موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٥ أغسطس / آب ٢٠٢٠
عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد العشرين من الزمن العادي، السنة أ

رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا :

 

(متى ١٥: ٢١-٢٨)

 

لقد رأينا، قبل فترة، جمعا كبيرا جائعا (متى ١٤: ١٣-٢١)، أشبعه يسوع  بعد أن وزّع على الجميع بعض الخبز والسمك؛ وفضُل الكثير إلى حد أن ما زاد كان كافياً لملء اثنتي عشرة سلّة. ونرى اليوم أيضاً (متى ١٥: ٢١- ٢٨) شخصاً جائعاً هي امرأة كنعانية تقترب من يسوع أثناء تواجده على أرض وثنية.

 

يؤكد الإنجيلي متى مع بعض التكرار أن الحدث يجري خارج حدود إسرائيل: يسوع يسافر نحو منطقة صور وصيدا. وتأتي امرأة من تلك المنطقة، وتتوجه إليه (متى ١٥: ٢١-٢٢).

 

يعرّف مرقس هذه المرأة (مرقس ٧: ٢٦) على أنها "ذات أصل سوري فنيقي"، بينما يستخدم متى مصطلح "كنعانية" التي كانت في التاريخ الكتابي إشارة إلى الأعداء التاريخيين للشعب، وهم الغرباء بامتياز.

 

حسنًا، تقترب هذه المرأة الأجنبية من يسوع بمناشدة مُحدّدة وعاجلة: "رحماك يا رب! يا ابن داود، إن ابنتي يتخبطها الشيطان تخبطا شديدا" (متى ١٥: ٢٢)، وتستخدم، في مخاطبته، لقبًا مسيحانيًا خاصا باليهود.

 

أي أنّ هذه المرأة تدخل في حياة يسوع بطريقة جريئة، وتهدم على الفور الحواجز التاريخية الراسخة، وتدخل فعليًا إلى حيز مستبعد وممنوع عنها.

 

لكن يسوع، في البداية، يثبّت الحواجز ويركّز على المسافات التي يجب أن تحترم.

 

في حادث تكثير الخبز والسمك، كان التلاميذ، في البداية، هم من أرادوا صرف الجماهير، لأن حاجة الجماهير الى الطعام كانت فوق طاقة التلاميذ، الّذين لم يكن لديهم سوى القليل من الوسائل. والفعل الذي يستخدمونه للتعبير عن هذا الرفض (متى ١٤: ١٥) هو نفسه الذي يستخدمه متى للتعبير عن تطليق الرجل لزوجته (متى ٥: ٣١).

 

كما لو كنا نقول، أنه في حال عمل يسوع بنصيحتهم وصرف الجمع، كان سيبدو الأمر كما لو تسبب في فسخ زواج ما، وفي نقض عهد ما.

 

لكن يسوع لم يأت كي ينقض عهدا، بل لإتمامه: إنه العريس.

 

اليوم، يتم وضع المشهد على منظور مختلف.

 

يسوع، هذه المرة، هو الذي ينسحب، كي يعيد تحديد مجال عمله، داخل حدود شعبه فقط، وكي يعيد تحديد قائمة المدعوين للعرس، ومن بينهم سيبقى شخص ما خارجه.

 

لكن هناك أمام يسوع، امرأة عازمة على الدخول إلى مأدبة العرس بأي حال من الأحوال، مقتنعة بوجود خبز على المأدبة يكفي للجميع، حتى لها. 

 

تطلب المرأة أن يدخل يسوع في حياتها، وفي حياة ابنتها المريضة، وأن يقوم بما قد جاء ليفعله، للجميع: ألا وهو جلب الحياة والخلاص. 

 

ويتدخل يسوع.

 

بإمكاننا القول إن عليه هو، هذه المرة، أن يقوم بالاجتياز والعبور والانفتاح.

 

وهو يفعل ذلك ببساطة من خلال الإصغاء إلى اللغة الشاملة للألم، اللغة الحقيقية التي تعطينا الجرأة.

 

ويفعل ذلك من خلال رؤية ذلك الإيمان العظيم في قلب تلك المرأة (متى ١٥: ٢٨)، الإيمان الذي طالما بحث عنه عبثاً داخل حدود إسرائيل، حتى في الأماكن التي اجترح فيها معظم معجزاته.

 

وأمام هذا الإيمان يُجرَّد يسوع من سلاحه.

 

وإذا حدث، كما سبق وقلنا إن الملكوت يتحقق عندما نكون قادرين على اكتشاف كنز الخير المدفون في أرض الحياة اليومية، فإن يسوع اليوم هو الذي يقوم بهذا الكشف. يكتشف كنز الإيمان المدفون أيضا خارج حدود إسرائيل. وها هو يجده.