موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٧ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠
عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الخامس والعشرون من الزمن العادي، السنة أ، 2020

رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا :

 

٢٠ أيلول ٢٠٢٠

 

نستمع في الأحد الخامس والعشرين من الزمن العادي إلى مَثَل يصعب "هضمُه"، ويدعونا كما حدث في الأحد الماضي، إلى توسيع حدود القلب لنتبنى المنطق الذي به يُفكر الله ويتصرف، وهو منطق يفاجئنا دائمًا وفي بعض الأحيان يصدمُنا ويشكّكنا.

 

يتناول نص اليوم (متى ٢٠: ١-١٦) مَثَل رب البيت الذي خرج في أوقات مختلفة في اليوم (من الفجر إلى فترة ما بعد الظهر) كي يستأجر عَمَلة لكرمه. اتفق مع الأوائل على الأجر أما مع الآخرين فلم يتفق. وفي نهاية النهار حصل الجميع على نفس الأجر الذي اتفق عليه مع العَمَلة الذين استأجرهم عند الفجر.

 

دعونا نفكر في بعض العناصر ونطرح على أنفسنا بعض الأسئلة.

 

عنصر النشاز الأول هو تحديدًا ذلك المال الذي يُعطى للجميع بدون تمييز بغض النظر عن ساعات العمل والإرهاق والحرّ. نتساءل ونقول: هل يكترث صاحب الكرم لما يقوم به العَمَلة؟ لماذا يبدو وكأنه لا يُعطي قيمة لجهود الأولين وولائهم؟

 

نستطيع القول إن رب البيت يهتم كثيرًا بعملهم ولكنه يولي اهتمامًا لأمر أكبر.

 

يريد من الجميع، عاجلًا أم آجلًا، أن يقوموا بخبرة جوهرية وضرورية وتبني منطق أبناء الملكوت. وبموجبه يدخل المرء الملكوت ليس بناءً على مؤهلاته ومهارته وولائه. جميع هذه الأمور هي أمور حسنة إلا أنها وحدها لا تكفي من أجل أن نتذوق طعم الخلاص.

 

وهذه الخبرة تحوي لقاء مع رحمة الآب. إنها خبرة جميعنا مدعوون أن نعيشها، عاجلًا أم آجلًا، وهي تتخطى أعمالنا الحسنة.

 

انطلاقًا مما تم قوله حتى الآن، نقف أمام سؤال آخر. هل كان بوسع رب البيت أن يدفع أجرة لعمَلَته بطريقة أخرى ووفقًا لمعيار آخر يتلاءم والعدالة الإنسانية؟ يبدو أن الجواب هو سلبي في حال كان رب البيت المذكور في المَثَل هو الآب.

 

يمنح الله الجميع الشيء نفسه لأنه يمنح الجميع كل شيء.

 

لا نحصل على أجر مقابل عمل قمنا به بل ننال الحب لكوننا ما نحن عليه. وبما أننا أبناء ولسنا عبيدًا أو حتى عَمَلة، فإن ما نحصل عليه هو أكثر مما نستحقّ.

 

وما نحصل عليه هو المشاركة المجانية في حياة تعتبر هِبة ورحمة.

 

لا يُمنح الملكوت بناء على مؤهلات الإنسان، بل هو هبة تُمنح لأي شخص يقرّ بحاجته إليها.

 

إلا أن المَثَل لا يقف عند هذا الأمر. في وقت ما، سنجد مشكلة تخص فقط الذين تم استئجارهم في البداية (متى ٢٠: ١٠). لا يقبل العَمَلة الأولون نيل أجر مساوٍ لأولئك الذين عملوا وقتًا أقصر منهم.

 

إلا أن العَمَلة الأولين لم يحصلوا على أجر أقل مما تم الاتفاق عليه في البداية ولم يختبروا أي ظلم، فهم تلقوا حقّهم وأجرهم. فما هي المشكلة إذًا؟

 

المشكلة هي حقيقة أن الأواخر لم يحصلوا على معاملة مختلفة. إلا أنهم عملوا بطريقة مختلفة وحصلوا على أجر مساوٍ للعَمَلة الأولين.

 

وعليه، تتمثل المشكلة في إلغاء الاختلاف بين الأولين والأواخر. يمكننا القول إن الاختلاف قد تم إلغاؤه بين الأخيار والأشرار، بين الأبرار والظالمين وبين القديسين والخاطئين وبين المؤمنين والكافرين وبين البعيدين والقريبين وبين المختارين والوثنيين.

 

هذه هي المعضلة ومن هناك يريد يسوع أن يُظهر لتلاميذه أننا نستطيع التمتع بما مُنحنا إياه إذا ما قبلنا أن يمنحه أيضًا للآخرين وللجميع من دون تمييز، وذلك في حال قبول فكرة أن ما يعطينا إياه هو هبة مجانية وليس استحقاقًا.

 

أما إذا ظن الإنسان في قلبه بأنه أفضل ولو بقليل من غيره وعليه يستحق شيئًا آخر، فسوف يفقد كل شيء لديه، على غرار ما حدث في مَثَل الأحد الماضي (متى ١٨: ٢١- ٣٥). رأينا في ذلك المَثَل أن المغفرة تمّ الغاؤها بسبب عدم مقدرة الخادم على مشاركتها مع إخوته.

 

كما حصل في الأحد الماضي، نفقد أولًا العلاقة مع الربّ الذي لا يستطيع أن يقوم بشيء آخر غير العطاء. وهو يعطي سواسية للجميع من دون تمييز.