موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١ يوليو / تموز ٢٠٢٠
عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الرابع عشر للزمن العادي، السنة أ، 2020

رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا :

 

(متى 11، 25-30)

 

نجد، في المقطع الإنجيلي لهذا اليوم (متى ١١، ٢٥-٣٠)، حواراً بين يسوع والآب السماوي. يتوجه يسوع إلى الآب، ويتحدّث إليه.

 

في الآيات الّتي تسبق هذا المقطع، تكبّد يسوع رفضا مزدوجا، يتعلق الأول بيوحنّا المعمدان (متى ١١، ٢-١٩)، والآخر بأعماله (متى ١١، ٢٠-٢ ٤).

 

في موقف الرفض هذا، يصلي يسوع،. وصلاته ليست تذمرا، ولا حكما وإدانة للذين يرفضونه.

 

صلاته هي عبارة عن تسبيح، لأنه يقرأ، في هذه الأحداث، ترتيب الآب ومخططه وعمله وحضور الملكوت الّذي لا يتوقف رغم رفض البشر.

 

ما هو مخطّط الرب هذا؟

 

إن مخطط الرب هو الكشف عن ذاته. 

 

إذا كان الرب محبة وشركة وهبة لذاته، فإن رغبته لا يمكن أن تكون غير هذا، وهي أن يجعل نفسه معروفاً ومحبوباً. لا يمكن أن يكون الأمر خلاف ذلك، لأنه لا يوجد حبّ يبقى منغلقًا على ذاته.

 

لقد اكتمل هذا المخطط بتجسد يسوع: لا يكفي أن يعرف الأب الابن وأن يعرف الابن الآب (راجع متى ١١، ٢٧)، لأن مصير هذه المعرفة المتبادلة هو أن تكون متاحة لكل من يريد يسوع أن يكشفه له (متى ١١، ٢٧). يأتي يسوع كي يتحدث عن هذا، كي يكشف عن وجه الآب.

 

يبدو، من كلمات يسوع، أن الاستفادة من هذا الكشف ليست للجميع، وأن بعض الأشخاص يحرمون منه، وأن آخرين، من جانب آخر، هم أصحاب حظوة خاصة، وقد تم إدخالهم في حيز هذا الحب المتبادل.

 

إنّ أول من يدخل في علاقة مع الربّ هم الصغار، لأنهم، مثل يسوع، يعرفون كيف يتقبلون الهبة.

 

لدى هؤلاء انسجام معيّن مع الرب، ولهم نفس النظرة في الحياة: يفهم بعضهم بعضا فهما متبادلا.

 

من ناحية أخرى، إن الذين لا يتخلون عن جبروتهم الشخصي، والمعتقدين أنهم ليسوا بحاجة إلى أي شيء، يظلون، بشكل أو بآخر، خارج شركة الحياة هذه، سجناء لما يمتلكونه آنيا، ولا ينفتحون على الرغبة في شيء آخر.

 

لهذا السبب، إن خبرة التعب والفقر والحاجة هي المكان المميز للقاء الرب: هناك تولد الصلاة.

 

وهذا ما يقوله يسوع في الجزء الثاني من المقطع الإنجيلي لهذا اليوم، في الآيات ٢٨-٣٠.

 

والصلاة هنا لا تعود موجّهة نحو الآب، بل إلى كل إنسان يتألم ويعاني على وجه الأرض.  

 

إن دعوة يسوع موجّهة إليهم.

 

فما هو محتوى هذه الدعوة؟

 

هي البقاء صغاراً وفقراء ومهمشين. إنها ليست دعوة لأن يصبحوا أقوياء وأثرياء، بل أن يبقوا في الحياة كما كان هو، ودعاء ومتواضعين.

 

هي الدعوة للذهاب إليه، كما توجه هو إلى الآب، حيث سيجدون الراحة والنور.

 

إن الراحة، في الكتاب المقدس، ليست مجرّد راحة جسدية، لأن ما يُتعِب الإنسان بالأكثر ليس الإرهاق الجسدي، بقدر ما هو الوحدة والعزلة. ما يتعب هو التجوال في الحياة بدون هدف وبدون رفاق.

 

ما يرهق الإنسان هو الطاقات التي نهدرها، والحروب غير المجدية التي نشنّها بحثًا عن الحياة في المكان الخطأ.

تكمن الراحة فقط في الالتقاء بالرب، وفي العلاقة معه.

 

نجد في كلمات اليوم صدى التطويبات: يرى يسوع أن ملكوت الله موجود في فقراء الروح والمهمّشين والمحزونين. فيهم يكشف الأب عن نفسه.

 

وليس ملكوت الله في قمة مستويات النجاح والقوة، وإنما في أسفل درجات الضعف والهشاشة البشرية، حيث ينفتح الضعف على الصلاة، وعلى الحضور الإلهي. ثمة نسمع الكلمة التي تطوّبنا رغم أن الواقعَ يُظهِر عكس ذلك. 

هذه هي مفارقة الإنجيل.