موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٨ أغسطس / آب ٢٠٢٠
عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الثاني والعشرين للزمن العادي، السنة أ
إنه العبور الذي نخرج فيه من موقف مأساوي يائس لا سبيل للخروج من

إنه العبور الذي نخرج فيه من موقف مأساوي يائس لا سبيل للخروج من

المطران بييرباتيستا بيتسابالا :

 

(متى ١٦: ٢١-٢٩)

 

لفهم هذا المقطع من إنجيل اليوم (متى ١٦: ٢١ - ٢٧) نستعين بثلاثة ظروف زمان نجدها مبعثرة بين آياته.

 

نجد الظرف الأول مباشرة في بداية المقطع، في الآية ٢١، حيث نقرأ أنه " منذئذ بدأ يسوع المسيح يُظهر لتلاميذه أنه ينبغي له أن ...".

 

هذه العبارة، "منذئذ أو منذ تلك اللحظة"، لدى متى، لم تكن أبداً مجرد ظرف زمان، بل إشارة إلى عبور وتغيّر، وإلى حدث يدل على نقطة تحول.

 

منذ تلك اللحظة يتغير شيء ما.

 

نجد التعبير اليوناني نفسه (apò tóte) في فقرة أخرى من متى، في الفصل ٤، الآية ١٧: نجد أنفسنا فورًا بعد حادثة التجارب في البرية. يتم إعلام بالقبض على يوحنا، فينسحب إلى الجليل. يزور الناصرة ثم يذهب للعيش في كفر ناحوم. ومنذ تلك اللحظة، يبدأ يسوع كرازته، داعيًا الذين يستمعون إليه لتغيير تفكيرهم، لأن ملكوت الله قريب.

 

حسناً، نجد هنا شيئًا مشابهًا جدًا اليوم.

 

لقد أعلن بطرس لتوه وعلانية عن قناعته بأن يسوع، معلمه، ليس نبيًا بسيطًا، بل ابن الله نفسه، موضحًا أنه أدرك شيئًا من سره العميق. منذ تلك اللحظة يرافق يسوع تلاميذه في خطوة أخيرة من خطوات معرفتهم لسرّ المسيح وسرّ الملكوت.

 

لم يفعل ذلك على الفور، بل منذ تلك اللحظة، التي كان ضروريا فيها تجنب تجربة ووهم مسيح قوي وقدير، تمامًا كما فعل يسوع عندما جربه الشيطان.

 

من تلك اللحظة، يعلن يسوع أن المصير الذي ينتظره سيكون مصير كل إنسان، يتسم بالموت والألم. ويعلن أن كونه ابن الله لن يعفيه بأي حال من الأحوال من العداء والرفض والألم والموت.

 

وكما في بداية رسالته، منذ تلك اللحظة فصاعدًا، يدعونا يسوع إلى تغيير تفكيرنا، وإلقاء نظرة على سر الله، تماماً كما يفعل مع بطرس والتلاميذ الآخرين في لحظة التحوّل هذه.

 

منذ هذه اللحظة، يجب على التلاميذ الأخذ بعين الاعتبار أن معلمهم سيواجه نفس مصير العبد المتألم.

 

نجد العبارة الزمنية الثانية في كلمات يسوع نفسه لأتباعه: يجب أن يتألم يسوع كثيرًا ويقتل وفي اليوم الثالث سيقوم مرة أخرى (راجع متى ١٦: ٢١).

 

عبارة اليوم الثالث، في الكتاب المقدس، مليئة بالمعاني وتتكرر عدة مرات (تكوين ٤٢: ١٨؛ خروج ١٩: ١٦؛ يشوع ٢: ٦ ؛ أيوب ٢: ١؛ أستر ٥: ١؛ هوشع ٦: ٢ ...) وتُستخدم لتعني نقطة تحول وعبور.

 

أي عبور؟

 

إنه العبور الذي نخرج فيه من موقف مأساوي يائس لا سبيل للخروج منه. إن نقطة التحول والخلاص هذه، لا تحدث أبدًا على الفور، في اليوم الأول، بل دائمًا في اليوم الثالث، عندما يكون واضحاً أنه ليس قدرة الإنسان هي الّتي تولد نقطة التحول، بل الرب وحده، ونعمته.

 

وعليه يمكننا القول إن العبور الأول الّذي يجب على التلاميذ القيام به هو العبور نحو الصليب، نحو ذلك السر الذي يختار الربّ أن يُخلصنا بواسطته، من خلال الذهاب في محبتنا حتى النهاية، دون تراجع.

 

ولكن لا يمكننا التوقف عند هذا الحد، فهناك خطوة أخرى يجب القيام بها، خطوة نكتشف بها أنه بعد تلك اللحظة، هناك يوم ثالث، فيه نُعطى الحياة مرة أخرى.

 

وهناك ظرف زمني أخير، وهذه المرة بطرس هو الّذي ينطق به. في الواقع، يقول بطرس ليسوع "لن يكون لك هذا أبداً" (متى ١٦: ٢٢).

 

يريد بطرس أن يُبعد عن يسوع كل ما يمكن أن يحدث له منذ تلك اللحظة.

 

ولكنه، بذلك، لا يسمح له الدخول في اليوم الثالث، ولا اختبار الخلاص الآتي من الآب، ولا استرجاع الحياة (متى ١٦: ٢٥).

 

إن عكس كلمة "أبداً" هو "دائماً".

 

غالبًا ما يميل الإنسان إلى قول كلمة أبداً وإلى تجنب كل ما لا يحلو له، وكلّ ما يُخيفه، وإلى تجنّب الحياة.

 

بينما ظرف الزمان لدى الرب هو: دائما، في كل مرة، وفي كل يوم.

 

في كل مرة نفقد فيها حياتنا، يجعلنا الرب نجدها.

 

تُختتم بشارة متى كالتالي: "هاءنذا معكم كل الأيام، إلى انقضاء الدهر" (متى ٢٨: ٢٠).