موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٩ ابريل / نيسان ٢٠٢٠
عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا للأحد الرابع من الزمن الفصحي

رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا :

 

إن التشبيه في مَثَل الراعي الصالح، والذي نقرأه في الفصل العاشر من إنجيل القديس يوحنا، هو ذات مضمون غني ومُعبّر.

 

في الواقع، لا يُشبّه يسوع نفسه بـ "الراعي الصالح" فحسب - وهو شخصية يُشار إليها في عدة نصوص في العهد القديم - بل بـ"الباب" أيضًا، إذ يستخدم يسوع هذه الصورة عدة مرات في إشارته إلى الراعي الذي يدخل الحظيرة من الباب.

 

دعونا قبل أي شيء نتناول هذا الجانب (يوحنا ١٠: ١- ٣).

 

الباب هو ما يُولّد اتصالًا وممرًا بين مكانين إذ بدونه سيبقيان معزولين. هذه هي صورة واقع الإنسان بعد سقوطه وعقب مآساة الخطيئة، إذ أصبحت الإنسانية معزولة، بعيدة عن الله، وعالمًا قائما بحد ذاته لا يستطيع التواصل مع عالم الله، وعاجز عن الإصغاء.

 

وتُشير الآية ٦ إلى ذلك: "ضَرَبَ يَسوعُ لَهُم هذا المَثَل، فلَمْ يَفهموا مَعنى ما كَلّمَهُم بِه". هنا يتكلم يسوع، إلا أن المستمع لا يفهم، كما لو كان منغلقًا داخل حظيرة لا يستطيع أن يدخلها أو يخترقها أي شيء.

 

يدخل يسوع هذه الحظيرة المغلقة عبر تجسّده وقيامته.

 

هو لا يبقى خارج الحظيرة ولا يدخلها من أي مكان آخر. يُصبح يسوع واحدًا منا ويدخل عالم الإنسان بطريقة مشروعة ويتبنى تاريخنا وجراحنا كلها، ويُعيد فتح الباب.

 

ولأنه يقوم بذلك تحديدًا، يُصبح الباب ذاته، أي الفرصة الجديدة التي تُقدم للإنسان كي يذهب إلى ما وراء نفسه ووراء الموت. ومن غير هذا الباب، أي يسوع، فإن الطريقة الوحيدة للخروج من هذه الحظيرة تتمثل بالموت.

 

بالفعل، حَلَّ الموت بديلًا عن الراعي، وأصغى الإنسان إلى ملاك الموت وتبعه. يصف المزمور ٤٩ (٤٨) وصفا جيدًا موقف الإنسان الذي اتخذ الموت "راعيًا" له (آية ١٥). هذه حالة الذي يثق بنفسه أو بالأحرى الذي لا يعرف بمَن يثق سوى بذاته ولمَن يصغي سوى لذاته. يشير المزمور أنه بالنسبة لهم لن يبقى شيء على حاله، لأن الموت هو لص جاء ليسرق ويذبح ويهلك (يوحنا ١٠: ٨- ١٠). يسرق الموت الحياة من الإنسان ويقوده إلى فراغ أبدي.

 

أما يسوع، فبدخوله حظيرة الإنسانية المحكوم عليها بالموت وبمواجهته للموت نفسه، فهو يحمل لنا الحياة. لا يعود الإنسان محصورًا بالحظيرة، بل يصبح حرًا في الدخول والخروج. في الواقع، يقول يسوع: "أنا الباب فمن دخل مني يخلص يدخل ويخرج ويجد مرعى" (يوحنا ١٠: ٩).

 

وعليه، لدى الإنسان باب آخر لا يؤدي إلى الموت بل إلى الحياة وحياة الله.

 

ولهذا السبب فقط يسوع هو الراعي الصالح. ليس لأنه يدخل فحسب بل لأنه يَخرج، وبخروجه يقود الإنسانية معه. بوسعنا القول: إن بتجسده يدخل يسوع حظيرة الإنسانية وبقيامته يُخرج الخراف ويستمر في توجيهها ويفتح لها بابًا للحياة.

 

ولكن كيف يمكن للإنسان أن يتبعه؟ ما معنى أن يدخل عبر الباب الذي هو يسوع، وأن نتبعه بصفته الراعي؟ كيف بوسعنا أن نكون أحرارًا لندخل ونخرج من هذا الباب؟

 

إن الباب الذي يمكّننا من الوصول إلى كل هذا هو العمّاد وانغماسنا في حياة الرب.

 

وعليه، إنها مسألة عيش حياة العماد وجوهره، أي انغماسنا في موت يسوع وحياته.

 

لا يوجد باب آخر سوى الانغماس في الفصح وترك ما هو قديم يموت من أجل نهوض إنسانية جديدة، مخلوقة على صورة الرب وقادرة مرة أخرى، بالنعمة والاصغاء إلى صوته، أن تتحاور معه وتستقبل الحياة الجديدة التي يريد منحها للجميع.