشملني، ونعمته التي كانت تسبقني، لتهيئ لي الطريق وتساعدني على اتمام ارادته على أفضل شكل. لقد ذللّ أمامي العديد من الصعاب ومشتقات السفر والتنقل، ويسّر كل مشوار قمت به بالرغم من قسوة المناخ، ومن هشاشة ظروفي الصحية، وفتح قلوب وآذان جميع من التقيتهم، فغمروني بمحبة فيّاضة لا استحقها وتفهموا ما عرضت عليهم. ولن أتمكن من رفع الشكر الواجب للرب بالقدر الكافي على صنيعه الذي عظّمه معي".

 

10) الوصية

 

في ختام رسائله لأخوته الكهنة التي حان الوقت -برأيي- لأن يقرأها كل أبناء الأبرشية، بل وكل أبناء الكنيسة الكاثوليكية بمصر، يقول نيافة الأنبا كيرلس وليم: "أشكر الرب أني ما نصبت أحدًا العداء، ولن أفعل ذلك، فكيف أقف في حضرته تعالي، وأنا في قلبي شيء تجاه أي إنسان؟ صفحت عن كافة الإساءات، وسوف أفعل ذلك دومًا، حاسبًا إياها امتيازًا، ووسيلة للنمو الروحي. غاية ما أتمناه، أن أرى جميع الكهنة قلبًا واحدًا وروحًا واحدًا، يحبون بعضهم البعض دون استثناء أو إقصاء، يقبلون بعضهم بعضًا على ما هم عليه، يقدّرون ما فيهم من إيجابيات، وما أكثرها، ويتغاضون عن سلبياتهم، يحترم كل واحد إخوته ويتحدث عنهم بالخير، يحبون الشعب الموكل إليهم ويخدمونه بغيرة وحماس، يكونون رجال صلاة".