موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢١ أغسطس / آب ٢٠٢٠
عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الحادي والعشرين من الزمن العادي، السنة أ
المطران بيتسابالا يترأس القداس الإلهي في الكونكاترائية البطريركية اللاتينية في القدس، بمشاركة أساقفة تنسيقية الأرض المقدسة، 13 كانون الثاني 2020 (Mazur/cbcew.org.uk)

المطران بيتسابالا يترأس القداس الإلهي في الكونكاترائية البطريركية اللاتينية في القدس، بمشاركة أساقفة تنسيقية الأرض المقدسة، 13 كانون الثاني 2020 (Mazur/cbcew.org.uk)

المطران بييرباتيستا بيتسابالا :

 

دعونا نحاول الإصغاء إلى إنجيل اليوم (متى ١٦: ١٣-٢٠) في سياق الفصول التي سبقته، وإلى هذا القسم الذي تدعوه بعض نُسخ الإنجيل بـ "حدود الملكوت".

 

إذا كان التساؤل الذي تحتويه هذه الفصول يتناول حدود الملكوت، فمن البديهي أن نتساءل عن الأمر الجديد الذي يأتي به يسوع. يأتي يسوع بالأمر الجديد، وبقيامه بذلك هو يُحرّك الحدود.

 

رأينا ذلك على سبيل المثال في الأحد الماضي حينما ذهب يسوع إلى ما وراء حدود إسرائيل والتقى المرأة الكنعانية، التي دفعته بطريقة ما إلى توسيع المساحة الرسمية لملكوت الله لجعل الوصول إليه ممكنًا لكل إنسان.

 

وللدقة، لا يتعلق التساؤل بالمضمون الجديد بمعناه العام، بل يخص العلاقة بين الجديد والتقليد. في هذا الشأن، من المهم أن نتذكر مقطعين من إنجيل القديس متى.

 

يبدأ الأول في الفصل الخامس عشر، حيث نجد مجادلة حامية بين يسوع والفريسيين تتعلق بالتقليد. وهناك يُجيب يسوع الفريسيين بقوله إن التقليد الذي لا يقدر أن يُصغي وينفتح باستمرار على جدَّة الله، الذي يَكشف عن ذاته يوميًا، سوف يُصبح أبكمَ وأعمى. كما ويُشبه نبتةً لم يزرعها الآب، لذا سوف تُقلَع (متى ١٥: ١٣). لم تعُد تحمل ثمرًا وعليه لا فائدة منها.

 

أما المقطع الثاني فيبدأ في الفصل السادس عشر، حينما يقترب الفريسيون والصدوقيون من يسوع طالبين منه علامة من السماء. يُجيبهم يسوع قالبا خطابهم رأسًا على عقب، وداعيًا المستمعين إلى معرفة تفسير علامات الأزمنة كي يميّزوا الجدَّة التي تجري أمام أعينهم.

 

 سوف نأتي الان إلى إنجيل اليوم.

 

والأمور التي تقولها الناس عن يسوع تتعلق بالماضي القريب إلى حد ما: إيليا وإرميا ويوحنا المعمدان (متى ١٦: ١٦). في المقابل، نجد بطرس يفتح ذاته لما يكشفه الآب ويُدرك كيف يستوعب الجديد المطلق الذي يحمله يسوع.

 

لا يُعد هذا أمرًا يستطيع القيام به، كما ولا يصدر عنه أو عن حدسه أو ذكائه.

 

كان بطرس مباركًا لانتمائه إلى مجموعة الصغار (راجع متى ١١: ٢٥-٢٧) التي تنفتح لما يكشفه الآب. هذا الآب يُخفي أسرار الملكوت عن المنغلقين على ذكائهم وقناعتهم بتقاليدهم، ويكشفها للفقراء والعطاش للحياة.

 

وعلى غرار المرأة الكنعانية في إنجيل الأحد الماضي، يتحدث بطرس من القلب حيث يتولد إيمان مذهل، إيمان يفوق توقعاتنا، لأن يسوع هو الذي كشفه له.

 

في هذا السياق، لا بد من تفسير للتغيير الذي حدث على اسم شاول (الاسم القديم هو سمعان والجديد هو بطرس). تغيير الاسم هو رمز للموت والولادة الجديدة.

 

للوصول إلى الوحي الذي يحمله يسوع بداخله، أي أن ابن الله الحي أصبح إنسانًا، من الضروري حدوث تغيير في الواقع المنظور. بطريقة ما لا بد لبطرس أن يموت ويولد من جديد، فهو لا يستطيع أن يبقى على حاله.

 

تَميل التقاليد التي يُفسّرها الفريسيون والكتبة إلى إبقاء الأمور ثابتة على حالها. أما وحي يسوع فيدفع إلى الحركة ويولّد الحياة ويُغيّر حياة الإنسان والعلاقات بين الناس.

 

وثمار هذا التغيّر هي الدعوة لأن يصبح المرء جزءًا من الكنيسة. يموت بطرس بصفته فردًا ويولد من جديد كجزء من الكنيسة: "وأنا أَقولُ لَك: أَنتَ صَخرٌ وعلى الصَّخرِ هذا سَأَبني كنيسَتي، فَلَن يَقوى عليها سُلْطانُ الموت" (متى ١٦: ١٨).

 

لن تكون هذه كنيسة بطرس ليبنيها ويخلّصها، بل كنيسة يسوع إذ سيحمل بطرس مفاتيحها سويًا مع سلطة "الربط والحلّ" (متى ١٦: ١٩).

 

تدل العبارات المستعملة للحل والربط على معانٍ مختلفة في العهد القديم، يتعلق أكثرها شيوعًا بما هو مسموح ومحظور فضلًا عن تفسير شريعة موسى.

 

وعليه، ومن خلال بقائنا في المنطق الذي سمعناه في هذا المقطع، يمكننا القول إن مهمة بطرس تتمثل في رسم حدود الملكوت تمامًا كما فعل يسوع.

 

وسيكون بإمكانه القيام بذلك، ليس من منطلق ولائه التام على غرار سلوك الكتبة والفريسيين، بل من خبرة الرحمة. الرحمة التي سيريه إياها الرب في كل مرة سينسى فيها بطرس أن الجسد والدم لن يبقياه متحدًا بالرب، بل إيمان الفقراء المتواضع الذين لهم يكشف الآب ابنه.